لا أعرف لماذا وجدتني أعبث في مكتب ابني الطالب بقسم اللغة العربية؟ لم أكن أبحث عن شيء سييء لا قدر الله. ولكني كنت أود أن أعرف ماذا يدرس؟ فبالرغم من أنهم يقولون عنه إنه شاب محترم ومؤدب. إلا أنه متطرف في محبة كرة القدم وشراء الأحذية وأشياء أخري مشروعة جدا. ولكي لا يحزن أساتذته فقد كان محبا قديما للغة العربية. كنت أبحث عن كتبه التي يدرسها هذا العام وأنا أعرف مقدما أن قليلا منها لا يشد القارئ العام لأسباب كثيرة لا أري ضرورة لسردها في هذا المقال. المهم أنني وجدت كتابا مهما للدكتور إبراهيم عوض بعنوان "محمد ونهاية العالم" للمستشرق الفرنسي بول كازانوفا. بالطبع شدني العنوان. ولفت نظري أنه ليس ككل الكتب الدراسية. ولكنه كتاب في الثقافة العامة المهمة لطالب هذا التخصص. عرفت ذلك بعد قراءة المقدمة القصيرة للكتاب. والتي شجعتني علي استكمال القراءة بشغف لمعرفة رؤية هذا المستشرق الفرنسي الذي مدحه الدكتور طه حسين قائلا: "ولقد أريد أن يعلم الناس أني سمعت الأستاذ كازانوفا يفسر القرآن تفسيرا لغويا خالصا. فتمنيت لو أتيح لمناهجه أن تتجاوز باب الرواق العباسي بالأزهر ولو خلسة ليستطيع علماء الأزهر أن يدرسوا. علي طريقه. نصوص القرآن من الوجهة اللغوية الخالصة علي نحو مفيد". وبدأت أبحر في صفحات الكتاب الذي يشتمل علي كتاب كازانوفا مترجما باللغة الإنجليزية لديفيد ريد روس. وجدت كازانوفا يتحرك من فكرة أساسية لا يبرحها إلي غيرها. وهي أن نهاية العالم مرتبطة بموت النبي محمد صلي الله عليه وسلم. يحاول أن يأتي من القرآن والسنة ما يؤكد غرمه حسب وجهة نظره وحسب تفسيره الذي بعد التفكير فيه جعلني أراجع مقولة الدكتور طه حسين من حيث إنه يجب أن يدرس ويعرف طلاب الأزهر طريقة جديدة للتفسير. والغريب أن تفسيره للآيات وللأحاديث التي أوردها الدكتور إبراهيم عوض غير متسق مع أساسيات التفسير. اعتمد في كلامه أن القيامة مرتبطة بموت الرسول لأن الرسول- من وجهة نظره- لم يحدد لمن يأتون بعده الطريقة التي تنتقل بها السلطة من بعده إلي غيره من المسلمين لأن النبي -كما يعتقد كازانوفا- يؤمن أنه لا حاجة أصلا لأن يخلفه أحد. لأن القيامة سوف تقوم في حياته. و بدأ الدكتور إبراهيم عوض يرد علي زعم كازانوفا الخاطئ من الكتاب والسنة وانجيل يوحنا أن تفسيره خاطئ. موضحا أن الرسول الكريم أوصي الحكام بالرعية خيرا ولا يشقون عليهم ويجب أن يكونوا رحماء بهم. وأنه نفسه -صلي الله عليه وسلم- أشار في أحاديثه إلي الخلفاء الراشدين المهدين من بعده. ورسم للأمة طريقا تسير عليه حتي قيام الساعة. وأكد في أحاديثه لآخر الزمان ونزول سيدنا عيسي للحكم بالعدل بين الناس. وأشار إلي بعض أشراط الساعة الصغري التي حدثت الآن والكبري التي سوف تحدث وذلك بعد أكثر من 1400 سنة. والغريب أنه كان يتحدث عن ذلك في القرن العشرين وكأن الزمن توقف عند الرسول-صلي الله عليه وسلم- لكي تقوم الساعة . و أهم ما يميز الكتاب الأدلة التي ساقها د. إبراهيم عوض في إطار محترم من قبول الآخر/كازانوفا. وحقه أن يختلف مع الرسول وأن يتهمه كما يشاء. وفي الوقت نفسه من حق د .عوض ومن يستطيع الرد أن يحاوره ويجادله بالتي هي أحسن ويفند آراءه الخاطئة بحسم ووضوح وجلاء. وهنا يتعلم الطلاب أن الخلاف حق. وأن من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر. و ختاماً أعتقد أن كازانوفا كان يسعي ليؤكد بخبث أن النبي قال إن القيامة ستقوم بعده ولم تقم. إذا فكل ما يقوله -النبي الكريم من وجهة نظره - كان خاطئا بدليل أننا الآن في القرن العشرين والحياة مازالت مستمرة وباقية حتي الآن في القرن الواحد والعشرين. وعليه علي المسلمين بموجب ما قال أن يتشككوا في الإسلام. وأخيراً تحية للدكتور إبراهيم عوض الذي فند فساد وغرض فكر كازانوفا في كتابه الذي ابتعد تماما عن الرؤية الدراسية التقليدية وقدم لنا كتابا فكريا يتعامل مع النقد والعقل والمنطق. كما يجب علينا أن نمنع كازانوفا من الاقتراب من رواق العباسين في الأزهر لو قدر له وعاد للحياة ولو غضب الدكتور طه حسين الذي أحبه كثيرا!!