كتاب أمريكي ممتع وعلي درجة كبيرة من الأهمية ذلك الذي يحمل العنوان أعلاه "السينما والأمراض العقلية". الكتاب يقع في 352 صفحة من القطع المتوسطة وشارك في اعداده ثلاثة أطباء وأساتذة في مجال الصحة العقلية وهم أيضاً من عشاق السينما. وهم يعتقدون بأن الفيلم وسيط قوي جداً لتعليم الطلبة واشغال وقت المريض بما يفيده في فهم مرضه وأيضاً جذب الجمهور السينمائي الي العالم الساحر للطب النفسي والذي كتبت جماهيريته عبر أفلام حصلت علي الأوسكار. المؤلفون هم داني ودننج وماري آن بويد. ورايان نيميك وقد ظهرت مؤخرا الطبعة الثالثة منه. يتضمن الكتاب قائمة بالأفلام المهمة التي تناولت الأمراض النفسية وقد أصبح علي ما يبدو أداة تعليمية وموضوعا لنقاش موسع عن الأمراض النفسية مع الطلبة الدارسين لهذا المجال شديد الثراء. المرتبط ارتباطاً وثيقاً بالإنسان وأيضاً مرجعاً مفيداً جداً لمعرفة أنواع المرض النفسي. يحتوي الكتاب 15 فصلاً حسب النوعيات الرئيسية للأمراض النفسية. ويحتوي كل فصل علي قائمة الأفلام التي تمت مناقشتها بعد الأفلام الجاذبة التي حققت جماهيرية لم يكن الجمهور يعتقد أنها ذات صلة بأمراض عقلية. وكثير من الأفلام يتوق المرء الي رؤيتها ثانية بعد معرفة نوع المرض النفسي الذي تعاني منه الشخصية المحورية. إن الفيلم وسيط جماهيري. يروي الحكايات عن أفراح الإنسان وأحزانه ويستطيع المتفرج أن يتعايش من خلاله لمدة ساعتين مع الشخصية أو الشخصيات التي تعاني من اضطراب عقلي أو مرض نفسي. وبعدها يمكنه ان يتفهم هذه الأوجاع والاضطرابات وان يتوحد مع المريض ويدرك طبيعة معاناته. وقد عرفت السينما المرضي النفسي واستخدمته في تصوير شخصيات الأفلام منذ السنوات المبكرة في تاريخها. ومن ثم ظهرت مئات الشخصيات المصابة. وفي أحيان كثيرة لم يدرك الجمهور حقيقة وحجم التأثير الذي يمكن ان يحققه هذا الوسيط. ثمة أفلام شعبية كاسحة مازالت تمارس نفوذها علي المتفرج مثل فيلم "سايكو" 1960 للمخرج الفريد هتشكوك والذي اعيد انتاجه عام 1997.. بطل الفيلم "نورمان بيتس" الذي لعبه الممثل انطوني بركنز شخصية مصابة بانشطار أو بالمصطلح الطبي العالمي Dissociative disorder وذلك المرض الذي يجعل المريض يظهر بشخصيات عديدة. ونفس هذا النوع من الاضرابات تجده في فيلم مشهور أيضاً للمهرج السويدي انجمار برجمان بعنوان "برسونا" الي جانب عنواين عديدة لأفلام عالجت نفس المرض. ولقد استخدم المرض النفسي باقتدار وبلاغة في فيلم "عبر زجاج معتم" لنفس المخرج السويدي الفذ. ومن خلاله يتعرف المتفرج علي حالة من حالات مرض "الفصام" الذي تصيب الشخصية ومن أشهر الأعمال اللتي عالجت مرض الفصام فيلم "عقل جميل" للمخرج رون هوارد وقام بأداء الدور باقتدار مدهش النجم راسيل كرو. الشخصية المنشطرة تجدها أيضاً في فيلم مهم مثل "البجعة السوداء" وفي فيلم "تنثاتر ايلانو". الأفلام التي تناولت الأمراض العقلية والنفسية. تعالج نوعيات محددة من الاضطرابات والأمراض من خلال الشخصية المحورية التي يدور حولها قصة الفيلم. وأحياناً شخصيات حقيقية وهذه الأمراض تأخذ أشكالاً مختلفة وأعراضا متنوعة تظهر في السلوك وفي ردود الأفعال. وفي السمات الخاصة والمؤثرة في تركيبة الشخصية. وهذا النوع من المعالجة يتطلب من كتاب السناريو دراسة علمية دقيقة واستثارة المتخصصين في الأمراض النفسية حتي تتكشف الحالة ويتحدد نوع الاضراب الذي تعاني من الشخصية بدقة تفيد عند عرضها لفهم المرض. ولعل أشهر أنواع الاضراب بالنسبة للجمهور. مرض "الزهايمر" الذي قدمت السينما الأمريكية نماذج عديدة منه في أفلام ممتازة نذكر علي سبيل المثال فيلم "لحظة للتذكر" 2004 وانفصال 2011 و"صعود كوكب القرود" 2011 و"المرأة الحديدة" 2012 عن رئيسة وزراء بريطانيا مرجريت تاتشر. ومن الاضطرابات الشائعة علي الشاشة أيضاً مرض الAmensia بمعني "التوهان" الذي تمت معالجته بأسلوب جذاب جداً وشيق في الفيلم الهندي Ghijini الذي قدم مرتان في عامي "2005" و"2008" ونال اعجاباً كبيراً من قبل النقاد والجمهور وحقق ايرادات كبيرة ومن خلاله ظهر نموذج دال وكاشف عن شخصية رجل أعمال هندي ثري يصاب بهذه الحالة المرضية من "التوهان" وذلك بعد مشادة عنيفة فقد فيها حبيبته. وقد حاول ان ينتقم لمصرعها. أيضاً الفيلم الأمريكي "ميمنتو" Memento الذي ينتمي للنوعية البوليسية الاثارية وهو من اخراج كريستوفر نولان عن قصة قصيرة من تأليف شقيق الأصغر جوناثان نولان وعلي حين كانت أمراض السل والسرطان موضوعات شائعة في الأفلام ظلت الاضطرابات السيكولوجية دائمة الاستخدام. وكثيراً ما يتم تناولها استخداما مجازياً ورمزياً علي الشاشة. يقول الكاتب: لا يجب أبداً أن نتعامل مع الأفلام باستخفاف أو نهون من قدرتها عي شرح الاضطرابات المرتبطة بالمرض النفسي شرحاً جيداً.. فكل سطر في الحوار ومشهد في حبكة الفيلم هما نتاج تفكير ودراسة من قبل كاتب السيناريو والمخرجين لمعرفة ردود فعل الجماهير كما انها تعتبر انعاكساً للقيم الثقافية حول المرض العقلي. وكثيراً ما تستخدم كلمة "سيكوتيك" Psychotoic في بث الخوف. والإيحاء بتصرفات من قبل المريض ولا يمكن التنبؤ بها. وغالباً ما تستخدم في غير سياقها الصحيح. وقد استخدم "التوهان الجزئي" أو بالمصطلح العلمي Retrograde Amensi كموضوع لحبكات سينمائية عديدة. وهو مرض يسبب نسياناً جزئياً أو كلياً لماضي المريض ومن أشهر الأفلام التي تناولت هذا النوع من الاضطرابات فيلم "أناستازيا" الذي تم انتاجه مرتين مرة عام 1956 وأخري 1997. أيضاً في فيلم بعنوان "جريمة أكتوبر" 1943 و"المدينة المعتمة"1998 و"الرجل العنكبوت" الجزء الثالث 2007 و"البحث عن نيمو" 2003 وفيلم "المجهول" 2011 "عرض في مهرجان القاهرة الأخير". هناك أيضاً "التوهان السيكولوجي" الناتج عن ضغوط نفسية شديدة وقد ظهر في أفلام بعنوان "Spellbound" 1945 و"لدغة الثعبان" 1948 و"ظلال علي الجدار" 1950 ثم التوهان الناتج عن فقدان الذاكرة لحادثة بعينها وأيضاً القلق المرضي في فيلم "ماذا تحت السطح" 2000 وفيلم "الشمس المشرقة ابدأ في العقل السليم" 2004 وفيلم "أناس عاديون" للمخرج الممثل روبرت ردفورد ويذكر الكتاب مرض "اجورافوبيا "پAgrafobia" الذي تم معالجته في فيلم "الشيطان" Devil 2010 وفيلم "متجمد من الخوف" 2000 " الخوف العاري" 1999. ولا ننسي مرض الوسواس القهري الذي كشفت السينما عنه مبكراً في فيلم بعنوان "أسرار الروح" 1926 وفيلم آخر رائع شاهدناه في القاهرة بطولة جاك نيكسون بعنوان پas good as it gets عام 1997 وفيل فيلم "الطيار" 2005 للمخرج مارتن سيكورسيزي الخ. وقد تناولت السينما اضطرابات ما بعد الكرب الذي أفاضت في شرحه منال عمر الطبيبة النفسية علي القناة المصرية "أون تي في" كواحد من الأوجاع النفسية التي أصيب بها كثيرون في ثورة 25 يناير. والأفلام التي تناوته بقوة فيلم "فريدا" 2002 بطولة سلمي حايك وفيلم "جلد غامض" 2004 و"انقاذ الجندي رايان" 1998. ومن الأمراض المألوفة والشائعة مرض التوحد Outism الذي جسده داستين هوفمان في فيلم "رجل المطر" 1998 وقد ظهر أيضاً في فيلم "تيت الرجل الصغير" لجودي فوستر 1991. بعض هذه الأفلام تم اقتباسها للسينما المصرية بركاكة شديدة وسذاجة علمية وفنية تثير السخرية وهي أفلام معروفة ولا داعي لذكرها. ومرض التوح نفسه متنوع يشير الي أكر من عرض وأكثر من حالة ونذكر الفيلم الهندي الجميل "اسمي خان" 2008 وأفلام مثل "ان تكون هناك" 1979 بطولة بيتر سيللرز وفيلم "أضواء الليل" 2012. وعرفت مؤسسة ديزني تأثير هذه الأفلام علي الأطفال سواء في العلاج أو في التعامل مع المرضي من الأطفال. فزحفت الأفلام السيكولوجية علي الرسوم المتحركة. واللافت أن هذا المجال من الدراسة منتشر بدرجة كبيرة جداً في الأوساط العلمية وفي الجامعات وبين أطباء وأساتذة الطب النفسي فقد اصبح العلاج بالفن. بالسينما وبالرقص والرسوم تخصصات شائعة الآن وتحقق نتائج إيجابية علي صعيد واسع وقد صار مألوف هنا في مصر ومن خلال دراسات علمية وأكاديمية لمتخصصين في هذا المجال.