الطعن في القرآن الكريم وسيلة شيطانية ألقاها إبليس في روع الكفرة الفجرة منذ نزول القرآن الكريم علي رسول الله محمد صلي الله عليه وسلم. بدأ الطعن مع نزول القرآن وأخرس القرآن أفواه هؤلاء الطاعنين منذ العهد المكي الأول للدعوة الإسلامية. ظل الوضع علي استحياء من قبل بضع ممن أفتتن بعقله وكفر بأنعم الله. حتي أشرف القرن التاسع العشر حينما ظهرت طائفة المستشرقين في الجامعات الأوروبية. واتصالها بالعالم الإسلامي. استمر هذا الوضع في محاولة لغزو العقل المسلم. إلا أن العقلية المسلمة كانت أكثر عصياناً علي مثل هذا الغزو. ظل هذا الوضع قائما حتي تم اتصال المستشرقين المباشر بأبناء العالم الإسلامي وعلي وجه الخصوص أبناء مصر. فبدأوا يحشون أدمغتهم بمفترياتهم. فمنهم من صدق وعده مع الله مجاهدا لهذا الفكر وهذا الطعن. وقليل منهم من صدقهم أو قل من أفتتن بهم في بداية حياته ثم ما لبث أن عاد إلي رشده. قاد بعض المفتونين بالأفكار الاستشرافية عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين. وتوج فكره بهذه الأفكار بعد عودته من فرنسا بكتابه "في الشعر الجاهلي" الذي أثار ضجة لم تهدأ إلا بعد أن تراجع عن جزء من أفكاره وأعاد طبع الكتاب بعد حذف المسائل الفجه في قمة الطعن في القرآن وصدر الكتاب بعنوان جديد في الأدب الجاهلي. تتلمذ علي يده العديد من الطلاب الذين تبنوا هذا التفكير الذي تخلي هو عنه. ولكنهم لم يكونوا بقوته وحنكته وبراعة لغته. وإن شئت فقل عنهم أقزام. حتي وصلت إلي مدعي هذا الفكر المدعو سيد القمني الذي لا يملك براعة لغة طه حسين ولا حافظا لكتاب الله مثله. ولم يملك قوة الحجة كما ملكها د. طه حسين. فضلا عن كون هذه الأفكار أصبحت أفكارا بالية بعد أن أشبعها العلماء والمفكرون هدما بعد أن سواها بالأرض واصبحت كومة من الدنايا تلقفتها سلال زبالة التاريخ. أساطير الأولين! قبل أن نصل إلي د. طه حسين والقمني فإن الكلمة التي القاها ابليس علي لسانها وهي "القرآن نص أدبي" لطه حسين. والقرآن "نص تاريخي" للقمني أي أن القرآن كتاب قابل للنقد والطعن.. قبل أن نصل إليهما. فإننا نتوقف عند قول المارقين من الكافرين حينما قالوا فور نزول القرآن "إنه أساطير الأولين" أي كتاب تاريخي يحكي الأساطير الصادقة والكاذبة.. يقول تعالي في سورة الأنعام مكية "ومنهم من يستمع اليك وجعلنا علي قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرآً وإن يروا كل آية لا يؤمنون بها. حتي إذا جاءوك يجدلونك يقول الذين كفروا إن هذا إلا أساطير الأولين" فقد وصف الله هؤلاء بأن علي قلوبهم غطاء. وفي آذانهم صمماً. حينما قالوا: "إن هذا إلا أساطير الأولين" أي أكاذيب وخرافات السابقين. وهذا مازال للأسف ما يتحدث به القمني. وتتعدد الآيات القرأنية لتؤكد إفك هؤلاء ففي سورة الانفال يقول تعالي: "قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا إن هذا إلا أساطير الأولين" وفي سورة النحل يقول تعالي: "وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم قالوا أساطير الأولين" وزاد هؤلاء الطاعنين في غيهم فقالوا كما جاء في سورة الفرقان "وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملي عليه بكرة وأصيلا". إذن فكرة الطعن في القرآن والنص القرآني ليست إبداعا جديدا لا هو من إبداع المستشرق الغربي ولا طه حسين ولا القمني إنما فريه اكتتبها ابليس في روع من أعماه الله عن الحق. الشعر الجاهلي تعود قضية كتاب "الشعر الجاهلي" للدكتور طه حسين بعد أن عاد من فرنسا بعد حصوله علي الدكتوراه عن ابن خلدون عام 1917. وتولي تدرسي مادة التاريخ القديم اليوناني والروماني ثم انتقل إلي الجامعة الرسمية عام 1925 حيث تولي تدريس مادة الأدب العربي. وراح يلقي محاضراته الطاعنة في القرآن علي الطلاب ثم جمعها في كتابه "الشعر الجاهلي" والتي أخذ أفكاره عن المستشرق "مرجليوث" وجرجس وصال. وما إن صدر هذا الكتاب حتي ثارت ثائرة المصريين جميعا.. كتابا وعلماء وساسة. بل تحرك الشباب وحاولوا قتله في مكتبه بكلية الآداب لولا اخراجه منه بمساعدة أحد العاملين بالجامعة ولولا ذلك لتم الفتك به من قبل الشباب الثائر لدينه. وتحرك مجلس النواب ودارت مناقشات حامية خلال أكثر من جلسة: 13 سبتمبر 1926 حول الكتاب. وفي 29 يونيو 1927 حول الموضوع ذاته وفي يونيو 1930 حول إعادة البحث في الكتاب وآخر الجلسات البرلمانية حول القضية ذاتها عام .1939 كما قام مجموعة من الادباء والمفكرين في الشام بجمع هذا الكتاب وحرقه في ميدان عام. وكان الكتاب علامة علي طريق طويل في مواجهة ممتدة مع بيئات الفكر الإسلامي وحركة اليقظة الإسلامية والبرلمان وممثلي الأمة والأزهر والجمعيات الإسلامية وامتدت هذه المواقف من أزمة 1926 إلي أزمة 1932 والتي قضت بإخراج طه حسين من الجامعة. استجواب مجلس النواب ففي عام 1926 وبعد ظهور كتاب "في الشعر الجاهلي" تقدم "عبدالحميد البنان" إلي مجلس النواب باستجواب يتضمن: * مصادرة وأعدام كتاب طه حسين المسمي "في الشعر الجاهلي" بمناسبة ما جاء به من تكذيب في القرآن الكريم واتخاذ ما يلزم لاسترداد المبلغ المدفوع إليه من الجامعة ثمنا لهذا الكتاب. * تكليف النيابة العمومية برفع دعوي لطعنه في الدين الإسلامي.. دين الدولة. * إلغاء وظيفته في الجامعة.. ثم تقدم الشيخ خليل حسنين الطالب بالقسم العالي بالأزهر ببلاغ للنائب العام يتهم فيه طه حسين بأنه ألف كتابا أسماه "في الشعر الجاهلي" فيه طعن جرئ علي القرآن الكريم حيث نسب الخرافة والكذب لهذا الكتاب السماوي كما أرسل الجامع الأزهر إلي النائب العام خطابا يبلغ إليه رأي علماء الجامع الأزهر. تقرير الأزهر أشار تقرير الأزهر الذي قدمه مجموعة من العلماء وهم: محمد حسنين العمراوي وأحمد العوامري ومحمد عبدالمطلب إلي أن الكتاب فيه شيء كثير يناقض الدين الإسلامي ويمسه مسا مختلف الدرجات في أصوله وفروعه فهو اضاع علي المسلمين الوحدة القومية والعاطفة الدينية وكل ما يتصل بها كما أضاع عليهم الايمان بتواتر القرآن وقراءته وأنها وحي من الله.. كما اضاع عليهم كرامة السلف. والثقة بسيرة الرسول في كل ما كتب فيها. واضاع عليهم الاعتقاد بصدق القرآن وتنزيهه عن الكذب. واضاع عليهم تنزيه القرآن عن التهكم والازدراء واضاع عليهم تنزيه النبي صلي الله عليه وسلم وأسرته رضي الله عنهم من مواطن التهكم والاستخفاف. واضاع عليهم ما وجب من حرمة الصحابة والتابعين واضاع عليهم صدق القرآن والنبي فيما أخبر عنه الكتاب عن ملة إبراهيم. كما اضاع عليهم براءة القرآن مما رماه به المستشرقون. كما أضاع عليهم الأدب العام مع الله ورسله وكرم خلقه. كما أشار محمد حسين الغمراوي وعبدالحميد حسن وأحمد أمين في تقرير آخر إلي اضافة نقاط اخري وهي علاقة القراءات السبع بالوحي. ورأي المستشرقين في مصادر القرآن. والصلة بين الإسلام وملة إبراهيم. تقرير النيابة كما أوردت النيابة في تحقيقاتها اتهامات أربع: * المؤلف أهان الدين الإسلامي بتكذيب القرآن في اخباره عن إبراهيم وإسماعيل حيث ذكر في صفحة 26 من كتابه: للتوراة أن تحدثنا عن إبراهيم وإسماعيل وللقرآن أن يحدثنا عنهما أيضا ولكن ورود هذين الاسمين في التوراة والقرآن لا يكفي لاثبات وجودهما التاريخي. فضلا عن اثبات هذه القضية التي تحدثنا بهجرة إسماعيل بن إبراهيم إلي مكة ونشأة العرب المستعربة فيها ونحن مضطرون إلي أن نري في هذه القصة نوعا من الحيلة لاثبات الصلة بين اليهود والعرب من جهة وبين الإسلام واليهود والقرآن والتوراة من جهة أخري. اضاف تقرير النيابة العامة إلي أن ما تعرض له المؤلف في شأن القراءات السبع المجمع عليها والثابتة لدي المسلمين جميعا. وانه في كلامه عنها يزعم عدم انزالها من عند الله. وإنما قرأتها العرب حسب ما استطاعت لا كما أوحي الله بها إلي نبيه. مع أننا معاشر المسلمين نعلم ان كل هذه القراءات مروية عن الله تعالي علي لسان النبي محمد صلي الله عليه وسلم. وللأسف حفظت القضية لعدم توفر القصد الجنائي وخاصة بعد أن قدم د. طه حسين استقالته من وظيفته في الجامعة المصرية. جاء ذلك رغم قول د. طه كما نقله عبدالحميد سعيد في مجلس النواب أنه أي د. طه قال: "ليس القرآن إلا كتابا ككل الكتب الخاضعة للنقد. فيجب أن يجري عليه ما يجري عليها والعلم يحتم عليكم ان تصرفوا النظر نهائيا عن قداسته التي تتصورونها وان تعتبروه كتابا عاديا فتقولوا فيه كلمتكم ويجب أن يختص كل واحد منكم بنقد هذا الكتاب وبين ما يأخذه عنه". فهم البقر! وقد أثار الكتاب جميع الطبقات في مصر.. الأزهر والقضاء والمجالس النيابية والشباب بل وكبار الساسة في مصر. فقد احتشد الشباب في مسيرة حاشدة التقت بزعيم الأمة سعد زغلول الذي نهض خاطبا في هؤلاء الشباب الثائر قائلاً: إن مسألة كهذه لا يمكن أن تؤثر في هذه الأمة المتمسكة بدينها هبوا رجلا مجنونا يهزي في الطريق فهل يضير العقلاء شيء من ذلك؟!. ان هذا الدين متين وليس ذلك الذي يشكك فيه زعيما ولا إماما حتي يخشي من شكه علي العامة فليشك ما يشاء. وماذا علينا إذا لم يفهم البقر!! رد العلماء إن الذي ذكره د. طه حسين حول القرآن من انه كتاب قابل للنقد. ونفي وقائع اقرها الإسلام والقراءات ونسب النبي كل ذلك لم يكن عاصيا علي العلماء والمفكرين في الرد عليهم في كتب ومقالات فقد فند ذلك العديد من العلماء مثل: الشيخ محمد الخضر حسين في كتابه "نقض كتاب الشعر الجاهلي" والمفكر والأديب مصطفي صادق الرافعي في كتابه "تحت راية القرآن" الرد علي الشعر الجاهلي. ومحمد فريد وجدي في كتابه "نقد كتاب الشعر الجاهلي" ود. محمد أحمد الغمراوي في كتابه "النقد التحليلي" ومحمد لطفي جمعه في كتابه "الشهاب الراصد" وابراهيم عبدالقادر المازني في كتابه "فيض الريح" ومحب الدين الخطيب "ما أعرفه عن طه حسين" وكتب العديد من المفكرين والعديد من المقالات أمثال عباس محمود العقاد واسماعيل أدهم وزكي مبارك والدكتور محمد غلاب ومحمود محمد شاكر وحسن البنا وأحمد زكي باشا وشكيب أرسلان والدكتور محمد حسين هيكل والدكتور عمر فروع في كتابه "عبقرية العرب". ويكفي لهذه المعركة التي استمرت سنوات والتي بموجبها خرج د. طه حسين من الجامعة انه نفسه تراجع عن بعض قضاياه عن القرآن وخدمتها في كتابه "الأدب الجاهلي" ونقل عنه أنه تبرأ مما قال أثناء وقوفه أمام الكعبة. وقيل من بعض المفكرين حسني الضمير أنه تراجع وكفر عن ذلك بتصنيفه كتب "علي هامش السيرة" و"الفتنة الكبري" و"الشيخان".. وغيرها. ورغم ذلك مازال انصاف المتعلمين الذين لا يستطيعون اعراب جملة واحدة مازال بضع من الأقزام من يتطاول ليهاجم القرآن الكريم. أنها كما قال الزعيم سعد زغلول: "وما علينا إذا لم يفهم البقر..!!".