من أهم أو ربما الأهم فعلا أن يوفر الفيلم قدرا كبيرا من الترفيه والإمتاع الفني للمتفرج دافع التذكرة بغض النظر عن اي عنصر آخر. وتتضاعف أهمية هذه الوظيفة أن تنطوي التسلية وشحنة الامتاع علي رسائل ايجابية تتسلل ضمنيا وعبر عناصر الفيلم من قصة وتمثيل وتصوير وموسيقي.. الخ.. وذلك لأن التوجيه المباشر يحول الفيلم إلي "منشور" أو مقالة ويجرده من جمالياته التي تحدد قيمته ومستواه الفني. يوم الخميس الماضي وفي إطار مهرجان جمعية الفيلم تم عرض فيلم "هيبتا" للمخرج الشاب هادي الباجوري عن رواية بنفس الاسم للمؤلف محمد صادق حققت رواجا هائلا وتصدرت قائمة الكتب الأكثر مبيعا. وبعد العرض أقيمت ندوة مع الجمهور تشرفت بإدارتها واستمتعت فعلا بردود الفعل المفعمة بالحماس ومشاعر الإعجاب بالعمل.. فالأعمال الرومانسية التي تختار "الحب" موضوعا تتمحور حوله القصة لازالت تجد قبولا واسعا برغم أن الحب هو يعتبر أقدم أشياء الحياة وعلاقة آدم وحواء شكلت البذرة الأولي في بنية الكون والمجتمع الانساني عموما وعنه قدمت السينما العالمية والمحلية آلاف الأفلام. والمفارقة أن الفيلم الذي يتناول المراحل المختلفة التي يمر بها الحب ويعالجها من خلال حكايات ملموسة وباربع شخصيات رئيسية هم أبطال هذا الفيلم أننا نعثر في كل رواية أو بالاحري كل مرحلة الكثير من المعاني والحكم الفلسفية البسيطة التي تجذب المتفرج علي الفور وتشد إنتباهه وتثير شهيته للكلام وكلها رسائل إيجابية تكشف عن جوهر العلاقة بين الرجل والمرأة من مرحلة الطفولة مرورا بالمراهقة. والنضج وحتي مرحلة الكهولة. الفيلم جميل وبعيد عن الدارج والمألوف من هذه النوعية "الفيلم الرومانسي" ويعالج العلاقة بدقة ومن خلال ممثلين أدوا أدوارهم بقدر لافت من المصداقية والقدرة التعبيرية وبلغة حوار دقيقة تناسب المراحل العمرية المختلفة مع فيض من الخيال. وما يزيد الحماس لهذه التجربة الاقبال عليها وتحقيق الايرادات التي تشجع المنتجين علي تكرارها.. وأعني ضمنيا الاستعانة بالأدب ومنتجاته الحديثة التي تقدم اجيالا جديدة من الكتاب ممن امتلكوا ناصية الكتابة الحديثة وتقنيات السرد المركب دون لوقوع في هوه التعقيد أو التكرار الممل. وما يهمني هنا تعليقات المشاهدين ومنهم إناث عبروا عن التأثير العلمي الذي أحدثه الفيلم في علاقتهم الزوجية حيث يتناول البطل المحوري الذي يلعب دوره الممثل الراسخ والواثق ماجد الكدواني سبع مراحل للحب تبدأ بالانجذاب الساحر وتمر بفترات من الملل. وقد تصاب المشاعر بالموات إذا عرفت العلاقة آفة التملك والأنانية أو الغيرة. أو الاحتياج المريض للآخر... الخ. وبسؤال المخرج عن أي المراحل من الحب يعيشها الآن؟؟ ونحن نعرف أنه تزوج من احدي بطلات الفيلم "ياسمين رئيس" أجاب بصراحة تلقائية.. أن علاقتهما كانت مهددة بالفعل ومن خلال إندماجه في عملية الاخراج وتفاعله المتوقع مع مراحل الحكايات بتنوعها اعادوا النظر في العلاقة للبحث عن أسباب الفتور مستعينا بهذه "المحاضرة الأخيرة" لاستاذ علم النفس المهموم بموضوع الحب. وطرح من خلال الندوة أهمية ودور الفيلم في التعليم والتوعية وايصال القيم الأخلاقية وتكريس العمل الفني لمواطن الجمال في العلاقة بين الرجل والمرأة من دون إغفال عنصر الترفيه والتسلية والإمتاع وجدانيا وعاطفيا والإشباع عقليا.. فليس المطلوب أن يتحرر صناع الفيلم من مهمتهم الأصلية "التسلية" وأعظم الأفلام تلك التي تجمع بين الإمتاع الفني والروحي والوجداني وفي نفس الوقت تحقق الاشباع والاقناع علي مستوي الأفكار والابتكار.. إنها المعادلة الصعبة التي انجزها فيلم من نوعية "هيبتا.. المحاضرة الأخيرة" الذي اختير عن حق ضمن أفلام موسم 2016.