التطورات المتلاحقة لفن كتابة السيناريو والتي كشفت عنها أفلام صعبة ومركبة جعلت صناعة السيما تزداد تركيباً مع مرور السنين. أذكر علي سبيل المثال سلسلة أفلام "ماتريكس" وفيلم من نوع "آفاتار" أو انسبشن Inception وسلسلة الأفلام التي صنعتها آلة الحرب السينمائيية عن العراق وفيتنام.. إلخ. وهذه التطورات ستجد نظيراً لها في عالم السياسة الذي يزداد بدوره تركيباً وتعقيداً ينعكس في ممارسة الخداع والمطارات الأيديولوجية وحصار الأفكار أو الترويج لبعضها. وفنون الاستقطاب وصراع القوي.. إلخ. إلخ. والآن نراها في خطط الاستيلاء علي الثورات أو تحجيمها وخطط التصدي لحركات التمرد وانعكاس هذا كله علي صناعة الأسلحة وشراء العقول المتخصصة في علوم الاقتصاد وعلم الاجتماع السياسي وإدارة الأزمات وإدارة المؤسسات الكبري الحاكمة. مثل صندوق النقد الدولي. والشركات متعددة الجنسيات أو العابرة للقارات. والأكثر إثارة للانتباه تلك الطبعات المتطورة من الشخصيات "الكبري" التي تظهر علي المسرح السياسي الدولي بكاريزما وقوة أداء تمثيلي مبهر مع متعة شديدة الأحكام تستحوذ علي المتفرجين حتي لو كانوا من المفكرين والأدباء ورجال السياسة. خذ علي سبيل المثال مشهد أوباما في جامعة القاهرة. وتأمل وجوه المدعوين في القاعة وحملهم اللانهائي بالشاب الأسمر رئيس أكبر دولة في العالم. وخذ نفس هذا الممثل السياسي الأمريكي البارع أوباما أثناء تعليقه علي ثورة 25 يناير. وخذ مع الفارق مشهد زيارة رئيس وزراء بريطانيا الشاب الأشقر لميدان التحرير وكأنه جاء ليعبر عن اعجابه بالثورة ويقول "حواراً" جميلاً عنها. والحقيقة أنه جاء لكي يسوق "أدوات" تساعد فرق الأمن المصري علي مواجهة الشغب والتمرد.. فهو ابن شرعي للإمبراطورية الاستعمارية. والآن انظر حولك علي المسرح العربي فلن تجد أكثر خيبة وسذاجة من شلة الرؤساء العجائز الضالعين في صناعة الاستبداد منذ حقب زمنية طويلة حكموا فيها شعوبهم بالحديد والنار. واستبسلوا ويستبسلون حتي آخر نفر في الجيش وآخر مواطن في الشعب للبقاء في الكرسي. رجال بالغو الدمامة والتخلف من نوع عبدالله صالح الشاويش الذي أصبح رئيساً لدولة وجاء زبانيته والجديرون بالثقة من أبناء عشيرته ليسيطروا علي اليمن التعيس. هذا السيناريو الكئيب الفج يتكرر بحذافيره باختلاف طفيف في التفاصيل لا فارق بين الشاويش والجنرال.. الجميع عرب يفتقدون قوة الحضور. وقد حباهم الله بخلقة عكرة مثل القذافي وأداء فكه يثير الضحك. والجميع عملاء سبحان الله وبفجاجة أيضاً.. والجميع اعتمدوا كلياً علي "أمن الرئيس" وعلي أدوات القمع المستوردة من دول الديمقراطية الغربية التي تسهم دون هوادة في صناعة الديكتاتوريات العربية. في هذه السيناريوهات لا يوجد بطل تراجيدي رغم السقوط المدوي لكل واحد فيهم. لأن بداخل كل منهم وحشاً ضارياً ونفسية بليدة لا تهتز بالدماء. والجميع محرومون من ذرة نُبل أو حساسية أو عزة نفس فضلاً عن إحساس وهمي وارم بالذات.