عاجل- نتنياهو يطلب من فريق التفاوض "إبداء مرونة" لإبرام اتفاق بشأن غزة    النص الكامل لكلمة الرئيس السوري أحمد الشرع    عاصفة ترابية مفاجئة تغطي سماء أسوان.. والأرصاد: أمطار رعدية تضرب 4 مناطق    منة شلبي تكشف موقفًا لا يُنسى مع يوسف شاهين    المرصد السوري: سقوط أكثر من 350 قتيلا في أحداث السويداء منذ اندلاع أعمال العنف    "هل ينتقل لبيراميدز؟".. إعلامي يفجر مفاجأة بشأن مستقبل وسام أبو علي مع الأهلي    سعر الطماطم والبطاطس والخضار بالأسواق اليوم الخميس 17 يوليو 2025    صدمة في وول ستريت بعد تصريح ترامب عن مناقشة إقالة رئيس مجلس الاحتياط الاتحادي    المئات يحتفلون ب مولد الششتاوي بالمحلة الكبرى (صور)    «أنا المصري كريم العنصرين»!    أكذوبة بعث القومية العربية في عهد ناصر    روبيو: تم الاتفاق على خطوات محددة لإنهاء الاشتباكات في سوريا الليلة    وزير خارجية إيطاليا: نعمل مع الشركاء على التوصل لاتفاق لضمان الاستقرار في سوريا    خدمات مالية غير مصرفية تتصدر قطاعات الأسهم المقيدة الرئيسية نهاية جلسة الأربعاء    أسامة نبيه يختبر 39 لاعبا في ودية منتخب الشباب أمام الكويت    رد فعل غاضب من الخطيب تجاه وسام أبو علي.. ياسمين عبدالعزيز تكشف    «كانو بيمثلوا».. الحنفي: وليد سليمان وأيمن حفني وأحمد عيد اعتادوا ادعاء السقوط بمنطقة الجزاء    كراسة شروط شقق أصحاب الأولوية بسكن لكل المصريين 5 (صور)    عمقها 20 مترا، لحظة انتشال جثتين ومصاب من حفرة داخل منزل بسبب التنقيب عن الآثار بالغربية (فيديو)    من أسرة واحدة.. إصابة 5 أفراد في حادث انقلاب سيارة ب طريق «وادي النطرون – العلمين»    انخفاض جديد في عيار 21 بالمصنعية.. أسعار الذهب والسبائك اليوم الخميس بالصاغة    تامر حسني بعد ترند "لينا ميعاد": تعبت تعب مش طبيعي ودخلت مستشفيات وبحاول أكون واجهة جميلة لمصر    أول رد رسمي من «كوكاكولا» على تصريحات ترامب عن إضافة السكر الطبيعي    5 نصائح تجنبك الإصابة بالانزلاق الغضروفي    الدولار ب49.37 جنيه.. سعر العملات الأجنبية اليوم الخميس 17-7-2025    مصرع شخصين اختناقًا داخل حفرة أثناء التنقيب عن الآثار في الغربية    مقتل شخص وإصابة 6 آخرين في هجوم أوكراني على بيلجورود الروسية    البابا تواضروس يهنئ الناجحين في الشهادة الإعدادية    ترامب: نقترب من اتفاق بشأن التعريفات الجمركية مع الهند    زلزال قوي يضرب ألاسكا وتحذيرات من تسونامي    متحدث التعليم: وضعنا استراتيجية لتغيير الصورة النمطية السلبية عن التعليم الفني    حدادًا على رحيل ميمي عبد الرازق.. المصري يجمّد أنشطته 3 أيام    الأهلي يكشف كواليس عرض الحزم السعودي لضم أحمد عبد القادر    3 أبراج «ضد الكسر».. أقوياء لا ينهارون بسهولة ويواجهون الأزمات بثبات عجيب    حدث بالفن | وفاة مطرب وتعرض نجل مخرج لحادث وسوزي الأردنية تدخل التمثيل    أول تعليق من ريهام عبدالغفور قبل عرض مسلسل "كتالوج"    دعاء في جوف الليل: اللهم إنا نسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة    لو لقيت حاجة فى الشارع.. أمين الفتوى يوضح التصرف الصحيح شرعًا (فيديو)    أمين الفتوى يحسم حكم فوائد البنوك.. حلال أم حرام؟    فرج عامر ناعيا ميمي عبد الرازق: رحل رفيق الدرب    الحكومة: مقترح شامل لتأسيس كيان موحد لمنظومة التعليم الأهلي في مصر    ما حكم "تجميد البويضات"؟.. مفتي الجمهورية يجيب    رشوان توفيق: الفن له تأثير خطير.. و"الليل وآخره" يحمل رسائل دينية    لغز يكشف الحلم الذي تخفيه في قلبك.. ماذا ترى أولاً؟    كان حالة خاصة.. رانيا فريد شوقي تكشف إمكانية تقديم السيرة الذاتية لوالدها (فيديو)    ظلام تام في عز الضهر.. تفاصيل أطول كسوف كلي للشمس تشهده 10 دول عربية    ميكالي: حلمي لم يكتمل مع منتخب الشباب.. وأتمنى العودة للتدريب في مصر    بشرى للموظفين.. جدول صرف مرتبات شهر يوليو 2025 بعد قرار المالية (تبكير موعد وزيادة جديدة)    متى يصدر قانون الإيجار القديم.. 1 أغسطس آخر موعد وفقا للمادة 123 من الدستور    محافظ القليوبية ومدير الأمن يتابعان أعمال السيطرة على حريق بأرض الكلية بالخانكة    الآن.. سجل بياناتك للحصول على نتيجة الثانوية العامة 2025    عميد القلب السابق يكشف المعدن السحري لصحة الإنسان (فيديو)    مستشفيان بالفيوم يحصدان المركز الأول في جراحات الأورام والقلب المفتوح على مستوى الجمهورية    كيف نواجة الضغوطات الحياتية؟.. أمين الفتوى يجيب    غلق باب الطعون في انتخابات التجديد النصفي لنقابة الأطباء.. وإعلان النتيجة 20 يوليو    «الأوقاف» تُنظم ندوات ب 1544 مسجدًا بالتعاون مع الأزهر الشريف    الرئيس الأمريكى ترامب يطرح حل أزمة سد النهضة مقابل تهجير الفلسطينيين والسيسي يرحب    جامعة القاهرة تناقش دمج الذكاء الاصطناعي في العلاج الطبيعي بمؤتمر دولي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأمراض العُصابية.
نشر في البداية الجديدة يوم 14 - 11 - 2012


الدكتور كمال المويل
أولا: عُصاب القلق (anxiety neurosis):
هو مجموعة من الاضطرابات النفسية والعضوية لحالة من القلق التي يعيشها المريض، تحدث بشكل دوري أو بصورة مستمرة، ولا تعود إلى خطر حقيقي على المريض، وقد ترافق الحالة أعراض من الوساوس والهلع ولكنها لا تسيطر على الصورة السريرية. وعُصاب القلق من أكثر العُصابات شيوعا، والنسبة عند النساء ضعف النسبة عند الرجال.
فالاضطرابات النفسية تتظاهر بالخوف من ظروف صعبة دون وقوعها وقد يصل الخوف إلى درجة شديدة تُسمى الهلع، إضافة إلى التوتر والنرفزة والعصبية والانفعال والشعور بعدم السكينة، مع ضعف في الذاكرة وصعوبة في التركيز، وأفكار دائمة من القلق والتي هي العصب الرئيسي للمرض، فالمريض يشعر بتسرع دقات القلب وهو يخاف من حدوث الجلطة، ومظهر المريض يدل على حالته النفسية حيث نلاحظ الوجه المتجهم والمظهر العُصابي العام والحركة الدائمة والرجفان وشحوب الجلد والتعرق الزائد والاستعداد الدائم للبكاء والاستنفار الدائم.
والاضطرابات العضوية الفيزيائية في عُصاب القلق تنجم عن فرط الحركة والنشاط في الجهاز العصبي السمبتاوي أو زيادة التوتر في الجهاز العضلي وتتوزع على الأجهزة في البدن، فالأعراض الهضمية تتضمن جفاف الفم وصعوبة البلع وحس انزعاج في أعلى البطن وكثرة الغازات وكثرة التغوط، والأعراض التنفسية تتضمن صعوبة في التنفس وشعور بأنّ الهواء لا يدخل إلى الرئة وزيادة عدد حركات التنفس، والأعراض القلبية تتضمن خفقان زائد في القلب مع شعور بالألم وعدم الارتياح فوق منطقة القلب وشعور بغياب بعض دقات القلب والشعور بالنبضان في الرقبة والبطن، والأعراض البولية التناسلية تتضمن تعدد بيلات مع فقد الشهية الجنسية وضعف الانتصاب، والأعراض العصبية تتضمن الطنين في الأذنين وتشوش الرؤية وشعور بالدوار والصداع.
ومن الاضطرابات الأخرى في عُصاب القلق الصداع، وهو أشيع الأعراض مصادفة، وهو صداع توتري ناجم عن التوتر النفسي وليس الشد العضلي، ويكون بشكل حس شد وضغط في جانبي الرأس، وقد يرافقه تشنج في عضلات الرقبة نتيجة التوتر العضلي، واضطرابات النوم شائعة في القلق حيث يجد المريض صعوبة في الذهاب إلى النوم ويصحو لأقل حركة ويترافق النوم عنده بالأحلام والكوابيس المزعجة ويستيقظ في الصباح منهكا كأنه لم ينم، والاستيقاظ المتأخر علامة واسمة للقلق بينما الاستيقاظ الباكر نجده في الاكتئاب.
ومن المهم التفريق بين القلق كمرض قائم بذاته وبين القلق كعرض مرافق لكثير من الأمراض النفسية والعضوية حيث نجد القلق كعرض في الاكتئاب والهستريا والوسواس القهري والفصام والعته الشيخي وتناذر السحب وفرط نشاط الدرق ونقص سكر الدم.
وقد اختلف العلماء في معرفة سبب عُصاب القلق، فالوراثة تلعب دورا مهما في حصوله، وأصحاب نظرية التحليل النفسي وعلى رأسهم فرويد اعتبروا القلق نتيجة الصراع بين الأنا والهو، أي بين الأفكار والرغبات داخل الإنسان، وأصحاب النظرية السلوكية فسروا القلق على أنه نتيجة منعكس شرطي بين الخوف كمنبِّه والأعراض كنتيجة لهذا التنبيه.
وعُصاب القلق كمرض قابل للشفاء ولن هناك نسبة من الحالات يستمر فيها المرض رغم المعالجة، ومن علامات سوء الإنذار: الأعراض الشديدة أو أعراض تبدد المحيط أو التظاهرات الهستريائية أو الأفكار الانتحارية أو أعراض تدل على وجود اضطراب في الشخصية أو الإزمان أكثر من ستة أشهر رغم المعالجة.
والعلاجات المستخدمة في عُصاب القلق هي: (1) المهدئات البسيطة (مركبات البنزوديازين) أو المهدئات الشديدة (مركبات الكلوربرومازين). (2) تنوير بصيرة المريض بشرح المرض من قبل الطبيب. (3) تمارين الاسترخاء وتمارين اليوغا. (4) معالجة الأعراض بالأدوية إذا كانت مزعجة كالصداع وتسرع القلب.
ثانيا: عُصاب الرُهاب (phobia neurosis):
الرُهاب هو نوع خاص من الخوف يتصف بالصفات الأساسية التالية: (1) لا يخضع للإقناع والتفسير المنطقي. (2) خارج عن سيطرة الإرادة. (3) يؤدي إلى تجنب الحالة المخيفة دائما. (4) لا يتناسب مع العامل المخيف.
يُصيب الرُهاب ستة بالألف من السكان، واثنان من أصل الستة يصل بهم الرُهاب إلى درجة التعطيل التام، ويُصيب النساء أكثر من الرجل، ومع أنّ الكثير من البالغين لا يزالون يحتفظون بشيء من الخوف من الأفاعي والعناكب والفئران والظلام والأماكن العالية والمصاعد والأماكن المزدحمة فإنّ هذا الخوف لا يؤدي إلى تجنب كامل للحالة وبالتالي لا يُصنف في إطار الرُهاب.
ومن المهم التفريق بين الرُهاب كمرض قائم بذاته وبين الرُهاب كعرض للعديد من الأمراض النفسية حيث يشاهد الرُهاب كعرض في القلق والوسواس والفصام والاكتئاب واضطرابات الشخصية حيث يكون خفيفا ولا يسيطر على اللوحة السريرية.
وللرُهاب أنواع متعددة نذكر منها: رُهاب الخلاء، ورُهاب المجتمع، ورُهاب الحيوان، ورُهاب المرض والرُهاب الوسواسي، ورُهابات أخرى متفرقة منها: رُهاب السلطة المستبدة، ورُهاب الإسلام (islamophobia)، وهذين الرُهابين هما من نتاج الحضارة المعاصرة مع الأسف.
(1) رُهاب المرض (داء المِراق):
تتصف هذه الحالة بالخوف الزائد من أمراض معينة كالسرطان والجلطة والإفرنجي والموت، ويوجد اهتمام زائد بالمرض الذي قد يكون جسديا أو قد يكون نفسيا، وقد يوجد عند الشخص مرض عضوي مرافق ولكن هذا لا يغيِّر من الحالة حيث نجد تهويلا من المرض لا يتناسب مع الحالة المرضية، وأكثر الأعراض المراقية مشاهدة هو الألم وأكثر الآلام مشاهدة هو الصداع المععم غالبا، وقد يكون داء المراق قائما بذاته والإنذار في هذه الحالة ليس جيدا وقد يكون داء المراق عرضا لمرض عضوي موجود أساسا والإنذار في هذه الحالة جيد لأنّ العلاج يكون بعلاج المرض المرافق، ويقال أنّ داء المراق وحده غير موجود، والبعض يصنف داء المراق ضمن اضطرابات الشخصية، وللمهدئات البسيطة دور كبير في العلاج.
(2) رُهاب الخلاء:
العرض الرئيسي في هذا الرُهاب هو الخوف من الابتعاد عن المنزل والخوف من التواجد في الأماكن الواسعة المفتوحة والشوارع العامة، والخوف من دخول الأماكن العامة كالقطارات والباصات والكنائس والمساجد والمسارح. وعندما يوضع المريض في مثل هذه الحالات فإنه يصاب بالقلق الشديد والهلع الزائد ويتظاهر ذلك عنده بخفة في الرأس وحس الإغماء والضعف العام والشعور بالتطوح وأعراض القلق المعروفة وأحيانا الشعور بتبدد الشخصية أو تبدد المحيط. ورُهاب الخلاء يترافق غالبا بالقلق والبرود الجنسي، وقد لا يصاب به المريض إذا كان مع صديق أو قريب أو كان يدفع عربة أو يحمل مظلة، وفي معظم الحالات تكون بداية المرض في سن العشرين وبشكل فجائي. وإنذار المرض يتعلق بسن بدء المرض فكلما كان السن متأخرا كلما كان الإنذار أحسن، كما إنّ البدء التدريجي له إنذار أحسن، والأعراض الشديدة تدل على إنذار سيء، ومن خلال المعالجة تكون نسبة الشفاء التام (25%) بينما التحسن يكون بنسبة (50%) وهناك (25%) من الحالات تكون مقعدة للمريض في بيته رغم العلاج.
(3) رُهاب الحيوان:
عندما يوضع هؤلاء المرضى أمام الحيوان المخيف بالنسبة لهم فإنهم يصابون بحالة من القلق الشديد والهلع الزائد ويتخذون جميع الوسائل الممكنة للتهرب من الحيوان، ومن بين (23) مريض برُهاب الحيوان وُجد أنّ (10) يخافون من الطيور، (6) يخافون من العناكب، (2) يخافون من الكلاب، (1) يخاف من القطط، (1) يخاف من الديدان، (1) يخاف من الضفادع. وهذا النوع من الرُهاب مرض قائم بذاته وليس عرضا لمرض آخر فهو منعزل، وهذا النوع من الرُهاب شائع عند الأطفال، ويبدأ في سن مبكرة، وغالب المرضى من النساء، وقد يكون للتربية العائلية القائمة على تخويف الأطفال دور في حصول هذا المرض.
(4) رُهاب المجتمع:
الخوف في هذا المرض ليس من المجتمع وإنما من الوقوع في الخطأ أمام المجتمع، مثل الخوف من الأماكن المزدحمة والمطاعم المراقبة والتكلم على المنابر ومخاطبة الأشخاص ذوي الشأن، فهم يخافون أن يلاحظ عليم المجتمع الاضطراب كالرجفان والتعرق واحمرار الوجه، ونصف الحالات تترافق مع الاكتئاب، وربع الحالات تترافق مع القلق، يبدأ المرض في العشرينات غالبا بشكل فجائي أو بالتدريج، ويميل المرض إلى الاستمرار بشكل مستقيم.
(5) رُهابات متفرقة:
تحت هذا العنوان نجد الرُهاب من الظلمة والرُهاب من الرعد والرُهاب من البرق والرُهاب من الأطباء والرُهاب من أطباء الأسنان ورُهاب وسواس النظافة ورُهاب السلطة ورُهاب الإسلام وغير ذلك، وهذه الحالات من الرُهاب منعزلة ومؤقتة وتستجيب للمعالجة السلوكية بشكل كبير.
أفضل طريقة لمعالجة الرُهاب هي المعالجة السلوكية إما بطريقة الإغراق أو بطريقة الإنشاء التدريجي، ويُستعان بالمهدئات البسيطة كمركبات البنزوديازيبين في العلاج.
ثالثا: عصاب الوسواس القهري (obessional compulsive):
الوسواس هو محتوى ذهني ثابت يفرض وجوده على المريض بشكل قهري أي: إجباري، ويحاول المريض أن يتخلص منه ويصرح بعدم معقوليته ولكنه لا يستطيع مقاومته فهو لا يخضع لإرادة المريض. ويظهر الوسواس كفكرة أو صورة ذهنية أو دافع داخلي أو حركة سلوكية تفرض نفسها على المريض، وهو يعرف أنها ليست عقلانية وغير منطقية و يحاول إزاحتها من وعيه وشعوره لكنها تعاوده وتفرض نفسها عليه، وهذا الصراع يتكرر مراراً حتى يؤدّي إلى: حالة من التوتر والقلق عن المريض، وحالة من الحزن والأسى والاكتئاب عند المريض كذلك.
تبدأ الأعراض لدى معظم المرضى في سن قبل الخامسة والعشرين وغالباً في سن المراهقة أو بعدها بقليل، ويأتي المرض إما على شكل هجمات شديدة مع فترات من الشفاء العفوي أو بصورة متتابعة، وعصاب الوسواس هو اضطراب نفسي ولذلك سُمّي عُصابا، حيث لا يوجد في الأعراض أو الشكوى ما يدلّ على اضطراب في المحاكمة العقلية أو ما يدلّ على أهلاس ولا أوهام. والأفكار الوسواسية نوعان: نوع لا يترتب عليه سلوك، ونوع يترتب عليه سلوك مادي، ومن هنا سُمّي النوع الثاني الأفعال الوسواسية وسُمّي النوع الأول الأفكار الوسواسية.
(1) الأفكار الوسواسية: تكون هذه الأفكار عادة غير سارة وتثير الاضطراب والتشكك في ذهن المريض، وتدور هذه الأفكار حول طبيعة الكون ونشأة الحياة وعما هو خطأ أو صواب أو حلال أو حرام، وطبيعة التساؤلات هنا أن الأسئلة التي تُلحّ على فكر المريض ليس من وراءها جدوى وليس لها إجابات شافية، مثلا: ما هو سبب زرقة السماء؟ أو لماذا خلقت السماء؟ هل أنا موجود أم لا؟ لماذا نحن نعيش؟ هل الإله موجود؟ تساؤلات لا نهاية لها عن الجنس والأعضاء التناسلية وعن طبيعة الأشياء أو الهدف من وراء أعمال معينة. وهذه الأفكار يعي المريض عدم معقوليتها ويحاول طردها من ذهنه، ولكنها سرعان ما تعود إليه مما يجعله يعيش حالة صراع مع هذه الأفكار. وهناك نوع من الأفكار يأتي بشكل دوافع وتكون ذات طبيعة عدوانية على المريض نفسه أو على الآخرين من حوله، مثال: أحد المرضى عندما يرى عربة مقبلة يشعر برغبة في إلقاء نفسه أمامها ، وآخر عندما يكون في مكان مرتفع يشعر برغبة ملحة في إلقاء نفسه إلى الأسفل، وآخر عندما يوجد في أماكن عامة كالمعابد وقاعات المحاضرات يشعر برغبة في الصياح والتكلم بألفاظ بذيئة، و آخر يشعر برغبة في إيذاء الآخرين كالأطفال ممن لا حول لهم ولا قوة، هذه الدوافع والرغبات الوسواسية تلح على المريض ويعيش في صراع معها فلا هو يفعلها ولا هو يستطيع إبعادها عن ذهنه.
(2) الأفعال الوسواسية: وهي تعبير حركي عن نوع من المخاوف الوسواسية. فبعض المرضى يُصابون بوسواس النظافة، فالخوف من التلوث بالقاذورات والجراثيم يعبر عن نفسه عند المريض بالاغتسال المتكرر حتى يصل إلى مرحلة تقرح اليدين وهذا النوع يصيب النساء أكثر من الرجال. وبعض المرضى يُصابون بوسواس التأكّد، فهم بعد إغلاق منازلهم ونوافذهم وصنابير المياه يقومون مرات للتأكّد من إحكام إغلاقها. وبعض المرضى يُصابون بوسواس الدقة، حيث يعدون أوراقهم النقدية مرات ومرات، و من الأمثلة على وسواس الدقة: أحد المرضى يحاول فرق شعره نصفين، وكلما فرق شعره يشعر بأنّ أحد القسمين أكبر من الآخر، ولذلك يُعيد فرق الشعر ويبقى على هذه الحالة عدة ساعات، ومع ذلك فهو لا يرتاح بعد أن يفرغ من فرق شعره. وبعض المرضى يُصابون بوسواس العدد، أي عدد محدد مثل الرقم: (4) فالمريض هنا يكرر كل فعل يفعله أربع مرات حتى يرتاح.
(3) الأسباب: إنّ أسباب الوسواس القهري غير معروفة بدقة فهناك عدة نظريات في تعليل هذا المرض: فالمدرسة الوراثية تفسّر حدوث المرض بأنه ينتقل بالوراثة، والمدرسة العضوية تعتبر أنّ المرض ثانوي لأمراض عضوية تصيب الجسم مثل التهاب الدماغ الوسني والتسممات العضوية، مثال التسمم بالمنغنيز، والمدرسة السلوكية تفسّر حدوث المرض بالتعلّم الخاطئ من البيئة المحيطة بالمريض كالتربية القاسية من جانب أحد الوالدين وهو الأب عادة، والتي تتسم بالتزمّت والجمود والقهر والكبح والقمع والتقريع وإلزام الطفل بمعايير صارمة في السلوك والأخلاق، هذه الأساليب التربوية قد تلعب دوراً كبيراً في ظهور الأعراض الوسواسية عندما يصل الطفل إلى مرحلة المراهقة أو بعدها بقليل، والمدرسة التحليلية تفسّر الوساوس الجنسية بالكبت، والوساوس النظافية بتوقف المريض في مرحلة من مراحل الطفولة، وهي مرحلة ضبط المصرة الشرجية والمصرة البولية (مرحلة ضبط المصرات).
(4) المعالجة: تتراوح بين العلاج الطبي والعلاج السلوكي والعلاج الجراحي، فالمعالجة الطبية تقوم على إعطاء مضادات القلق، والمعالجة السلوكية تستعمل في الأفعال الوسواسية فقط ولا تستعمل في الأفكار الوسواسية، والعلاج السلوكي يقوم على التعليم الصحيح إما بالتدريج و إما بالمفاجأة، فمثلا: في حال وسواس النظافة يمكن تعريض المريض لمصادر التلوّث المختلفة حتى يتأقلم معها ولا يعود يخافها، ويمكن أن يُعرِّض المريض لمصادر التلوّث فجأة فيدرك بنفسه عدم وجود مخاطر من التعرّض لمصادر التلوّث، وفي كلتا الحالتين نعالج الخوف من التلوّث، والعلاج الجراحي يكون بقطع الطريق الواصل بين المهاد والفص الجبهي في الدماغ، وذلك إذا كان الوسواس معطلا أي: أدى إلى عجز المريض ودامت هذه الحالة لأكثر من ستة أشهر.
رابعا: عُصاب الهستريا (hysteria neurosis):
هو اضطراب يتظاهر لدى المريض بمجموعة أعراض وعلامات مرضية قد تكون نفسية أو جسدية أو كليهما، والهدف الأساسي منها هو الكسب والربح، دون أن يكون المريض واعيا للدافع الأساسي منها، ومن المهم ملاحظة عدم وجود مرض عضوي أو عصبي لأنّ الأعراض والعلامات لا تكون منطبقة على مرض محدد وإنما متعلقة بثقافة المريض عن المرض مثال ذلك حصول شلل لليد مع الرجل المخالفة لها، وكذلك من المهم ملاحظة أنّ المرض موجود في لاوعي المريض وهذا ما يفرقه عن التمارض حيث يعلم المتمارض في وعيه أنه غير مريض، وكذلك يجب تفريق الهستريا كعُصاب عن الشخصية الهستريائية كاضطراب شخصية مع العلم أنّ (40%) من الشخصيات الهستريائية تصاب بالهستريا.
يمكن أن تتظاهر الهستريا بأحد الأشكال التالية: فقدان الذاكرة الهستريائي، أو الشرود الهستريائي، أو المشي أثناء النوم، أو الهياج الهستريائي، أو الاضطرابات الحسية، أو الاضطرابات الحركية، أو الاضطرابات الحواسية، أو المبالغة في أعراض مرض عضوي موجود. وأكثر ما تصيب الهستريا النساء ولذلك ظن الأطباء القدامى أن سببها الرحم عند المرأة فاشتقوا لها اسما من الرحم (hystery)، ومن أشكال الهستريا شكل يُسمى الهستريا الوبائية أو العدوى الهستريائية حيث يكون هناك تفاعل جماعي خاصة في المجتمعات المغلقة وبشكل أخص في المدارس الداخلية لدى الإناث.
ومن الأمور التي تدعم تشخيص الهستريا سيطرة العقل الواعي فلا يمكن أن يكون هناك تشنج بواب المعدة الهستريائي أو تسرع القلب الهستريائي لأنّ هذه التظاهرات لا تخضع لسيطرة العقل الواعي. والهستريا مرض نادر الحدوث حيث يوجد بنسبة (3) بالألف من الناس، والآن تعتبر الهستريا ارتكاسا لمشاكل البيئة والمحيط وتلعب شخصية المريض دورا في الشكل الذي يتخذه المرض، كما إنّ ظروف البيئة هي التي تحدد وقت ظهور هذا المرض. ومن المبادئ التي يقوم عليها تشخيص الهستريا: العمر فوق الأربعين نادر جدا كنوبة أولى، والشدة النفسية يجب أن تسبق المرض، ووجود الربح حتى لو كان رمزيا، واللامبالاة تجاه المرض. وهكذا تعتبر الهستريا وسيلة دفاع وحماية تجاه شدات الحياة ومشاكلها حين يجد المريض صعوبة كبيرة في تحمله لهذه الأمور.
والمبادئ العلاجية التالية هي الأساس في التعامل مع الحالات الهستريائية: (1) تفهيم المريض أنه مريض وأنّ مرضه قابل للشفاء بسرعة مع فحصه فحصا دقيقا وواسعا بحيث يوحي له الطبيب بالاهتمام بحالته المرضية. (2) التعامل الحازم مع المريض وعدم التدليل لإلغاء الربح المادي أو المعنوي. (3) البحث عن الشدة التي يعاني منها المريض قبل حصول المرض وتخليصه منها. (4) الأدوية ليس لها مجال في العلاج إلا إذا وُجدت أعراض أخرى مرافقة كالقلق أو التوتر النفسي حيث يُعطى المريض المهدئات البسيطة أو أي دواء وهمي لأنّ للإيحاء دورا أساسيا في العلاج.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.