بعد ما يقرب من 72 عامًا، وبالتحديد عام 1938، عندما أصدر عميد الأدب العربي «طه حسين» سفره الخالد «مستقبل الثقافة في مصر» - بدأ المسئولون عن الثقافة في مصر - ضرورة التخطيط لمستقبل الثقافة في مصر، وهو الأمر المتوقع حدوثه من خلال المؤتمر المزمع عقده في سبتمبر القادم وحول هذا المؤتمر، والمأمول تحقيقه تزايدت الكتابات والتحليلات حول أهمية وضرورة التخطيط لمستقبل الثقافة في مصر: رصدا لواقعها، وطرحًا للسياسات والاستراتيجيات القادرة علي تحقيق ما هو منشود، وما ينبغي أن تكون عليه الثقافة في مصر، في ظل التغيرات والتطورات المحلية والإقليمية والعالمية، وتأكيدًا لدور مصر الثقافة في المنطقة، وريادتها في هذا المجال. وفي هذا المقال - وباختصار - نحاول طرح بعض التصورات التي قد تفيد في محاولات التخطيط لمستقبل الثقافة في مصر، ويتلخص ما نود طرحه في الآتي: 1- إن التخطيط لمستقبل هذه الثقافة ينبغي أن ينطلق، ومنذ البداية، من الدراسات العلمية والموضوعية لماضي هذه الثقافة، باعتبار أن «ثقافة الماضي» ماتزال تشكل موروثًا ثقافيًا، لا يمكن تجاهله وتأثيره في ثقافتنا المصرية، والعربية المعاصرة؛ فما من قضية من قضايا هذه الثقافة - كما يقول عابد الجابري - إلا وكان الماضي حاضرًا فيها، كطرف منافس. ومن المحال التعامل مع الثقافة المعاصرة، أو التخطيط لها في المستقبل، وحل مشكلاتها، دون أن نحل أولاً مشكلات الموروث الثقافي، خاصة وأنه لايزال يشكل الوعي العربي المعاصر، بل ويهيمن عليه، وبالدرجة التي يمكن أن يصدق عليه قول أحد فلاسفة اليونان «إن الأموات يحكمون الأحياء» وبالنسبة لثقافتنا العربية، فإن هؤلاء الأموات قد تركوا لنا تراثًا غنيًا وثريًا، يفرض علينا تنمية الوعي بأهميته كمورد ثقافي، ومداومة تجديده، وإعادة قراءته، وتوظيفه في حياتنا المعاصرة. 2- كما أن التخطيط لمستقبل ثقافتنا لابد وأن يكون شاملاً لمختلف جوانب الثقافة، دون الاقتصار علي جانب معين، من منطلق الترابط والتفاعل، والتأثير المتبادل بين مختلف الجوانب والمنظومات. وأن يكون هذا التخطيط قائمًا علي النظرة العلمية النقدية المستهدفة ترتيب العلاقات داخل الثقافة في ماضيها وحاضرها ومستقبله، وقادرة أيضًا - كما يقول نبيل علي - علي بناء العلاقات المتينة بين خصوصياتنا الثقافية، ومعطيات الحضارة المعاصرة، وفي القلب منها «العلم والتكنولوچيا». 3- كما أن التخطيط لمستقبل ثقافتنا يفرض توافر المثقف القادر علي إنتاج الفكر والمعرفة، وتقديم الرؤي الصافية الصادقة، لحل مشكلاتنا الفكرية، المرتبطة بعمليات النهضة والتقدم، ومناقشة كافة القضايا والمشكلات، مهما كانت درجة حساسيتها وتعقيدها، والقدرة علي فتح الحوار بين مختلف الفئات والتيارات الفكرية. والابتعاد عن الانزلاق في القضايا الهامشية. كما أن التغيرات والتطورات المعاصرة والمستقبلية تفرض علي النخب المثقفة - كما يقول نادر فرجاني وقسطنطين زريق - العمل معا كفئة اجتماعية فاعلة، لا كأفراد، وإنما كجماعات، حماية لأنفسهم، ولمؤسساتهم ورفع مستواهم. باختصار علينا، ونحن نخطط لمستقبل ثقافتنا، أن نأخذ في الاعتبار أن المثقف المعاصر يختلف اختلافًا جذريًا عما كان عليه وضعه في الماضي، حيث بات يواجه - كما يقول نبيل علي - تركيبات جديدة من القوي الاجتماعية، ومساحة واسعة من الرأي العام، وهيمنة من وسائل الإعلام، ونضيف، وتحديات من قوي الجمود والتخلف، ومن هؤلاء المرتبطين بأجندات تروج للخرافة والدجل والشعوذة. وغيرها من الأمور التي تفرض ضرورة أن تكون الساحة الثقافية في أيد قوية وأمينة، وأن تقوم مختلف القوي والمؤسسات بدورها في هذا المجال. ومن قبل ومن بعد تفرض علي المثقف المعاصر وفي المستقبل من نوع ونمط جديد وبأدوات معاصرة، غير تلك الأدوات التقليدية، التي كنا نعرفها في الماضي، وربما القريب منه. إلي آخر هذه الأمور التي يجب علينا أن نأخذها في الاعتبار ونحن نخطط لمستقبل الثقافة في مصر. والله من وراء القصد