من بين الأوضاع المقلوبة التي عشناها خلال العهد البائد تلك المنظومة المتعلقة بالتعيينات والترقيات والحوافز والمكافآت التي خلقت نوعاً من الحقد بين المواطنين خاصة ذوي المؤهل الواحد. لك ان تتخيل معي زميلين تخرجا سوياً في كلية التجارة مثلاً. ولكن القدر ساق أحدهما للتعيين في هيئة تابعة لوزارة الصحة أو القوي العاملة أو الصرف الصحي. بينما كان نصيب الآخر التعيين في إحدي شركات البترول. طبعاً معروف الفارق الكبير في الدخل الشهري والسنوي للاثنين رغم ان الاثنين ربما يقومان بنفس العمل. نفس الدخل الذي يحصل عليه موظف شركة البترول يحصل عليه أيضاً موظف هيئة قناة السويس. ومصلحة الضرائب. ووزارة الكهرباء . الاساس في هذا التفاوت الكبير بين ما يتقاضاه العاملون في هذه الجهات وما يتقاضاه العاملون في الجهات الاخري ذات الدخل الادني يرجع إلي ان الحكومات السابقة ووزراءها اعتبروا ان دخل كل هيئة أو شركة جالبة للموارد من نصيب أبنائها باستثناء جزء ضئيل يتم توريده لخزانة الدولة. فأصبحت الشركات التابعة للبترول والكهرباء والمالية وهيئة قناة السويس تمنح عامليها مرتبات بالألوف وأرباحاً بدون حساب وشققاً وأراضي وسيارات بالتقسيط المريح جداً. وكأن هذه الاموال ورثوها عن آبائهم. وفي ظل محدودية الموارد المصرية المتمثلة في عائدات قناة السويس والبترول والضرائب المحصلة من الافراد والهيئات والمؤسسات تصبح هذه الجهات "الثرية" إذا جاز التعبير مؤتمنة علي "توصيل" هذه العائدات إلي خزانة الدولة وليس توزيعها علي العاملين فيها. وذلك بهدف إقامة المشروعات القومية والبنية الاساسية وإحلالها أو تجديدها. والإنفاق علي الخدمات المقدمة للشعب. ومن هذا المنطلق تصبح عائدات هذه الجهات ملكاً للدولة وليس لوزراء أو رؤساء شركات أو عاملين بأعينهم يتصرفون فيها كيف شاءوا. كثيراً ما طلب مني صديق التوسط لتعيين أحد أبنائه في وزارة البترول أو مصلحة الضرائب أو هيئة قناة السويس- بحكم أنني من محافظة الشرقية القريبة من مدينة الاسماعيلية حيث مقر هيئة قناة السويس فمرتبات هذه الجهات خيالية ومكافآت نهاية الخدمة فوق احتمال أي موظف عادي بأي مصلحة حكومية . منذ حوالي عشر سنوات قال لي أحد الاصدقاء ان مكافأة نهاية الخدمة للفراش بهيئة قناة السويس تبلغ ربع مليون جنيه!! أما بقية المزايا الممنوحة للعاملين في هذه الجهات "الثرية" فلن أتحدث عنها حتي لا يتهمني أحد بأنني حاقد علي العاملين بهذه الاماكن وأحسدهم وأتمني زوال النعمة عنهم. العقل والمنطق يقولان انه يجب إلا يكون هناك تفاوت كبير بين الموظفين في الجهاز الاداري بالدولة مادامت تطبق عليهم نفس القوانين. ويجب ألا تكون هناك مزايا واستثناءات لفئة لمجرد أنها تعمل في جهة جالبة للأموال.. إنني أطالب الحكومة بإعادة النظر في مرتبات العاملين بأجهزة الدولة كلها وتطبيق نفس المباديء علي الجميع بحيث لايكون هناك مطحونون يقبضون ملاليم. ومحظوظون يلهفون الملايين.