ثمة رأي انه ليس للرواية العربية تراث وعلي كل كاتب روائي عربي ان يختار لنفسه وسيلة للتعبير دون ان يأنس إلي من يرشده في ذلك ولابد - والحال كذلك - من ان يعتور عمله النقص ويشوبه الخطأ. لذلك فإن الدعوة إلي الارتباط بالتراث إلي احيائه وتحقيق التواصل معه من أعمالنا الفنية المعاصرة هي دعوة صحيحة وايجابية لأنها تمثل خطوة مؤكدة في سبيل استرداد الذات واعادة اكتشافها فالأديب المصري ليس مجرد مقلد للأعمال الادبية الغربية مع بدهية الافادة المحسوبة من فنياتها واذكرك - في المقابل - بإفادة الأدب الغربي من فنيات ألف ليلة وليلة لكنه يجد ارهاصات أعماله وبداياته الفعلية في تراث العرب وفي تراث المصريين القدامي كذلك ومن هناك تأتي إعادة النظر في التراث الأدبي المصري والعربي حتي ذلك التراث الذي تصورناه خاليا من الفنون الأدبية المعاصرة كالمسرحية والرواية والقصة القصيرة. أما المحاولات التي شغلت بالتأكيد علي وجود تلك الأجناس في أدبنا القديم فإننا يجب أن نوليها ما تستحقه بالفعل من اهتمام وتقدير. وبالتأكيد فإن استلهام التراث هو إعادة اكتشافات للطاقات الفاعلة فيه. العودة إلي التراث لا تعني الانكفاء علي الماضي ولا اعتباره النموذج الأمثل الذي يصلح لكل زمان ومكان لكنها تعني تمثل هذا التراث الاعتزاز به كثقافة قومية أصيلة بهدف الانطلاق إلي المستقبل ولعلي أضيف ان العودة إلي التراث باعتباره النموذج الصالح لكل زمان ومكان تعد - علي نحو ما - هروبا من مواجهة المشكلات الملحة والآتية. اذكر قول أستاذنا شكري عياد: ان احدي مشكلاتنا هي أننا لا نملك حضارة الغرب ولكننا نعيش علي أبوابها كشاحاذين لأننا لا نملك أو لا نعتقد اننا نملك حضارة سواها. يقول أقوام: بلي اننا نملك هذه الحضارة واقول أجل نملك ولكنها حضارة ماض فقط فنحن مغتربون إما في ماضينا الذي نعجز عن وصله بالمستقبل واما في مستقبل ليس مستقبلنا. ان عقدة النقص ازاء كل ما يبدعه الأجنبي هي ما يجب أن نتخلص منه والاجتهادات الأجنبية ليست مسلمات ولا هي صحيحة في اطلاقها. وإذا كان اطلاق الخيال مطلوبا في الأعمال الأدبية فإن الإيمان بالركيزة الثقافية بالتراث بالتواصل بالبدايات التي تجد استمرارا لها - بصورة وبأخري - في أعمالنا الحالية. ذلك الإيمان هو ما ينبغي ان نحرص عليه ونؤكده في كل اجتهاداتنا سواء علي مستوي النقد أو علي مستوي الدراسات الأكاديمية بالجامعات. وكما يقول ابن خلدون فإن الماضي والحاضر والمستقبل كل متصل متفاعل يقود بعضه إلي بعض بل ان القول بالعودة إلي التراث قول خاطيء تماما لأن التراث متواصل في الحاضر وفي المستقبل. التراث ليس الماضي فقط لكنه الماضي والحاضر والمستقبل وهو ليس مقتصرا علي النصوص المكتوبة وحدها لكنه يمتد فيشمل التاريخ والعمارة والعادات والمعتقدات والقيم والتقاليد من الصعب ان نفهم التراث في عيبة الواقع وفي غيبة استشراف المستقبل. اتفق مع دعوة استاذنا زكي نجيب محمود لمحاولة ايجاد تركيبة عضوية يمتزج فيها تراثنا مع عناصر العصر الراهن الذي نعيش فيه لنكون بهذه التركيبة العضوية عربا ومعاصرين في آن واحد تعددت مسميات الافادة من التراث فهي توظيف التراث واستلهام التراث واستخدام التراث الخ.. كما تعددت الدراسات التي تناقش استلهامات التراث في الأعمال الابداعية المعاصرة في مؤازرة الأعمال الابداعية التي تستلهم ذلك التراث بما يعني اننا لا نجدف في فراغ ولا نشكل ظلالا لابداعات الغرب ودراساته. بل ان عملية البحث عن الهوية وتأكيد الهوية هي التي فرضت قضايا من مثل: التراث والمعاصرة والحداثة والاصالة والذات والكونية.. الخ. نحن نحاول ان يكون أدبنا في عمومه تعبيرا عن الذات وليس تقليدا للآخرين. ليس في مجرد التعبير عن مشكلاتنا أو همومنا الآنية والتعبير عن البيئة التي نحياها وإنما في خصائص الأدب الذي نقدمه وهي خصائص لا تقتصر علي البعد المضموني وحده بل تشكل عوالم مستقلة متميزة نستطيع ان نصنفها باعتبارها أدبا عربيا له امتداداته وتواصله وملامحه التي تتفق مسمياتها مع ما يقدمه الآخرون لكنها تتفق في تعبيرا عن فنان مختلف ينتمي إلي بيئة مختلفة. كان توظيف التراث اجتهادا أساسيا في القصة القصيرة والرواية المصرية: تراث فرعوني واسلامي وعربي. النظرة المتأملة للأعمال التي صدرت منذ أواخر القرن الماضي. تبين عن محاولات الافادة من التراث بدءا بأعمال جرجي زيدان واستمرارا في أعمال احمد خيري سعيد ومحمد فريد أبوحديد وطه حسين وتوفيق الحكيم وسعيد العريان وعبدالحميد السحار ونجيب محفوظ وعادل كامل وسعد مكاوي وغيرهم إلي أجيالنا الحالية.