عمد الدكتور إبراهيم عوض إلى الرجوع إلى النص الأصلى لعديد من الكتب المترجمة عن اللغات الأوربية الحية وخصوصا الانجليزية والفرنسية التى يتقنها، ولسوف نستشهد بكتابين قام بدراستهما الأول: كتاب الجغرافيا لمالطبرون Malte-Brun, Conrad" وهو عالم جغرافى دانمركى الأصل فرنسى التجنس. نُفِىَ إلى فرنسا سنة1800م بسبب كتاباته المؤيدة للثورة الفرنسية حيث اشتغل صحفيا ومؤلفا لكتب الجغرافيا. عاش فى القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، وأسس الجمعية الجغرافية الباريسية، وله كتاب ضخم من ثمانية مجلدات أرخ فيه لعلم الجغرافيا فى العالم كله قديما وحديثا، الذى ترجم منه رائد النهضة الحديثة رفاعة رافع الطهطاوى(1801-1873)، المجلد الأول والمجلد الثالث. وقد ظل الدكتور عوض يبحث عن النص العربى الذى قام بترجمته الطهطاوى أياماً وليال حتى عثر علي المجلد الأول فى مكتبة جامعة عين شمس، وقد فرح كثيرا بعدما وجد ضالته، وقرأ الكتاب قراءة متأنية فوجد اختلافات عديدة فى ترجمة الطهطاوى، والتمس العذر للطهطاوى الذى ذهب لفرنسا إماما يعلم المبتعثين أمور دينهم، ويؤمهم فى صلواتهم، فاجتهد حتى تعلم الفرنسية، ولم يكن قد تعلم لغة أجنبية سواها من قبل، ولم تكن وقتئذ معاجم فرنسية عربية متعددة كما هو الأمر الآن، كما أن رفاعة إنما تعلم لغة الفرنسيس على كِبَرٍ ودون تمهيد من معرفة لغة أجنبية أخرى، ولم يكن فى الحسبان: لا حسبانه هو ولا حسبان الدولة المصرية أن يتعلمها أو يتعلم شيئاً غيرها مع من ذهبوا إلى عاصمة الفرنسيس فى بعثة تعليمية، وفوق هذا فإن رفاعة قد ترجم المجلد الأول، الذى يقع فيه الفصل الخاص بالجغرافيين المسلمين فوجد لديه هنات فى الأسلوب والمصطلحات فأحصى الدكتور عوض الفروق قائلاً: "كان الطهطاوى يستخدم فى بعض الأحيان مصطلحات وألفاظا تختلف عن مصطلحاتنا وألفاظنا اليوم. وليس هذا بالأمر الغريب، فقد كان رحمه الله رائدا فى وضع المصطلحات والألفاظ العلمية والفكرية الحديثة ترجمةً عن الفرنسية، التى ترجم منها بعض الكتب الهامة، فكان عليه أن يبحث عن المقابل العربى للمصطلحات الأجنبية التى تقابله فى قراءاته وترجماته. وقد كُتِب النجاح والانتشار لبعض مصطلحاته، ولم يُكْتَبا لبعضها الآخر، وهذا أمر طبيعى جدا، إذ المسألة مسألة أذواق وحظوظ، وليس مطلوبا من أى إنسان كائنا ما كان علمه ومقدرته اللغوية أن تحظى كل مصطلحاته وألفاظه بالقبول والاستعمال، بل يكفيه أن يقبل الرأى العام الثقافى بعضها فيكون من المجدودين. وينبغى أن نعرف أن المصطلحات الحديثة التى نستخدمها اليوم، وتُعَدّ بالألوف، هى من صنع طوائف مختلفة من الكتاب. وقد ترك كثير منهم مصطلحات لم تحظ بالتوفيق، فالطهطاوى ليس شيئا فريدا فى هذا الميدان. ومن المصطلحات التى كان يستعملها رفاعة ثم لم تعد تجرى على أقلام الكتاب على الإطلاق أو لم تعد تجرى بذات الطريقة التى يكتبها بها كلمة "الصنم" (بدلا من "التمثال")، و"الخرطة" (أى "الخريطة")، و"البحر المحيط الغربى، أو البحر الأطلنطيقى" (المحيط الأطلسى أو الأطلنطى)، و"البحيثجزيرة" (شبه الجزيرة)، و"الكتبخانة" (المكتبة الوطنية)، و"المدرسة الجامعة" (الجامعة)، و"الخواجة" (المسيو/ السيّد)، و"المعلّم" (الأستاذ)، و"تلخيص" (مختارات)، و"تخطيط" (وَصْف)، و"دُوشة" (دُوقيّة)، و"المشورة" (مجلس الأمة/ البرلمان)، و"علم الهيئة" (الجغرافيا الرياضية)، و"درجات الأطوال والعروض" (درجات الطول والعرض)، و"السَّوّاح" (الملاّح)، و"عبارات" (وثائق)، و"زهو" (ازدهار)، و"الزرائف" (الزَّرَاف)، و"الإفرنج" (الأوربيون)، و"شُعُوب الجبال" (شِعَاب الجبال)، و"أرباب الطبيعة" (علماء الطبيعة)، و"أرباب البحث" (الباحثون)، و"كِيرات الحديد" (مسابك الحديد)، و"العَجَم" (بلاد فارس)، و"السودان" (الزنوج، جمع "أَسْوَد"، لا البلد المعروف)، ومُرْمِلة" (رملية)، و"الموسقو" (الروس)، و"التخيلات المذهبية" (الآراء المطردة)، و"السلطنة" (الإمبراطورية)، و"إقليم بنغالة" (بلاد البنغال)، و"أمريقة" (أمريكا)، و"إنكلتيرة" (إنجلترا)، و"إرلندة" (أيرلندا)، و"أفريقة" (أفريقيا)، و"مدغشقار" (مدغشقر)، و"قشمير" (كشمير)، و"سومطرا" (سومطرة)، و"جاوا" (جاوة)، "مَرْق بُول" (ماركو بولو)، "البرتوغاليون" (البرتغاليون)، "بنباى" (بومباى)، "مُعَرِّفون لما يَقْدَم من السفن" (مرشدون بحريون)، و"الدلطة" (الدلتا)، و"البحر المحيط الشرقى" (المحيط الهادى)، و"العطريات" (التوابل)، و"جزائر كالينة" (جُزُر كارولين)، و"أورمسدة وأريمان" (هرمزد وأهريمان: إلها الخير والشر عند الفُرْس)، و"ترمرلنك/ تمرلنك" (تيمورلنك)، و"الخوزار" (الخزر)، و"الملائية" (سكان بلاد الملايو)، و"اليابونية" (اليابانيون)، و"الفرنساوية" (الفرنسيون)، و"اللزجيّة" (الصُّغْد)، و"التتر" (التتار)، و"جزائر الفلبينة" (الفلبين)، و"المندنوئيل" (مانديناو)، و"الملديوة" (المالديف)، و"هندستان" (هندوستان)، و"إقليم الدقان" (إقليم الدكن)، و"نهر الكنك" (نهر الكنج)، و"نهر وُلْغا" (الفولجا. وكان فى الدوحة مطعم اسمه "الولغا" يديره ناس من وسط آسيا تعشيت فيه مرتين)، و"وِرْسِطَة" (verste: مقياس روسى قديم يساوى كيلو مترا وسبعة وستين مترا، يعرّبه سهيل إدريس فى "قاموس المنهل" ب"فَرْسَت"). وهناك عبارة تكررت عنده مفهمومة المعنى من السياق، لكنى رغم هذا لا أعرف أحدا غيره قد استخدمها، كما أننى لا أدرى وجه استخدامه لها ولا كيفية دلالتها على ما يريد الدلالة عليه، وهى قوله: "وأكثر أهلها قائمة الدين المحمدى" (ص146)، والمقصود أنهم يدينون بالإسلام." وقد وقف الدكتور عوض أمام لفظpeninsula" " الذى ترجمه الطهطاوى "البحيثجزيرة" وقد رجع الدكتور عوض للمعاجم المعاصرة لزمن رفاعة، ومنها قاموس إلياس بقطر، الذى ترجمها "جزيرة" .. أما قاموس "مورفى" فيخلو تماما منها، وقد رجع إلى أمهات كتب الجغرافية العربية وقع على مصطلح "شبه الجزيرة" ففى كتاب "أحسن التقاسيم فى معرفة الأقاليم" للمقدسى: "منارة الإسكندرية قد أرسي أساسها في شبه جزيرة صغيرة يدخل إليها في طريق ضيقة بالصخر محكمة، فالماء يسطع المنارة من جانب الغرب، وكذلك حصن المدينة، إلا أن المنارة في جزيرة". وفى "سفر نامة" لناصر خسرو نقرأ: "وفي الاصطلاح يقال لليمن: حِمْيَر، وللحجاز: العرب. ويحيط البحر البلدين من ثلاث جهات، فهما شبه جزيرة يحدها شرقًا بحر البصرة، وغربًا بحر القلزم، الذي تقدَّم أنه خليج، وجنوبا البحر المحيط. وطول شبه الجزيرة هذه، التي هي اليمن والحجاز، من الكوفة إلى عدن، أي من الشمال إلى الجنوب، خمسمائة فرسخ". وفى "معجم البلدان" لياقوت: "وللمنصورة خليج من نهر مهران يحيط بالبلد، فهي منه في شبه الجزيرة". وفى "الزيج" للبتانى: "وصارت هذه الأرض شبه الجزيرة، وسَمَّوْها: أوروفي"، ويتساءل: (أما "البحيثجزيرة" فلا أدرى من أين أتى رفاعة بها ولا ما هو وجه الحكمة فى استعماله لها فى هذا المعنى. ولعله كان فى يده معجم فرنسى عربى غير مُعْجَمَىْ مورفى وبقطر). وثمة ملاحظة أخرى لاحظها وهى ترجمة الطهطاوى اسم "El-Bakoui" على أنه "البَغَوِىّ" (ص144). ولم يستسيغ هذا لأنه لم يبرع من العلماء المسلمين فى علم الجغرافيا من سمى البغوى، وبحاسة الدكتور العالية رجع إلى كتاب "تاريخ الفكر الجغرافى" لكراتشكوفسكى، فوجد فيه عالم عاش فى القرنين الثامن والتاسع الهجريين يدعى "الباكوى"، وعلق على هذا قائلاً: "ولا أكتم القراء أننى فى بداءة الأمر شعرت بالسخط على نفسى لعجزى عن التخمين، كما صنع الطهطاوى، بأنه هو "البغوى"، وإن ظللت رغم هذا أستغرب أن يكون هناك جغرافى عربى يلقب ب"البغوى" مثل المفسر المشهور، وبخاصة أنه ليس من عادة المستشرقين الرمز إلى الغين بحرف ال"q"، بل يرمزون إليها ب"gh"، وقد كُتِبَت البغوى هكذا: "El-Bakoui" بال"q" لا بال"gh"، علاوة على وجود "o" بعد ال"q"، على حين أن الغين فى "البغوى" مفتوحة. ثم لم أمض فى القراءة بضعة أسطر حتى تنبهت إلى ما ذكره مالطبرون من أن ذلك العالم من مدينة باكو، فسرعان ما رن فى خاطرى السؤال التالى: أيمكن أن تكون الكلمة هى النسبة إلى "باكو"؟ ولكنْ، للمرة الثانية، ظللت أشعر بالاستغراب أن يكون هناك عالم مسلم فى تلك العصور يلقب بال"باكُوِىّ". بيد أن ما استغربته كان هو الصواب، إذ ذهبت إلى كتاب كراتشكوفسكى، الذى يعد موسوعة فى بابه، وبحثت عن جغرافى مسلم قديم يسمى: "الباكُوِىّ"، لأجد فعلا أنه كان هناك فعلا جغرافى بهذا اللقب الغريب. وهذا الباكوى، واسمه كاملا عبد الرشيد بن صالح بن نورى الباكوى، كان يعيش فى القرنين الثامن والتاسع الهجريين (الخامس عشر والسادس عشر الميلاديين)، وإن كان هناك خلاف حول اسمه الحقيقى رغم هذا. لكنْ يبقى أن قراءة الطهاوى لكلمة "El-Bakoui" لم تصب الهدف، مثلما لم تصبه ترجمتُه للعنوان الفرنسى لكتاب الباكُوِىّ، إذ أعاده إلى العربية بالمعنى قائلا إنه "عجائب المولى القادر فى أرضه: Les merveilles de la toute-puissance sur la terre" (P. 185)، وهو العنوان الذى أثار دهشتى واستبعدت أن يكون صحيحا، فهو لا يحمل نكهة عناوين ذلك الوقت. أما العنوان الحقيقى فهو "تلخيص الآثار وعجائب الملك القهار" (انظر كراتشكوفسكى/ تاريخ الأدب الجغرافى العربى/ ترجمة صلاح الدين عثمان هاشم/ لجنة التأليف والترجمة والنشر/ القسم الثانى/1965م/ 517 وما بعدها، وإن كنت قرأت فى مرجع آخر أن اسمه هو "تلخيص الآثار فى عجائب الأقطار"). افتراءات جوزيف هل فى كتابه "الحضارة العربية": وحينما طالع كتاب "الحضارة العربية" ل"جوزيف هل" الذى صدر عن كتاب الهلال ترجمة الدكتور إبراهيم العدوى، وجد أن الدكتور إبراهيم العدوى قد تصرف فى الترجمة العربية لحساب المؤلف وعلى حساب الحقيقة العلمية، فلم يذكر افتراءات الكاتب الجرمانى الظاهرة والمستترة حول النبى وسيرته وموقفه من الوحى ومن وقائع أخرى فى التاريخ الإسلامى وخصوصا تعامل الرسول مع يهود بنى قريظة عقب غزوة الأحزاب ، واتهامه له بأنه ارتكب تطهيرها عرقيا بحقهم، ومما لم يذكره المترجم الذى حور وداور حتى ينكر سلوكه وافتراءاته وكذبه، واستشهد الدكتور عوض بكلمات المؤلف الأصلية من نصه الانجليزى حتى يدعم موقفه، فقال : "ومما حور د.العدوى فيه من كلام مستشرقنا قول هِلْ: "According to the old biographers the Prophet believed he had heard the first words from the other world in a trance"[4]، الذى يعنى أنه، طبقا للكتَّاب الأوائل لسيرته ، كان النبى يعتقد أنه سمع الكلمات الأولى من العالم الآخر فى حالة غياب عن الوعى، إذ جاءت الترجمة هكذا: "وتروى لنا كتب السيرة القديمة أن الرسول سمع هذه الكلمات التى ألقى بها الوحى لأول مرة وهو فى حالة أشبه بالحلم". دعنا من الاختلاف فى التفاصيل بين ترجمتى وترجمة د. العدوى، فليس هذا بالأمر المهم، بل المهم هو أن المؤلف يقول إن النبى "كان يعتقد أنه سمع تلك الكلمات من العالم الآخر" بينما تقول الترجمة إنه سمعها فعلا من الوحى. والفرق واضح بين الأداءين. وكيف يعرف القارئ ما قاله المستشرق بالضبط؟ لقد كانت هناك طريقة أخرى يمكن أن ينهجها المترجم إذا كان يتحرج من نقل الأصل كما هو، إذ كان بمستطاعه أن يكتب ما يريد فى النص، ثم يوضح فى الهامش ما قاله المؤلف. وهى أخف بعض الشىء من إثبات كلام المستشرق فى النص كما هو. إن المستشرق، بطبيعة الحال، لم يكن من المسلمين، ومن الطبيعى إذن ألا يؤمن بالوحى. وهو، على الأقل فى ظاهر القول، لم يرم النبى بالكذب كما يفعل بعض المستشرقين الآخرين الذين يصورونه مخادعا كذابا، بل صوّره صادقا فى اعتقاده بأنه تلقى الوحى من السماء، وإن لم يكن لهذا الاعتقاد وجود خارج نفسه ، إذ هو مجرد تصورات غير صحيحة، لكنه لم يخترعها اختراعا. صحيح أن المستشرق لم يقل ذلك فعلا، بَيْدَ أن هذا هو ما يكمن بين السطور. وللمستشرقين غير المسلمين تفسيرات ثلاثة لنبوة محمد : أنه كان كذابا مخادعا عن سبق إصرار، أو أنه كان واهما مخدوعا يظن أنه نبى على حين أنه لم يكن كذلك، أو أنه كان مريضا بمرض عصبى هو السبب فى الهلاوس أو الهستيريا التى كان يتخيل معها مشاهدة جبريل وسماعه بينما الحقيقة أنه لم يكن هناك ما يُرَى ولا ما يُسْمَع، بل لم يكن هناك جبريل أصلا. إنْ هى إلا أوهام خيلها له المرض النفسى الذى كان يعانى منه. وقد تناول كاتب هذه السطور تلك الشبهات الثلاث وفصّل القول فيها وفى تفنيدها تفصيلا فى كتابه: "مصدر القرآن- دراسة لشبهات المستشرقين والمبشرين حول الوحى المحمدى". كذلك يتحدث جوزيف هِلْ عن تردد النبى الشديد قبل أن يدعو القرشيين إلى الإسلام، فيغير المترجم المعنى قائلا إن النبى "عمد إلى نشر رسالته سرا بين قريش". وهذا غير ذلك. وكان ينبغى أن يلتزم د. العدوى بما كتبه المؤلف ثم يبين فى الهامش مثلا أنه لم يتردد لحظة فى تبليغ رسالته بعد أن أمره الله بالتبليغ، وأن كل ما فعله هو محاولة التحقق من أن ما وقع له فى الغار هو رؤية وسماع حقيقيان لا وهم توهمه. إبراهيم عوض وتفسير القرآن وعلومه: قام الدكتور إبراهيم عوض بتفسير عددا من سور القرآن الكريم وهى سورة المائدة والنساء ومنهجه فى التفسير كان يميل إلى الانتفاع من المنهج الأسلوبى في دراساته للقرآن الكريم، وبخاصة في مجال التفرقة بينه وبين الحديث النبوى، والتمييز بين المكي والمدني منه، كما تصدى لأقوال المستشرقين ومزاعمهم وأكاذيبهم، كما ناقش آراء المفسرين المسلمين من غير العرب مثل المودودى، وكذلك عقد مقارنة بين القرآن العهد القديم فى الأمور المتناظرة ثم تطرق لقضايا السورة التشريعية مثل حدة الردة وخبر أهل الكتاب كما فى سورة المائدة، ونفى ما يزعم الزاعمون من أن هناك آيات وسورا كانت موجودة فيه ثم أسقطت، مثل آيتى الغرانيق وسورة "النورين"، وقد زعم فريق من الشيعة أن القرآن الكريم قد سقطت منه بعض النصوص التى تتحدث عن حق سيدنا على رضى الله عنه وذريته فى إمامة المسلمين بعد النبى صلى الله عليه وسلم ومن هذه النصوص فى زعمهم سورتان كاملتان تسميان "الولاية"، و"النورين"، وقد تلقفت طائفة من المستشرقين والمبشرين هذه الورقة وأخذت تلعب بها بغية إثارة الشك فى النص القرآنى أو على الأقل بلبلة المسلمين والعمل على إغاظتهم وإيقافهم موقف المتهم المدافع عن نفسه بما يخلفه ذلك الموقف فى نفس صاحبه عادة من إحساس بالحيرة والدونية، ولقد رأى الدكتور عوض أن يدرس إحدى السورتين دراسة علمية فى كتاب له بعنوان "سورة النورين" فحلل أسلوب السورة ليرى مدى اقترابه من الأسلوب القرآنى أو ابتعاده عنه فثبت له على نحو قاطع أنها لا تمت للقرآن بأى وشيجة، وأن التزييف فيها والركاكة واضحان تمام الوضوح إلى جانب تناقضاتها وسخف معانيها فمازالت يرد عليها آية آية يكشف عن فساد ألفاظها وتصوراتها ..
وله أكثر من كتاب تناول فيه بالدراسة النقدية التحليلية عددا من الترجمات القرآنية التي قام بها فرنسيون وإنجليز، وأغلبهم من المستشرقين، مبينا عيوب تلك الترجمات ومفندا المزاعم التي ادعاها بعض الدارسين الغربيين عن القرآن. كما أنه في الكتب التي درس فيها بعض السور القرآنية كان حريصا على أن يرجع إلى ما كتبه المستشرقون والمسلمون غير العرب في ذات الموضوع، بالإضافة إلى أنه يبدأ دائما كل دراسة من هذا النوع برصد السمات الأسلوبية التي تؤكد مكية السورة أو مدنيتها، فضلا عما تنفرد به السورة من خصائص أسلوبية لا تشاركها فيه أية سورة أخرى..كما ألف كتابين فى غاية الأهمية "مسير التفسير"، و"من الطبرى إلى سيد قطب".
وفى النهاية نقول: هذا قليل من كثير عن الدكتور إبراهيم عوض ، هذا الرجل الموسوعى الذى يعجر المرء للوصول إلى شاطئه الآخر فى محيطه العلمى المتشعب الذى برع فى مجالات عدة من المعرفة فى العلوم اللغوية والأدبية والنقد والترجمة والتاريخ والفكر الإسلامى والعلوم الإسلامية.. فهذه المقالات قصد منها التعريف بجوانب من جوانب فكره وعلمه ..