اعاد إلينا لقاء السيد الرئيس حسني مبارك ببعض من رموز الثقافة المصرية صباح الخميس الماضي ذكري لقاءاته السنوية بالمثقفين مع افتتاح معرض الكتاب. وجاءت كلمات السيد الرئيس تأكيدا لأهمية القوة المصرية الناعمة المتمثلة في عقول مبدعيها ومفكريها وضرورة الحفاظ علي وحدة وتماسك وقوة الثقافة المصرية وتكاتف جهود كل المهتمين بالشأن الثقافي المصري ضد محاولات تجريف وإهدار تراثنا الثقافي والحضاري الضارب بجذوره في أعماق التاريخ. وقد جاء هذا اللقاء الرئاسي بنخبة من مثقفي مصر قبل أيام من انعقاد المؤتمر التحضيري للمثقفين الذي يعقد مساء غد. والحقيقة أن ما طرحه هذا اللقاء وتركيز السيد الرئيس علي وحدة النسيج الوطني المصري يدفعنا لأن نعيد النظر في أوراق العمل المقدمة من قبل كل من مؤتمر المثقفين الذي تبدأ جلساته التحضيرية مساء الغد والذي من المتوقع أن يعقد في شهر يناير المقبل تحت عنوان مستقبل الثقافة المصرية. وبين ما أعلنه القائمون علي مؤتمر المثقفين المستقل يوم الاثنتين8-20109, الذي اعتبره البعض مؤتمرا بديلا للمؤتمر الذي دعت إليه وزارة الثقافة والأجهزة الثقافية المصرية بينما أعتبره البعض الآخر مؤتمرا تكميليا للمؤتمر الرسمي, الذي يفترض أن يضم كافة الأطياف والاتجاهات المشاركة في العمل الثقافي, وممثلين عن النقابات الفنية واتحادي الكتاب والناشرين, والجمعيات الأهلية ومنظمات المجتمع المدني, والروابط والاتحادات الثقافية, ولجنتي الثقافة بمجلسي الشعب والشوري, واللجان الثقافية بكافة الأحزاب المصرية, والمسئولين عن الصفحات والبرامج الثقافية بوسائل الإعلام المختلقة, وأمانة مؤتمر الأدباء والمؤسسات التعليمية والكليات الفنية وعددا من الشخصيات العامة, وأيضا عدد من المثقفين العرب. وبغض النظر عن الجدل المثار حول المؤتمرين الرسمي والمستقل- وتبادل النيران الثقيلة والاتهامات بين ممثلي كل من المؤتمرين التي وصلت لحد التشكيك في النوايا والأهداف, وبالتالي التشكك في إمكانية الوصول لأية مبادرات أو حلول للأزمات الثقافية الراهنة, فإن اصداء اللقاء الرئاسي ببعض المثقفين وما جاء علي لسان الحضور وأكد الوعي المتبادل بين السيد الرئيس والمثقفين بأزمات واقعنا الثقافي اليومي, المتمثلة في تصعيد الهجوم ضد رموز حركة التنوير وإهدار مكانتهم وقراءتهم بطريقة مغلوطة- ليصل الأمر في بداية هذا العام لحد المطالبة بإلغاء تدريس أيام عميد الأدب العربي طه حسين- ومقاومة محاولات تحديث الثقافة المصرية لصالح صراعات ايديولوجية وتهميش المبدعين و غياب الثقافة العلمية وانفصال الحركة الثقافية والمؤتمرات عن التيارات التي يموج بها المجتمع وافتقاد ثقافة التجديد وغياب مشروع ثقافي قومي وانحسار الدور الثقافي للإعلام واتساع الهوة بين ثقافة النخبة والخدمات الثقافية التي تقدمها الأجهزة الرسمية ومعطيات الشارع المصري وتدهور مستوي اللغة وتراجع دور المؤسسة التعليمية, وتصاعد أصوات النقد اللاذع الموجه إلي سياسات المؤسسات الثقافية القائمة وقياداتها, في أجهزة الإعلام, وفي مجالس المثقفين وتجمعاتهم, بالإضافة إلي مقاطعة نشاطات المؤسسات الثقافية الرسمية من قبل عدد كبير من المثقفين, والأدباء, والمفكرين, والانقسام بين المثقفين, وظهور تشكيلات وتجمعات ثقافية عديدة, مناهضة للسياسات الثقافية القائمة, كلها أمور تؤكد ضرورة احتشاد كل المهتمين بالشأن الثقافي تحت لواء السعي لتجاوز الصعاب التي تعرقل مسيرة الثقافة المصرية وضرورة انعقاد أكثر من مؤتمر لمواجهة هذا الوضع المتردي والحيلولة دون استمرار النزيف الثقافي. وهنا أظن أنه من الضروري التوقف أمام عدد من النقاط التي تستوجب أن توضع علي مائدة المناقشة سواء بالنسبة لمنظمي المؤتمرين اللذين سبقت الإشارة إليهما أو أي مؤتمرات أخري مستقبلية. فبغض النظر عن تصريحات منظمي المؤتمرين و عدم تشكيكنا في نوايا أي منهما ورفضنا للمشاركة في التراشق اللفظي بين الطرفين الذي تناقلته أجهزة الإعلام المصرية والعربية- الأمر الذي أظن أنه أكد مبدأ الشقاق و افتقاد القدرة علي الحوار وقبول الرأي الآخر حتي بين من نطلق عليهم فئة المثقفين- لابد وأن نتفق علي ضرورة احترام مصداقيتنا ومصداقية الأفكار التي نرددها أمام أنفسنا وأمام الآخرين واحترامنا لذكاء المواطن البسيط الذي نحاول أن نصل إليه والذي يمثل بدوره عاملا مهما في رسم وتنفيذ أي خطة لتحقيق الإصلاح الثقافي المأمول. وأظن أن تحقيق هذا يتطلب من كل المهتمين بالشأن الثقافي التمسك بالحوارات العقلانية التي تتسم بالصراحة والنقد الإيجابي والموضوعية وقبول مبدأ تعددية الأفكار والبعد عن حوارات التخوين والتكفير التي أفسدت المناخ الثقافي وكان المبدعون والمفكرون.أول ضحاياها. الأمر الثاني يتعلق بالمحاور التي يطرحها كل من المؤتمرين والتي أظن أنه بالرغم من حيويتها وآنية ما تطرحه من قضايا ملحة إلا أنها عناوين متعددة و متشابكة, وبالتالي لا أعتقد أن الأيام القليلة المحددة لأي من المؤتمرين تسمح بمناقشتها من كافة الزوايا أو الوصول لتحديد خطط واقعية قابلة للتنفيذ للتعامل مع كل منها. وأزعم أن تحديد خطة زمنية للتعامل مع كل قضية علي حدي ووضع الآليات والخطط والميزانيات اللازمة لتنفيذ البرامج المطلوبة وتحديد الجهات المشاركة لتنفيذها سواء في أجهزة الإعلام أو المؤسسات الثقافية والتعليمية والمجتمع المدني أو أجهزة البحوث وقياسات الرأي العام كفيل بأن يحقق نتائج ملموسة ولو علي المدي البعيد. الأمر الثالث يتعلق بضرورة قياس الاتجاهات الثقافية في المجتمع ودراسة وتحديد نوعيات ونسب وأسباب التغير في الاتجاهات الثقافية وتحديد المفاهيم التي يتم تداولها الآن ودلالتها بالنسبة للمواطن العادي, وهذا يتطلب عدم إغفال التيارات الثقافية التحتية وثقافات المناطق الحدودية البعيدة عن مركزية العاصمة. وفي ظني أن هذا المحور كفيل بأن يسهم في تحديد الهدف والوسيلة ورسم استراتيجية للعمل الثقافي في مصر بالكامل, كما ينأي بنا عن مسميات من قبيل مؤتمر وزير الثقافة أو الحكوميين ومؤتمر المستقلين أو المعارضة, فالمؤكد أننا جميعا في مصر في أمس الحاجة لأكثر من مؤتمر لا يتحول لمكلمة أو لضجيج بلا طحين.. مؤتمر لكل المصريين المهمومين بالشأن الثقافي.. مؤتمر يدرك القائمين عليه حقيقة ما يدور في المجتمع المصري وفي عقل رجل الشارع وأوجه القصور والاحتمالات والإمكانيات المنطقية لحل أزماتنا الثقافية والخروج من عنق الزجاجة وتجسيد مفهوم النسيج المصري الفريد والمتكامل.