كل ملامح الشارع المصري حاليا تقول ان الإخوان المسلمين قادمون وبقوة وان الساحة أصبحت شبه خالية لهم فقط الآن! فالمشهد المتكرر الذي نراه في كل شوارع وأحياء مصر يعكس انتشار وسيطرة ونفوذ الإخوان وتحركهم المنظم لاكتساح الانتخابات البرلمانية القادمة. فبعيدا عن اللوحات واللافتات التي تحمل شعارات حزب العدالة والحرية الذي يمثل الجناح السياسي لجماعة الاخوان في الانتخابات فإن شوادر بيع اللحوم بأسعار مخفضة في الأحياء الشعبية تمثل وجودا أكثر تأثيرا وفاعلية للإخوان وارتباطهم بالشارع وتفاعلهم معه! وأيا ما كان الحديث حول الرشاوي الانتخابية وشراء أصوات البسطاء من الناخبين بالمواد التموينية والمساعدات فإن هذا يبقي أسلوبا لا يمكن مقاومته أو الحد منه! فما قيمة الخطب والشعارات إذا كانت لا تعالج مشاكل الفقراء ولا تلبي احتياجاتهم وتطلعاتهم وأمانيهم البسيطة وهذه الأحلام والتطلعات هي المساحة التي يتحرك فيها الإخوان ويجيدون استغلالها وربط الناخبين بهم. وإذا كان ساويرس يتحدث عن وجود دعم مادي من الخارج للتيارات الدينية فإن هذه قضية لن تؤثر كثيرا في موقف رجل الشارع العادي تجاه الاخوان بعد ان اصبح مقتنعا ان الجميع يتقاضون تمويلا من الخارج ولا فرق في هذا بين الليبراليين وأصحاب التوجهات الدينية. غير ان الأهم بالنسبة لرجل الشارع العادي هو ان اصحاب التيارات الدينية يوجهون هذا الدعم لخدمتهم وتوفير متطلباتهم أما اصحاب الفكر من الليبراليين فيذهب الدعم والتمويل إلي حساباتهم الخاصة!! والحقيقة ان الاخوان لا يعتمدون فقط علي شوادر اللحوم أو تقديم الأرز والسكر للفقراء إنما هم قوة منظمة تتحرك بوعي وفاعلية لاغتنام فرصة انتظروها عقودا طويلة من الزمان دون ان يكون لهم بصيص أمل في وجودها ولولا ثورة 25 يناير ما كان ممكنا لهم ان يظهروا في الساحة كقوة سياسية مؤثرة لها صوت وتأثير مسموع. وهم الأذكي في محاولاتهم عبور العقبات والشكليات فلم يتوقفوا طويلا أمام شعار "الإسلام هو الحل" الذي منعته اللجنة العليا للانتخابات استخدامه وانطلقوا تحت شعار جديد هو "نعمل الخير لمصر" وهو شعار أكثر عمومية وانفتاحا ونشروا العديد من الحملات الاعلانية الضخمة التي تدل علي قوتهم المالية واستعدادهم الجيد ووصلوا بهذه الحملات إلي الصحف القومية أيضا التي رحبت بنشر اعلاناتهم التي تحمل صورة لأب وأم محجبة مع شعار "نعمل الخير لمصر". وهم من الذكاء أيضا بحيث يتفادون في الوقت الحالي الإفصاح بشكل واضح عن توجهاتهم المستقبلية ويفضلون التحدث عن الدولة المدنية التي تجمع كل طوائف الأمة حتي لا يعرضوا أنفسهم للدخول في مواجهات اعلامية قد تنال كثيرا من مصداقيتهم وانتشارهم وتثير المخاوف من قدوهم للبرلمان والسيطرة عليه. وعلي العكس الجماعات السلفية التي أوضحت مواقفها بشكل أوقعها في الكثير من المطبات الإعلامية فإن الإخوان يتحركون كقوة عاقلة ومنظمة ولها مرجعية متمثلة في مكتب الارشاد الذي يحدد خطوات التحرك وادوار قيادات الجماعة. ويتفوق الاخوان علي غيرهم من الجماعات السياسية الأخري الموجودة علي الساحة في ان الذين يقومون بالتحرك في الشارع يتحركون بجماعية وبتلقائية علي عكس الجماعات الأخري المتصارعة والتي تتبادل الكثير من الاتهامات والذين يتحدثون أيضا خطابا سياسيا واعلاميا غير مفهوم أو مهضوم لرجل الشارع العادي. غير ان هذا لا يعني ان المعركة سهلة أمام الإخوان لاكتساح الانتخابات البرلمانية القادمة فالحشد الليبرالي أمامهم في تزايد وقد تكون لهم الغلبة والسيطرة علي بعض الأحياء الشعبية والمناطق الريفية ولكن هناك تحالفات قوية تواجههم وتتصدي لهم "فالوفد" يعود إلي الصورة والواجهة بقوة والفلول لهم نفوذهم وتأثيرهم وقوتهم في العديد من المحافظات والائتلافات الثورية الجديدة سيكون لها نصيب في هذه المعركة وان كانت لا تتمتع بالحنكة والخبرة الانتخابية اللازمة في المعارك الانتخابية البرلمانية وقد يكتفون هذه المرة بالتمثيل المشرف أما البطولة فسوف تذهب لغيرهم رغم انهم كانوا سببا في اقامتها ورغم انهم وضعوا قواعد اللعبة وحددوا اللاعبين ايضا. وعلينا علي أية حال ان تمت الانتخابات البرلمانية في نهاية هذا الشهر ان نستعد لواقع سياسي جديد مختلف تماما عن كل ما مررنا به منذ ثورة 1952 إلي الآن! فحتي إذا لم يفز الإخوان وبقية الجماعات الدينية الأخري بالأغلبية في البرلمان فإن صوتهم اصبح مسموعا وقويا ومؤثرا واصبحوا طرفا فاعلا في صياغة مستقبل مصر واصبح لزاما علي الجميع الاعتراف بذلك والاستعداد لهذه المرحلة فالاخوان القادمون قد يرسمون ملامح الدولة الجديدة. ** ملحوظة أخيرة: قال فريد الديب محامي الرئيس السابق مبارك ان مبارك رجل طيب وانه يجب اعدام "الإعلام المصري" الذي أصبح اداة لتشويه الأبرياء!! ولا تعليق لنا علي "الديب" حتي لا نكون أول من يتم اعدامهم والتضحية بهم في العيد ويكفينا "الدياب" التي نتعامل معها كل يوم.. والتي تتلذذ "بالنهش" فقط!!