بعد النجاح الكبير الذي تحقق لفيلم ناصر 56 بدأت فكرة أيام السادات تداعب النجم الراحل أحمد زكي. بل إنه أعرب عن حماسه لتقديم شخصيات رؤساء مصر جميعهم وهي مسألة أظنها كفيلة بتخليد اسمه وتزيين ألبومه السينمائي. وكانت محطة فيلم أيام السادات من منظوره كنجم تبدو أسهل. فهو من حيث الملامح ولون البشرة يبدو أقرب للسادات وهو أيضا قد اشتهر بالتقليد المتقن للرئيس الراحل في الجلسات الخاصة بدرجة أبهرت كل من شاهدوه. ربما هذا ما دفع أحمد زكي لإنتاج الفيلم بنفسه وربما أيضا لأنه لم يجد من يتحمس لإنتاج مشروع تواجهه مصاعب إقناع أسرة السادات ومشكلات التكاليف التي يفرضها الالتزام بزمن وطبيعة الأحداث. فقد استمر تصوير الفيلم لمدة 11 أسبوعا، وتعدت تكلفته ال 6 ملايين جنيه مصري وهي ميزانية ضخمة جدا في زمن إنتاجه. وعلاوة علي كل هذا كانت هناك مخاوف إثارة غضب قطاع من الشعب ممن يكنون كراهية للسادات مازالت باقية حتي اليوم ونلمحها في جسارة بعض مرشحي الرئاسة الحاليين في الهجوم عليه بل ووصمه بالخيانة بمنتهي الجرأة. غائب حاضر لم تضعف عزيمة أحمد زكي هذه العقبات والمصاعب التي زادتها الأربع سنوات الفاصلة بين ناصر 56 وأيام السادات تعقيدا حيث تغيرت السوق السينمائية تماما وانقلب مزاج الجمهور ومالت كفة توجهاته نحو الكوميديا والنجوم الجدد. وعلي الرغم من كل هذا أمكن لأيام السادات أن يخرج للنور كحدث سينمائي نادر. وكفيلم يتناول حياة رئيس جمهورية ظلت سيرته ورجاله والكثير من سياساته وتبعات قراراته باقية وحاضرة. والحقيقة أن شخصية السادات سواء قبلتها أو رفضتها ..تعاطفت معها أو كرهتها تظل من أكثر الشخصيات ثراء في تاريخنا الحديث، بطبيعته المتحولة وتركيبته المعقدة وخبراته المتنوعة، حيث مارس أرقي وأدني المهن وعاش أسعد وأقسي الظروف. فحكايته مشروع لفيلم رائع لو تمكن السيناريو من أن يسرد بمهارة قصته المليئة بالمفارقات عن حياته التي عاشها بطولها وعرضها بتحالفاته مع الأعداء ومعاداته لمن كانوا حلفاء ودعوته للديمقراطية والأحزاب ثم عودته لفتح أبواب المعتقلات لكل الأطياف السياسية في البلاد وفي دعمه لحركات الإسلام السياسي ثم انقلابه عليه وانقضاضه عليهم حتي وصلت الأمور إلي نهايتها التراجيدية. خال من السياسة لكن كان رأي صناع الفيلم أن تجنب التوغل في أمور السياسة سيجنبهم مشكلات كثيرة، لهذا ركزوا في دعايتهم وأعمالهم علي أن الفيلم ليس سياسياً بقدر ما يسلط الضوء علي حياة السادات كشخصية عامة وتاريخية، متتبعا مسيرته من بدايات رحلة كفاحه وحتي وصوله لرئاسة الجمهورية، علي مدار أربعين عاماً حافلة بالصراعات والنجاحات والإخفاقات. لكن ماذا يتبقي من السادات بعد أن تخلو سيرته من السياسية؟لا تتبق سوي أحداث هي أقرب للاسكتشات المنفصلة عن دراسته بالكلية الحربية أو خدمته كضابط بالجيش أو تسريحه منه أو صورة هلامية عن اتهامه في قضية التجسس لحساب الألمان أو في اغتيال أمين عثمان. كما يبدو من المثير تتبع قصة هروبه متنكرا في زي سائق وعامل بالمحاجر حتي زوال الأحكام العرفية، ولا مانع من التعرض بشياكة لجانب رومانسي من حياته عن تعرفه ثم زواجه بجيهان السادات. وفي هذه العجالات والقفزات يلزم التوقف عند محطة رجوعه للجيش وانضمامه للضباط الأحرار، ثم قيام الثورة ودوره فيها والتعرف علي مرحلة طويلة ابتعد فيها عن دائرة المناصب القيادية. ثم وقوع هزيمة 67 وما تلاها من تحولات أسفرت عن قيام عبد الناصر بتعيينه نائبا له. ثم وفاة عبد الناصر المفاجئة وتوليه الرئاسة وبعد ذلك صراعه مع مراكز القوي وتصفيتها، ثم حرب أكتوبر 1973 ثم زيارته لإسرائيل من أجل إبرام معاهدة السلام، ثم اعتقالات سبتمبر ، وتأتي المحطة الأخيرة من حياته ممثلة في يوم اغتياله. بدون رؤية وهكذا يفتقد الفيلم الرؤية الموحدة ولا تخرج منه بأي شيء سوي حكاية رجل عاش وغامر وواجه المصاعب، دون أن تقترب اقترابا حميما من الشخصية أو تغوص في عمقها وحقيقتها.. ودون أن تعرف للبطل موقفا ولا ملمحا أساسيا رغم ما يمتلئ به الفيلم من حوارات تفسر تصرفاته في مواقف جزئية لا يربطها رابط أو من خطب طويلة يلقيها أحمد زكي ولا يجرؤ المونتير علي ان يمسها. فالنجم المنتج يستعرض قدراته علي تقليد السادات وكأنه يستحضره أمامنا في مواقف شاهدناها بأعيننا. وكل هذا دون أن نري هذه المواقف ضمن سياق عام أو في إطار يمنح الشخصية أو الواقع المحيط بها أبعادا معبرة أو مؤثرة. وإن كانت تأتي ضمن محاولات التبرير والتأكيد علي وطنية الرجل وحسن سيرته، علي غرار أساليب كتب المطالعة أو المقالات الإنشائية عديمة الروح والموقف. وهي كلها أمور تتفق فقط مع رؤية فصيل كبير من نجوم السينما والإعلام في مصر يرون أن كل من حكم مصر كان رجلا وطنيا وعمل بإخلاص من أجل هذا البلد. وأنهم جميعا، ويالعبقرية المساواة لا يختلفون عن بعضهم كثيرا، علي طريقة أحمد زي الحاج أحمد، مع إن أحمد زكي يختلف كثيرا عن الحاج أحمد رمزي. ولكنها أمور لا تنطلي إلا علي محدودي الوعي والثقافة . فبالتأكيد أحمد يختلف تماما عن الحاج أحمد لو درست شخصيته بجدية وتعرفت عليه عن قرب. أين الصراع؟ ولكن أهم ما تفتقده دراما الفيلم في رأيي هو الصراع الذي يغيب كثيرا ويظهر ضد قوي ثم يختفي ثم يعود للظهور ضد قوي آخري. فالفيلم والشخصية يبدوان بلا هدف، سواء كان شخصيا ماديا محدودا أو وطنيا معنويا كبيرا. وهي مسألة في الحقيقة وفي رأيي الشخصي قد يفرضها السادات نفسه الذي كانت لا تحركه رؤية عامة وشاملة بقدر ما كان يتعامل مع الحياة والأمور بشكل جزئي دون إطار او مرجعية فكرية محددة. وهي فكرة في الحقيقة كان إبرازها والتركيز عليها كفيلا بتحقيق معني للفيلم وإن كانت ستؤدي إلي درجة من درجات الإساءة للشخصية وهو ما يتعارض تماما مع أهداف الفيلم. ولكني أعتقد أن مخرجا بمكانة وقدرة محمد خان كان بإمكانه أن يحقق هذا بلغة فنية عالية ودون السقوط في المباشرة أو حتي الترميز المباشر. وهنا نصل إلي مشكلة اساسية من مشكلات الفيلم في رأيي وهي التعامل مع أحمد زكي منتجا وممثلا ومصمما علي أن يكون شريكا في الرؤية أو اللارؤية بدرجة تجعله يضع اسمه علي التترات كواضع للمعالجة الدرامية. والحقيقة أنه في ظل ظروف مثل هذه تتقلص حرية المخرج في الإبداع. وتتعارض مع رغبة ممثل في تقديم مشاهد أحبها وتدرب علي أدائها وآمن بأنها تكشف مناطق من موهبته. ويصمم علي أن يتضمنها السيناريو وأن يجري تصويرها ويتمسك بوجودها في شريط الفيلم النهائي مهما كانت معوقة لإيقاع الفيلم أو مسببة لارتباك الرؤية أو الفكرة أوجائرة علي أمور تستحق مساحة أهم أو اهتماما أكبر..وهذا ما نلحظه بوضوح في خطبته عند ذهابه للكنيست والتي إستغرق عرضها علي الشاشة ما يقرب من عشر دقائق، ضاربا بعرض الحائط كل أصول الإيقاع السينمائي وطبيعة الفيلم المتحركة. عبقرية القدر لم يدرك أحمد زكي أنه أبدع في ناصر 56 لأنه أخلص لدوره كممثل في إطار رؤية صاغها كاتب كبير هو محفوظ عبد الرحمن آمن بالشخصية التي يكتب عنها وأدرك جوانبها المضيئة واختار لحظة درامية كاشفة ومفصلية في حياتها. وتحققت هذه الرؤية الدرامية بقدرة المخرج محمد فاضل وهو علي نفس الموجة والفهم للرجل وللفترة وللأزمة الحاسمة التي كان الوطن يتخطاها بفضل لحظة حقيقية اختار الشعب أن يقف فيها خلف زعيمه سعيا وراء العزة والكرامة مهما كانت العواقب. أعاد ناصر 56 صورة لزعيم وتجربة وزمن كاد يطويهم النسيان في ظل سياسات تطمس أي معالم أو إنجازات لثورة يولية في سنواتها الأولي. وعلي الرغم من كل هذا استطاع الفيلم بما لاقاه من صدي طيب أن يكشف عن شيء محترم مازال باقيا في النفوس وعن رغبة جماهيرية في سينما تحترم عقل ووجدان المشاهد وعلي النقيض بالطبع لم يصب أيام السادات أي نجاح رغم جهود مخرجه في اختيار عناصر ممتازة امام وخلف الكاميرا، فجمع بين أجيال أحمد بهجت ومحمد خان وميرفت أمين وأحمد زكي وياسر عبد الرحمن وأحمد السقا ومني زكي. بل إن العمل إجمالا لم ينصف السادات ولم يدينه ولم ينتصر للفن ولا لصناعه. ولم يضف إلي تاريخ نجمه رغم زعمه، ربما من باب الدعاية أنه أصعب ادواره. ولكن الأهم من كل هذا ان القدر لم يمهل أحمد زكي ليكمل ثلاثيته التي حلم بها بفيلم عن مبارك الذي أجبرته ثورة 25 يناير علي التخلي عن السلطة. وربما كان تحقيق فيلم فاتر ومدافع عنه علي شاكلة أيام السادات كفيلا بأن يفقد بطله مصداقيته التي صنعها بموهبته وكفاحه وليس بقناعاته السياسية المتواضعة التي تساوي بين أحمد والحاج احمد رمزي. علي جانب آخر مازال إحياء مشروع جمال عبد الناصر مع تحديثه وتطويره أحد البدائل المطروحة علي الساحة السياسية بقوة منذ اندلاع ثورة 25 يناير. وعلي الرغم من أن أهداف الثورة الأساسية كانت معلنة من البداية من خلال هتاف شبابها الأشهر والأكثر تحديدا " عيش- حرية- عدالة اجتماعية - كرامة إنسانية " إلا أن تطور الأحداث في الفترة الانتقالية جعل الثوار لا يجدو بديلا للدولة المدنية لتحقيق هذه الأهداف، خاصة في ظل حكم عسكري انتقالي امتدادا لستين سنة من نظام يقوده رجال الجيش.. وأيضا بعد تجربة فاشلة وفاضحة لسيطرة التيار المتأسلم علي مجلسي الشعب والشوري.