تحمل القارة الإفريقية الكثير من الحكايات والقصص الإنسانية التي تلهم مخرجيها الراغبين في التعبير عن همومها, المخرج الكبير عبد الرحمن سيساكو استطاع أن يلمس قلوب الملايين في جميع أنحاء العالم بأفلامه , وحصد العديد من الجوائز في أكبر المهرجانات العالمية وتمكن من اختراق السوق السينمائية الأمريكية والفرنسية بفيلمه الأخير تمبكتو- الذي تناول فيه خطر الإرهاب- وحصل عنه علي7 جوائز سيزار- الأوسكار الفرنسي-, كما رشح لجوائز الأوسكار الأمريكية لأفضل فيلم أجنبي, وعلي الرغم من الشهرة العالمية التي حققها سيساكو ذو الأصول المالية الموريتانية إلا أنه يفضل دائما العودة لوطنه الأم في موريتانيا ويسعي للمساهمة في تطوير السينما ودعم صناعتها وفي هذا الإطار ساند مهرجان الأقصر للسينما الإفريقية منذ بداية انطلاقه وكرمه المهرجان في دورته السادسة التي انتهت فعالياتها مؤخرا وفي هذا الحوار يحدثنا عن أعماله وعلاقته بالمهرجان: كيف بدأت علاقتك بالمهرجان؟ تحدث إلي السيناريست سيد فؤاد عن رغبته في تنظيم مهرجان للسينما الإفريقية في مدينة الأقصر قبل إطلاق دورته الأولي, وقال إنه بحاجة لتضامن ودعم السينمائيين الأفارقة لتحقيق ذلك, لهذا حضرت في الدورة الأولي بهدف دعم فكرة المهرجان ومنحه الثقة, لأن هناك مشكلة كبيرة هنا وهي الجهل بالقارة الإفريقية, وطالما أن لدينا وعيا بهذا يجب علينا أن نشارك في إصلاحه عندما تتاح لنا الفرصة. وماذا عن العودة مرة أخري؟ عودتي تأتي في إطار مواصلة دعم فكرته وأهمية دوره في التعريف بالقارة الإفريقية, واحتياجنا لوجود مهرجان من هذا النوع, ربما يكون المهرجان فكرة لشخص أو اثنين فقط لكنه موجه لكل الناس ويعود بالنفع علي الكثيرين سواء من السينمائيين المحترفين أو الناس العادية, وهذا مهم جدا, من السهل أن ننتقد أكثر من أن نعطي وندعم, ولكن الأفضل أن ننتقد ونحن ندعم وعندما ننقد لابد أن نكون داخل الحدث نفسه حتي يمكننا التقييم بطريقة بناءة, وبالتأكيد عندما أحضر إلي هنا لا أتوقع أن يكون مهرجانا مثاليا, لكنني أعرف جيدا أن هناك رغبة حقيقية وشغفا بالسينما الإفريقية يهدف لتحقيق شيء, ومن المهم دعم هذا الشغف. كيف جاء تكريمك في الدورة السادسة؟ التكريم مثل النخلة العالية التي نركز الضوء عليها, إذا غاب عنها الضوء لن نراها وستظل في الظلام, فربما نحن لا نراها لكنها موجودة في مكانها, وهي لا تحتاج للضوء وإنما نحن الذين نحتاج إليه لنراها, بمعني أنني لست الشخص المستفيد من التكريم لأنه في النهاية رمز, المستفيد هو الجمهور الذي سيعرف أعمالي من خلال التكريم ووجودي هنا الهدف منه تأييد هذه الفكرة والرمز. ما الذي تتمني أن يحققه هذا المهرجان علي مستوي العلاقات بين الدول الإفريقية وسينمائييها؟ المهرجان موجه دائما للجمهور وليس للمحترفين لذلك لابد أن يكون لدينا العديد من الفعاليات الثقافية لأن دورها مهم, فعندما نخلق للجمهور فرصة لاكتشاف الأفلام نساعدهم علي معرفة الآخر بشكل أفضل ومعرفة أنفسهم أيضا من خلال معرفتهم بالآخر, فعندما نشاهد مشكلة تخص فتاة من السنغال نجد أن نفس المشكلة تعاني منها فتاة أخري في مصر وهذا مهم لنعرف الهموم التي تجمعنا. قلت إن المخرجين الأفارقة يرون قصصهم الخاصة في أفلامهم فهل هذه الأفلام هي التي تصل للعالمية أم الأفلام التي يريد أن يراها الغرب عنا؟ عندما قلت إننا نحكي عن أنفسنا ذلك لأننا نعرف أنفسنا من خلال الحديث عن الآخر أيضا وتقديم شخصيات مختلفة لأننا نتعرف علي أنفسنا من خلال التناقض والصفات التي ليست لدينا أو العيوب التي نريد أن نراها من وجهة نظر الآخر, لهذا لابد أن نحكي عن أنفسنا حتي نصل للآخر, وهذا الآخر من الممكن أن يكون في أي مكان سواء في إفريقيا أو أي مكان في العالم, اصنع أعمالي للمشاهدين بشكل عام, ومشاهدة الفيلم فعل في حد ذاته وتتطلب جهدا في الفهم والإدراك, لتتعرف علي نفسك وعلي قيم التشابه والاختلاف مع الآخر. كيف تختار أعمالك السينمائية؟ في كل مرة أختار فيها عملا يكون عن موضوع يشغلني في لحظة ما ويكون الإنسان هو محور الحدث, قدري هو الذي يقودني لاختيار الأعمال وأهتم فيها بالقيم الإنسانية فهي عن الشجاعة والخوف وعن الخير والشر, وأشعر دائما بالمسئولية لأني شخص لديه القدرة علي صناعة الأفلام وهذا شيء صعب, ومسئولية كبيرة لأني لا أستطيع أن أقدم أعمالا تافهة, أو قصة بسيطة لفيلم تليفزيوني, ولا يعني هذا أنني أقلل من الفيلم التليفزيوني, فهو جيد أيضا بالنسبة للمتفرج العادي ولكن ليست هذه النوعية من الأعمال التي تهمني, وبالتالي هذا نوع من الفعل أسميه فعلا وطنيا ولا أقول سياسيا لأن هذه الكلمة تأخذنا إلي منحني آخر. كونك من أصول مالية موريتانية وفي نفس الوقت درست في روسيا ما مدي تأثير الثقافات المختلفة علي أعمالك وطريقتك في التفكير؟ اعتقد أننا جميعا ثمرة التعليم والثقافة التي نتلاقاها علي مدار حياتنا وثمرة الحب الذي نحصل عليه, وعلي العكس أيضا ثمرة الحب والتعليم الذي لم نحصل عليه, وقدرنا يدفعنا في اتجاهات متعددة لخوض تجارب مختلفة وبهذه الطريقة تتشكل شخصياتنا, وبالتالي كل هذا يؤثر بشكل أو بآخر علي الأعمال التي نقدمها وطريقة تقديمنا لها, والفنان بشكل خاص هو نتاج كل مكان مر به ينتمي إليه ويتأثر به ويلهمه, وفي النهاية نحن نفس الأشخاص علي نفس الأرض بطموحات مختلفة وأديان مختلفة وهذا هو كل شيء, وعندما نعيش علي هذه الأرض يجب أن نقوم في كل يوم بفعل إيجابي في الحياة يجعلنا نتطور ونحقق شيئا, استفدت من كل الثقافات التي حصلت عليها وأتمني أن يكون لدي القدرة لنقل هذه المعرفة والثقافة للآخرين. لماذا عدت إلي موريتانيا رغم أنه كان من الممكن أن تستمر في أوروبا؟ عدت كما رحلت فهذا جزء من قدري, والسبب ببساطة أنني أريد أن انتمي لنفسي ولأصولي وتكون لدي شخصيتي التي تمثلني, وليست بطولة أن أعود لأصولي وموطني, الكثيرون يعودون إلي بلادهم يوميا لأننا بحاجة لذلك, والأمر ليست له علاقة بتحقيق مكاسب أكبر أو أقل, نعود كما رحلنا في البداية. وما الصعوبات التي تواجه السينما الموريتانية؟ للأسف لا توجد سينما موريتانية وأعتبر أنا صانع الأفلام الوحيد في موريتانيا, فهناك فقط بعض المحاولات لصناعة الأفلام قصيرة وهي مسئولية السياسيين في خلق الظروف المناسبة للتأسيس لصناعة سينما حقيقية, تمكن شباب السينمائيين والجمهور من التلاقي وهذا ما أتمناه. كيف تري ردود الأفعال الجماهيرية علي أعمالك في الخارج خاصة تمبكتو الحاصل علي7 جوائز سيزار؟ هذا الفيلم بالتحديد لمس النقاد والجمهور علي حد سواء, وأكبر دليل علي هذا أن الجمهور الذي شاهده في فرنسا وصل إلي أكثر من مليون و300 ألف شخص, رغم أنه لا يشارك فيه أي نجوم معروفين وهذا يعني أن القصة المؤثرة هي التي جذبت الجمهور ولمست مشاعره, فكل شخص يبحث في الفيلم عن المشاعر المشتركة التي تمسه, ونفس الشيء حدث بعد عرض الفيلم في الولاياتالمتحدةالأمريكية رغم أن سوق العرض هناك صعب جدا, وبالطبع موضوع الفيلم نفسه ساعد علي اختراقه لهذه السوق لكن ما ساعد أكثر هو الطريقة التي قدمنا من خلالها القصة والتي تمس القلوب, كما أن الموضوع مهم لأننا في فترة تعاني فيها فرنسا وأوروبا من الإرهاب والناس بحاجة لفهم ما يحدث, والفيلم يقدم لهم بعض الشرح, جائزة سيزار هي بمثابة الأوسكار الفرنسي ويحكم فيها المحترفون وعندما يحصل فيلم أجنبي بالنسبة لهم- وكل صناعه عرب وأفارقة من خارج فرنسا- علي7 جوائز سيزار فهذا شيء كبير جدا, يؤكد أن الفن والإبداع هنا هو الحكم. تبمكتو كان في عام2014 لماذا توقفت من وقتها حتي الآن؟ أتوقف دائما, وأحتاج لفاصل يصل إلي5 سنوات بين كل فيلم وآخر وأحيانا7 سنوات, لأنني أعتقد أنه لا يجب أن نصنع الأفلام بطريقة سريعة ونجري هنا وهناك, لابد أن نترك الأشياء تحدث ببساطة, إذا لم يقل أحد لي إن الفيلم كان في عام2014 لن التفت لفكرة كونه مر عليه3 سنوات, والفيلم القادم لن يخرج للنور قبل عام2018 هذه هي الحقيقة, فصناعة الفيلم بالنسبة لي مثل إنجاب طفل تحدث في أي وقت ويحتاج لوقته ومراحله, فالوقت ليس هو المهم الذي يجب أن أفكر فيه, ربما تظهر هذه الفكرة علي أنها غير عمليه وتقدم صورة سلبية عني لكنها طريقتي في التفكير لأن الحياة في نواكشوط جعلتني أدرك أن السينما هي الحياة لكني في نفس الوقت لا أريد أن تكون السينما هي محور وجودي في الحياة. ما هي قصة فيلمك القادم؟ هو عن قصة حب تدور أحداثها بين الصين وإفريقيا, وهي عن فكرة رفض الآخر لأنها تجمع بين امرأة إفريقية وشاب صيني, والناس دائما يرفضون فكرة الاختلاف, الفيلم مازال حاليا في مرحلة الكتابة, وسيكون الإنتاج من خلال شركتي وبالتعاون مع جهات من فرنساوالصين. لماذا اخترت المنتج والسيناريست محمد حفظي بالتحديد وتحدثت عن احتمالات تعاون مشترك معه؟ الأمر كله يعتمد علي التلاقي, فقد التقينا منذ فترة في أبو ظبي وعرفت وقتها أنه منتج وتعرفت علي أعماله وهو أيضا تعرف علي أعمالي وأبدي اهتماما بمشاريعي القادمة واستمر التواصل بيننا وتقابلنا في مهرجان كان السينمائي مرتين, وحتي الآن لا يوجد اتفاق فعلي بيننا علي عمل مشترك ولكن هناك رغبة لتحقيق ذلك, والرغبة أهم من العقد. بعد تكريمك ذكرت هند صبري ويسرا فهل من الممكن أن تختار نجوما من مصر للمشاركة في أحد أفلامك؟ هذا يتوقف علي القصة نفسها التي يتناولها الفيلم بالتأكيد سأكون سعيدا باختيار فنانين من مصر, ولكن بالنسبة لهند ويسرا بالتحديد فقد ذكرتهما لأني أحبهما كثيرا كأشخاص وأيضا كممثلات لأن كلاهما تمتلك قدرا كبيرا من الحب والكرم. هل شاهدت أيا من الأفلام المصرية القديمة أو الحديثة؟ أعرف الأفلام الكلاسيكية جيدا خاصة أفلام الراحلين يوسف شاهين ومحمد خان, وكذلك يسري نصر الله, وشاهدت الفيلم التسجيلي مولود في25 يناير للمخرج أحمد رشوان من قبل في مهرجان الأقصر, ومؤخرا شاهدت فيلم اشتباك للمخرج محمد دياب في تونس وأحببته لكنه فيلم من الممكن نسيانه بسهولة.