رغم أنها كانت إحدي القري المغمورة كغالبية قري مصر في الوجه البحري ومنطقة الدلتا ولا يسمع عنها أحد إلا أن قرية "كفر ميت الحارون" التابعة لمركز زفتي بمحافظة الغربية جذبت إليها الانتباه منذ عدة سنوات وأصبحت محط أنظار قطاع كبير من الذين يعملون في الصناعات الجلدية علي مستوي الجمهورية وذلك بعد أن تحولت القرية الصغيرة إلي مصنع كبير لإعادة تدوير إطارات السيارات والأتوبيسات بمختلف أنواعها وتحويلها إلي منتجات جلدية نافعة تباع بأسعار مرتفعة ومنها الأحذية وخراطيم المياه والمقاطف الجلدية والبلاط المطاطي. هذا بالإضافة إلي تسويق إطارات الكاوتش الخاصة بالسيارات التي يحصلون عليها وتكون ولا تزال صالحة حيث يتوافد علي القرية أصحاب وقائدو السيارات لشرائها بأسعار أقل بكثير من أسعار الإطارات الجديدة التي ارتفع ثمنها في الفترة الأخيرة خاصة وأنها تكون بحالة جيدة خاصة التي يحصلون عليها من شركات السياحة. كما تتم أيضاً عملية استخراج الأسلاك التي توجد في باطن إطارات الكاوتش الخاصة بالسيارات والجرارات الزراعية بعد عملية حرقها في المرحلة الأخيرة حيث يتم استخدام هذه الأسلاك في عمليات البناءوالتشييد المعماري. وقد أصبح معظم سكان القرية وخاصة الشباب يعملون في صناعة تدوير إطارات الكاوتش الخاصة بالسيارات بأنواعها والجرارات الزراعية والأتوبيسات بعد أن هجروا العمل بالزراعة وفلاحة الأرض بعد أن أصبحت تحقق لهم هذه الصناعة أرباحاً طائلة كما أنها قضت علي البطالة ووفرت فرص عمل لجميع أبناء وسكان القرية من الرجال أو الشباب والذين أصبحوا يحققون دخولاً مادية كبيرة حققت لهم الاكتفاء الذاتي وساعدتهم علي توفير نفقات الزواج والعيشة الكريمة. ولم يعد الأمر يقتصر علي أهالي وسكان قرية "كفر ميت الحارون" فقط بل امتد لسكان القري المجاورة لها بعد أن جذبتهم هذه الصناعة المربحة جداً. امبراطورية الذهب الأسود ولذلك فقد أطلقوا علي قرية "كفر ميت الحارون" امبراطورية الذهب الأسود بعد أن أصبحت من القري الثرية التي تحقق دخولاً مادية كبيرة لسكانها الذين أصبح معظمهم يحترف صناعة إعادة تدوير الكاوتش. بداية التحول يقول محمد إبراهيم حسن أحد أبناء القرية بإن القرية كان يعمل معظم سكانها في الزراعة وفلاحة الأرض مثل بقية قري ريف محافظات مصر في البداية وقد بدأ التحول والاتجاه لحرفة وصناعة إعادة تدوير إطارات السيارات بأنواعها والجرارات الزراعية "الكاوتش" منذ عدة سنوات حيث كانت البداية من خلال مشروعات صغيرة لا تحتاج إلي رأس مال كبير حيث تعتمد علي ورشة أو مصنع صغير لا تزيد مساحته علي 50 متراً مربعاً ويتم تزويده ببعض المعدات البسيطة باستثناء آلة صغيرة يطلقون عليها "الونش" وهي عبارة عن آلة يدوية تدار بواسطة تروس وتستخدم في استخراج شرائح الكاوتش المستعمل بسهولة وبطريقة توفر المجهود العضلي للعاملين في هذه الصناعة بالإضافة إلي شاكوش ومقص وسكين وهي كل المعدات التي يتم استخدامها في هذه الصناعة. بينما يكشف حسن محمود مسعد أحد العاملين في الصناعة كيفية تجميع إطارات السيارات المستعملة موضحاً بأن ذلك يتم بواسطة عمال متخصصين في هذا المجال يطلقون عليهم "السريحة" حيث يتجولون علي جميع ورش تصليح إطارات السيارات المنتشرة في أنحاء ربوع محافظات مصر لتجميع أكبر كمية من إطارات السيارات الكاوتش المستعملة لمختلف أنواع السيارات الملاكي والأجرة والنقل والأتوبيسات والجرارات الزراعية وإحضارها إلي ورش مصانع القرية التي تقوم بشرائها من هولاء العمال السريحة ثم تبدأ علي الفور عملية إعادة تدويرها من جديد. المصدر الرئيسي ويوضح محمود السعيد أبووردة عامل سريح حقيقة هامة مشيراً إلي أن شركات السياحة علي مستوي الجمهورية تمثل مصدراً رئيسياً في الحصول علي تجميع الإطارات المستعملة حيث تحصل من هذه الشركات علي أكبر كميات من الإطارات الكاوتش المستعملة الخاصة بسيارات الأتوبيسات السياحية المملوكة لهذه الشركات والتي تمثل مصدراً هاماً ورئيسياً لمصانع وورش قرية ميت الحارون خاصة أن شركات السياحة معروف عنها الالتزام المستمر والدائم باستبدال إطارات السيارات الخاصة بها بشكل منتظم وفي مواعيد معروفة من أجل الحفاظ علي سلامة وأرواح ركاب هذه السيارات من السائحين وعملاء هذه الشركات وهو ما ينتج عنه توافر كميات كبيرة من إطارات الكاوتش المستعملة والتي يتم طرحها في مزادات علنية بالقاهرة والإسكندرية وعدد من المدن السياحية حيث تكون معظم بل جميع هذه المزادات من نصيب مصانع وورش قرية كفر "ميت الحارون" بل إن معظم هذه الإطارات الخاصة بشركات السياحة دائماً ما يكون معظمها بحالة جيدة مما يتيح الفرصة لإعادة بيعها لبعض أصحاب السيارات والأتوبيسات الخاصة الذين يلجأون إلي القرية لشراء إطارات مستعملة بحالة جيدة بأسعار أقل بكثير من الأسعار الجديدة التي ارتفعت في الفترة الأخيرة بشكل كبير بسبب اتفاع أسعار الدولار بعد أن تتم إعادة نقش الإطارات من الخارج لتظهر مثل الجديدة. وفي الوقت الذي حققت فيه صناعة إعادة تدوير إطارات الكاوتش المستعمل أوإعادة بيعه مرة أخري العديد من المكاسب المادية الكبيرة وحولت معظم سكان القرية إلي أثرياء بعد ارتفاع الدخول للعاملين في هذه الصناعة مما حقق لهم الاكتفاء الذاتي وقضي بشكل كبير علي البطالة حيث لم يعد هناك عاطل واحد بالقرية خاصة من الشباب الذي احترف هذه الصناعة المربحة جداً ومعظمهم من الحاصلين علي مؤهلاء متوسطة وهو ما جعل هذه الصناعة تنمو وتتكاثر وتنتشر وتتطور يوماً بعد يوم بل انها امتدت للقري المجاورة الأخري. إلا أنه هناك وجه آخري سلبي وقبيح لهذه الصناعة التي تنفرد بها قرية كفر ميت الحارون الذين أطلقوا عليها "امبراطورية الذهب الأسود". حيث أكد أحد سكان القرية الذي طلب الاحتفاظ بعدم ذكر اسمه حتي لا يواجه مشاكل مع أهل القرية موضحاً بأن سكان وأهالي القرية خاصة الأطفال الصغار وكبار السن أصبحوا معرضين بالإصابة بالأمراض الوبائية الخطيرة التي تهدد حياتهم الصحية بالخطر نتيجة التلوث البيئي اليومي والناتج عن حرق كميات كبيرة من إطارات الكاوتش بشكل يومي وهو ما يؤدي لتصاعد الأدخنة الكثيفة التي تحول سماء القرية إلي سحابة سوداء بالكامل علي مدار السنوات الأخيرة وطوال ساعات الليل والنهار خاصة في الفترة المسائية التي تشهد عمليات حرق الكاوتش يومياً في ساعات الليل وتستمر توابعها خلال ساعات النهار وهو ما يمثل مشكلة بيئية خطيرة نتيجة تلوث الهواء الجوي الملبد بالسموم ويستنشقه أهالي وسكان القرية خاصة الأطفال الصغار وهو ما أصبح يهدد بكارثة بيئية خطيرة نتيجة المواد السامة التي تحتوي عليها محتويات إطارات الكاوتش وتؤدي لتلوث الهواء بسموم قاتلة بعد حرقها وتصاعد الأدخنة الناتجة عن عمليات الحرق لتغطي سماء القرية وتسمم الهواء الجوي بمحيط القرية والقري المجاورة. وقد تسببت هذه الظاهرة في حيرة أهالي وسكان القرية الذين وجدوا أنفسهم يعيشون بين نارين بين الربح والمكاسب المادية الكبيرة التي يحققونها من وراء هذه الصناعة التي تنفرد بها قريتهم وبين حالة الذعر والقلق التي تسيطر عليهم خوفاً من تعرضهم وخاصة أطفالهم الصغار والأبرياء للإصابة بالأمراض الوبائية الخطيرة الناتجة عن تلوث الهواء الجوي المسموم والذين أصبحوا يتنفسونه علي مدي ساعات الليل والنهار يومياً. لكن ظهر واضحاً وجلياً أن كفة استمرار صناعة إعادة تدوير إطارات الكاوتش هي الأرجح بعد ان انتشلتهم من حالة الفقر والعوز التي كانوا يعيشونها قبل أن يعرفوا صناعة إعادة تدوير إطارات الكاوتش ودخولها قريتهم حتي لو كان ذلك علي حساب حالتهم الصحية المهددة بالإصابة بأمراض خطيرة ولكن كله يهون أمام المكاسب المادية في عصر أصبحت المادة تطغي فيه علي كل شئ رغم أن الصحة تعتبر من أهم كنوز الدنيا وهو ما يراه ويؤيده البعض وهم بالطبع أقلية من أهالي القرية صاحبة لقب امبراطورية الذهب الأسود والذين يطالبون بإيجاد حل لهذه الكارثة البيئية بعد اقتناعهم التام بخطورة الموقف والذي أصبح يمثل ضرراً وكارثة ليس علي حياة الإنسان فقط بل علي الحيوانات والنباتات التي تتأثر بهذه المشكلة البيئية الخطيرة وهو ما جعل هناك وجهتي نظر عليها خلاف بين المكاسب المادية الكبيرة والحياة الصحية ولكن واضح أن كافة الثراء والمكاسب المادية هي الأرجح حتي الأن ولحين إشعار آخر خاصة بعدما أصبحت هذه الصناعة مصدر رزق أساسياً ورئيسياً لجميع أهالي قرية "ميت الحارون". وفي الوقت التي تقوم فيه الدنيا ولا تقعد عندما يتم حرق قش الأرز والقمح في موسمي حصاد المحصولين بسبب السحابة السوداء التي تستمر لعدة أيام وتقض علي الناس حياتهم بشكل مؤقت فما بالك بأن هذه السحابة السوداء الملبدة بالسموم تغطي سماء قرية ميت الحارون وبعض القري المجاورة لها بمركز زفتي بمحافظة الغربية طوال أيام السنة ليلاً ونهاراً ولا يستطيع أحد أن يعترض علي ذلك.. البيئة غائبة وفي محاولة لاستطلاع رأي مسئولي شئون البيئة حول هذه الظاهرة البيئية الخطيرة التي أصبحت تمثل قنبلة كارثية موقوتة أكد مصدر مسئول بجهاز شئون البيئة بمنطقة وسط الدلتا أن المشكلة تفاقمت وتزايدت بشكل كبير عقب اندلاع أحداث ثورة 25 يناير وما أعقبها من حالة انفلات أمني وهو ما استغله البعض من شباب وسكان القرية وبعض القري المجاورة في ارتكاب هذه المخالفات البيئية الخطيرة والتي تمثل خطراً بيئياً يهدد حياة وصحة سكان قرية "ميت الحارون" وبعض القري المجاورة بسبب انتشار الأدخنة السامة الناتجة عن حرق كميات كبيرة من إطارات الكاوتش المستعمل حيث اعترف مسئول البيئة بخطورة هذه المشكلة علي حياة البشر مشيراً إلي أن جهاز شئون البيئة يشن حملات مستمرة علي القرية وتحرير مخالفات لأصحاب الورش والمصانع في محاولة للتصدي لهذه الظاهرة ولكن المكاسب والأرباح الطائلة التي يحققها أصحاب الورش والمصانع تجعلهم يواصلون ارتكاب المخالفات والتي تتم ليلاً وفي جنح الظلام كما أن المشكلة التي تواجهنا أيضاً أن الغالبية العظمي بل كل سكان القرية أصبحوا يعملون في صناعة إعادة تدوير إطارات الكاوتش المستعمل والتي أصبح مصدر رزقهم الوحيد وأصبحت هذه الصناعة منتشرة في كل مكان بل امتدت للقري المجاورة وهو ما يصعب من مهمتنا. وأشار مسئول البيئة إلي أنه لابد من إيجاد حل عملي لهذه المشكلة مشيراً إلي أنه كان هناك اختراع تقدم به أحد الأشخاص لإنشاء أفراد خاصة يتم من خلالها حرق الكاوتش من خلال معالجة الأدخنة الناتجة عن عمليات الحرق بشكل وشروط أكثر أمناً وتم الاتفاق علي تدعيم الاختراع من جانب وزارةالبيئة ولكن لم يكن الاختراع موفقاً للقضاء علي المشكلة بشكل نهائي وهو ما أدي لصرف النظر عنه.