لا أريد أن أكرر نفس الكلام في ذات المناسبة الجليلة "انتصار أكتوبر" ولكنني بعد مرور 44 عاماً أجدني أطرح السؤال الذي يمر علي الخاطر كلما جاءت الذكري دلوني علي الفيلم السينمائي الذي ينقل للأجيال الجديدة التي لم تعاصر هذا الحدث التاريخي الأهم في حياة المصريين عظمة ما جري في ذلك اليوم الذي غير طبيعة الصراع ورسم خريطة جديدة علي الأرض وداخل صدور المصريين صورة مبهرة لمؤسسته العسكرية التي حققت انجازاً لا يدرك مدي وقعه المعنوي والوجداني إلا الأجيال التي عاصرته. لا يوجد فعلياً عمل سينمائي واحد كبير يليق بالحدث ويعيد انتاجه حياً وبنفس الزخم الذي أثاره في الداخل العربي والخارج بمن فيهم الشعب الإسرائيلي نفسه. خريطة الانتاج السينمائي التي تلت 1973 لا تتصمن فيلماً واحداً يتناول الحرب التي جرت بحشودها الضخمة العسكرية من الجنود. وبالابداع العسكري الفريد الذي فاجأ العالم بعد اقتحام خط بارليف المنيع. فلم يصور فيلماً سينمائياً يمكن أن أتذكره الآن يتناول البعد الاجتماعي الذي جعل كل أسرة مصرية شريكة فيه اما بابن من أبنائها أو بأحد أقاربها أو بابن جارة لها أو أحد معارفها حيث الكل شريك في هذا الانتصار فالجميع أبناء الجيش المصري العظيم من الجنرال والقائد وحتي المجند الصغير. لا أجد من الأجيال الجديدة يعرف تفاصيل ذلك الصراع الدامي مع الدولة الصهيونية والذي امتد علي مدي ما يقرب من سبعين عاماً منذ قيام إسرائيل 1948 ولم يتوقف علي شتي الأصعدة. صناعة الترفيه السينمائي خصوصاً في مراحل ما بعد الحرب تحكمها عقلية مهمومة بحسابات الربح والخسارة والوجبة السريعة السهلة. لا تفهم ولا تقوي علي انتاج الملاحم الحربية ولا قيادة الجيوش في المعارك الكبري علماً بأن هذه النوعية من الأفلام تحقق نجاحاً تجارياً ضخماً وإلا ما وصلت لهذا العدد الكبير من الأفلام التي تناولت الحروب العالمية والحروب القومية وحروب أمريكا في فيتنام وكوريا وفي العراق وحربها ضد العرب و .... إلخ اضافة إلي الانتاج الضخم جداً السوفييتي للحرب العالمية الثانية وحروب الصين واليابان إلخ. قدمت السينما المصرية بعد الحرب مباشرة نفس التوليفة الفارغة والمسطحة للحكاية الرومانسية مع اضافة مشهد أو اثنين يتكرر مع كل فيلم من مشاهد العبور ورفع العلم المصري. هناك تجارب قليلة يمكن اعتبارها تجارب جادة مثل فيلم "أبناء الصمت" و"أغنية علي الممر" ولكنها لا تتناول حدث الحرب نفسه الذي هز الدنيا في 6 أكتوبر 1973 وإن مهدت لها بحروب الاستنزاف التي قادت إلي المعركة الكبري. ولكن تختلف الدراما التليفزيونية التي اعتمدت علي حكايات واقعية مأخوذة من ملفات المخابرات العامة وبالتالي حققت نجاحاً كبيراً مثل "رأفت الهجان" والذي تم انتاجه في ثلاثة أجزاء ومثل مسلسل "دموع في عيون وقحة" والاثنان من اخراج يحيي العلمي عن سيناريو صالح مرسي وبطولة محمود عبدالعزيز وعادل إمام. الاثنان من انتاج الدولة ويمكن اضافة أعمال أخري وإن لم تحقق نفس النجاح مثل "السقوط في بئر سبع" هذه الأعمال لا شك ساهمت بقدرتها علي ايقاظ الوعي العربي وفي خلق الصورة الصحيحة للصراع مع إسرائيل علي صعيد النشاطات المخابراتية وخبرة ومهارة جهاز المخابرات في زرع عملاء مثل الهجان وجمعة الشوان في إسرائيل. إننا الآن في حاجة ماسة إلي بعث روح الانتماء الوطني لدي الأجيال الجديدة التي لعبت عوامل عديدة كالإعلام والسينما والتليفزيون في طمسها بكل أسف وأري أنه تم التآمر علي عقول وحساسية عبر ما يسمي بالقوة الناعمة ومع أشكال أخري للصراعات الدموية طالت الكل ليس من بينها إسرائيل بحروب الجيل الرابع المعتمدة علي ميليشيات مسلحة وجماعات متأسلمة شوهت الإسلام والمسلمين وأثرت علي الأجيال الجديدة التي يتم اللعب داخل ادمغتها التي صارت ميداناً مباحاً للغزو بالمبتكرات التكنولوجية الغربية وعبر أشكال التواصل الاجتماعية التي توفرها أجهزة الكمبيوتر والتليفونات الذكية بأجيالها التي وصلت إلي مستوي مذهل من التقدم.. الأمر الذي جعل نسبة كبيرة من الشباب قابلة للتحول وانكار الهوية وطمس المواطنة والبحث عن "أوطان" يهاجرون إليها فالانتماء الوطني لا يتحقق بالكلام وإنما بتوجيه معنوي علمي مدروس تلعب فيه الدراما السينمائية التليفزيونية دوراً محسوساً وفعالاً نحتاجه بالفعل ونتوقعه من صناع الدراما ومن منتجي الأفلام السينمائية.