بعض الأفلام السينمائية تمتلك هذه المقومات التي تولد طاقة نفسية إيجابية مُحفزة ومن شأن هذه الخاصية أن تستنهض عوامل القوة والقدرة وإرادة الفعل لدي المتفرج. وفي نفس الوقت تبث القيم الطيبة أثناء تفاعلها من خلال القصة والشخصيات والأحداث والموضوعات الإنسانية التي تناولها. هذا الكلام يتكيء علي دراسات علمية وأبحاث في مجال الطب النفسي الإيجابي ومن خلال المتابعة الدءوبة للأفلام وتأثيرها والموضوعات التي تثيرها.. العالم النفسي الأمريكي رايان نيميك قرر منذ ثماني سنوات أن يمنح جائزته الخاصة السنوية لعدد من الأفلام الأمريكية يُسهم بها في اثارة الاهتمام نحو الدور النفسي الإيجابي للأفلام وأحقية هذه الأعمال للجوائز والتكريم. وفي عام 2016 اختار مجموعة من أفلام وجسد فيها القدرة علي إشاعة البهجة نفسياً والتأثير قيمياً وأخلاقياًَ ومعنوياً في المتلقي فالفيلم النفسي الإيجابي الداعم للمزاج والمنشط لإرادة الفِعِل البناء تستحق أن نشير اليها وننصح بالفرجة عليها. ويتساءل الطبيب النفسي رايان: ماذا لو ركزت احتفالات الأوسكار علي الأفلام ذات القيم الإيجابية علي المستوي النفسي؟؟. فلو شاء الباحثون والممارسون لعلم النفس الإيجابي اختيار أفلام من هذا المنظور عليهم أن يلتفتوا إلي المعايير التي تعتمد عليها. دكتور رايان نيميك يتابع بانتظام عدد متنوع وكبير من الأعمال السينمائية ويقوم بدراستها من زاوية علم النفس الإيجابي فاصلاً في مراجعته لهذه الأعمال بين الغث والثمين. مسلطاً الأضواء علي نماذج من الأفلام تتناول موضوعات مهمة ويمكننا أن نتعلم منها. فالفيلم من وجهة نظره أكثر من أي شكل آخر من أشكال الفنون قدرة علي التأثير في النفس البشرية وذلك من خلال تصويره وتجسيده لمعني الحياة وكيفية أن نحياها كاملة ونظل بنفس القدرة علي المثابرة وكذلك يستطيع الفيلم أن يولد مشاعر السعادة ويمنح المتفرج البصيرة التي بها يُميز الجيد من الردئ في النفس الإنسانية وفي السلوك البشري. باختصار يستطيع الفيلم الإيجابي أن يتسلل الينا سيكولوجياً ويساعدنا علي اطلاق مشاعرنا الإنسانية المشتركة. وفي أفضل حالاته يلهمنا بكيفية تحقيق مستويات جديدة للمقدرة الإنسانية وفي أسوأها يعلمنا ويسلينا. واختار في هذا السياق بعض الأفلام من انتاج عام 2016 لكي يمنحها جوائزه في "علم النفس الإيجابي" positive psyhology منها فيلم "ليون" lion الذي حصل علي جائزة أفضل فيلم لأنه يشيع طاقة إيجابية تغذي المشاعر وتمنح المتفرج القدرة علي تبصر الأمور وشحذ الجهد وتحقيق الانتصار للروح الإنسانية. والفيلم مستوحي من قصة واقعية تكشف عن أن ما نراه مستحيلاً ليس كذلك. إلي جانب موسيقاه التي تعبر عن المشاعر الخلاقة التي تحققها العلاقات الأسرية التي يتواصل أفرادها بعد انقطاع. ويختار فيلم بعنوان "كابو والوترين" علي جائزة "المعاني" والبحث عنها فيما وراء السطح الخارجي للأشياء وهو فيلم رسوم متحركة ويمتاز بقوة التأثير والمشاعر العاطفية العميقة. انه يتناول موضوع رئيسي حول الذاكرة الإيجابية وتأثير السرد القصصي الجميل واستمرارية الطاقة الخلاقة التي تبثها الصلات الأسرية التي تواجه تقلبات الحياة بشجاعة. "فالمعني" أو "المعاني" موجودة في سائر حياتنا وفي كل نواحيها. اختار أيضاً فيلم بعنوان صمت "silance" الذي يقوم علي قصة حقيقية بطلها اثنان من القساوسة أثناء رحلتهما إلي اليابان في القرن السابع عشر لانقاذ زميل لهم حيث كان المسيحيون وقتئذ يواجهون الاضطهاد ويعدمون بسبب عقيدتهم. والقصة تتميز بالابتكار وتظهر الطاقة الكامنة في قيمة المثابرة والاصرار علي الفعل الطيب. ومن فضائل علم النفس الإيجابي في الأفلام السينمائية فكرة إعمال العقل التي يبرزها فيلم "الوصول" "Arrival" الذي يتناول حياة خبيرة في علم اللغويات وقادرة علي العيش في الحاضر ورؤية المستقبل إلا أن الأمر الجدير بالاهتمام هو "الحاضر" و"اللحظة القائمة" فالمهم أن نتعلم كيف نترك المستقبل وندع الأشياء السلبية تمر دون أن تزعجنا. وهذه المعاني الإيجابية يعالجها الفيلم من خلال القدرة علي التواصل مع "غُرباء" نتعلم منهم أن اللغة الأهم هي اللغة العالمية التي تحقق التواصل الإنساني بين كل الأجناس وهي لغة المشاعر. إن علم النفس الإيجابي وأسلوب تطبيقه عملياً من خلال الأفلام يمثل حاجة وضرورة لتعزيز الجانب المعنوي والأخلاقي ومن هذه الزاوية يختار "رايان" فيلماً بعنوان "حواء في السماء" الذي يبدأ أول مشاهده بقول مأثور للكاتب المسرحي اليوناني أسخيليوس: "في الحروب تسقط "الحقيقة" كأول الجرحي" ومن خلال هذا يحاول الفيلم أن يتناول بموضوعه وأسلوب فني جميل الأزمات الأخلاقية التي تولدها الأنظمة المختلفة والزعماء ممن يقررون تدمير العالم دون النظر إلي الثمن المدفوع من أرواح المدنيين. واختار الطبيب الذي استحدث هذه الجائزة بعض الأفلام لكي يمنحها شهادات شرفية ومن بينها فيلم "مونلايت" و"الفتاة في القطار" و"مجهول تماماً" إلي جانب أعمال أخري. وفي مقابل "علم النفس الإيجابي" هناك "علم النفس السلبي" الذي يدرس السلوكيات السلبية في الأعمال السينمائية ويتناول تأثيرها الضار علي السلوكيات في المجتمع وأعتقد ان بعض الأفلام العربية بشكل خاص يمكن أن تمثل نموذجاً مثالياً ومجالاً خصباً للباحثين وللأطباء النفسيين وهي علي أي حال متوفرة والنماذج التي تكشف عنها حاضرة فهل تجد من يمنحها شهادة الأسوأ والأكثر سلبية.