التراث هو حلقات أولي في السلسلة التي نمثل الآن حلقتها الأخيرة لكننا - بالقطع - لسنا آخر حلقاتها. نحن نقرأ تراثنا ونستوعبه ونقرأ تراث الغرب ونستوعبه لكننا نحرص ان ترتكز ابداعاتنا في الدرجة الأولي إلي "نحن".. إلي تراثنا في الدين والعلم والسياسة والاقتصاد والآداب والفنون وإلي قيمنا ومثلنا. هذا هو الابداع الخاص بنا الذي ينبغي ألا نجاوز اطاره المحدد حتي لا يجرفنا التقليد فنحاكي الغراب حين قلد مشية الطاووس وحتي لا ننكفئ علي الماضي نجتره ونرفض الجديد والاضافة فنرتمي - بإرادتنا - في حضن الجمود. نحن نستلهم التراث ونحرص في الوقت نفسه علي الانفتاح علي تقنيات الرواية الحديثة. أشير إلي تأكيد الكاتب الروسي سوفرونوف بأنه إذا وضع الكاتب عينا علي تراث بلاده فإن عليه ان يضع العين الأخري علي العالم الذي يتحرك من حوله. نحن نتمثل التراث. نمزجه بثقافتنا وخبراتنا ورؤيتنا للأمور ثم نحاول ان نصنع من ذلك كله شيئا جديدا. لا نسعي إلي بعث التراث وإنما نحاول استنطاقه. استلهامه. توظيفه. قل ما شئت من مسميات لكن التراث يظل في النهاية تراثا والمعاصر يجب ان يكون تعبيرا عن الفترة التي صدر فيها وصدر لها. التجديد. الحداثة مسألة مطلوبة لاستمرار أي فن لعدم جموده أو ذوائه. لكي يواصل الفن حياته فإن عليه ان يجدد نفسه بمحاولات قد ينتسب بعضها إلي الاخفاق أو الزيف لكن بعضها الآخر يضيف ويثري ويهب الاستمرار. نحن - في توظيفنا للتراث - نغربله بداية. نفرزه ننقيه ثم نتجاوز ذلك كله فنثري معطياتنا بنصوص غير مقلدة وقادرة علي الاجتهاد. ان من حق وواجب كل جيل ان تكون له تجربته الخاصة المميزة. ويقول استاذنا شكري عياد ان النص العربي المعاصر يمكنه - بل يجب عليه - ان يجرب تجاربه الخاصة فلا يكون التجريب دائما محاكاة لتجريب الغرب. علاقتنا بالغرب علاقة جدلية وليست علاقة تبعية أو هذا هو المفروض وإذا كنا مطالبين بعدم الانكفاء علي الذات والاكتفاء بما خلفه الأجداد من موروث ثقافي وحضاري فإننا مطالبون - في الوقت نفسه - بألا نعتبر كل ما يبدعه الغرب مثلا يجب أن نحتذيه. العلاقة الجدلية تفرض الحوار والموافقة والرفض وابداء الرأي واتخاذ الموقف الذي يعبر عن خصوصية حياتنا. عن عاداتنا وتقاليدنا ووجوب اتصال ماضينا بحاضرنا وعن استشرافنا للمستقبل. من الخطأ ان نرتمي في حضن التراث كما انه من الخطأ ان نرتمي في حضن الثقافة الغربية. نحن نفيد من التراث في تحقيق التواصل ونفيد من الثقافة الغربية في تحقيق المعاصرة ونفيد من التراث والثقافة الغربية في آن معا في تحقيق شخصيتنا المتفردة في صياغة ملامح متميزة لابداعنا وفكرنا وثقافتنا الخاصة عموما. أكرر: من الخطأ ان نكتفي باحياء تراثنا القديم باستلهامه أو توظيفه أو بالنقل عن الغرب. الأصوب ان نقدم معطياتنا نحن. لا نكتفي بالتلقي. بالنقل أو التلخيص أو حتي الاستلهام وإنما يجب ان نضيف ابداعنا الآني وفكرنا الآني وتعبيرنا الآني عن صورة حياتنا المعاصرة.