الفيلم الدرامي تتحدد قيمته من واقعية الشخصيات التي يقدمها الكاتب عبر تحليل عميق وواع. وكذلك من مدي مصداقيتها. لأنها في الأغلب تخضع عند رسمها وتشخيصها في السيناريو لمنطق يمكن تصديقه حين تشتبك في صراعات تفرضها موضوعات مشحونة بالعواطف: الطموح. الطمع. الحب. الكراهية. الانتقام. الصعود الطبقي. الشره المادي. الجريمة. أو التطرف العرقي والديني والفقر والفساد السياسي و.. الخ.. فالصراع وهو محور الموضوعات الدرامية ويمكن أن يطول حتي الصراع ضد الظواهر الطبيعية الذي تناوله كثير من الأفلام الأمريكية الممتعة والمثيرة. أفلام العواصف والبراكين والفيضانات.. الخ الخ.. عموماً كل أنواع الأفلام بما فيها أفلام الأكشن "الحركة" والكوميدي يمكن أن تتضمن عناصر درامية ولكن الفيلم الذي تصفه بالدرامي يعتمد في الأساس علي درامية الموضوع الرئيسي مثال "الأب الروحي" أو "إي تي" أو "المواطن كين". والأفلام الدرامية القوية غالباً ما ترشح لجوائز الأوسكار وتحظي بجائزة "أحسن فيلم" في العادة وتعتبر السيرة الذاتية مجالاً جيداً للفيلم الدرامي ولعل أشهر الأفلام التي شهدتها السنوات العشر الأخيرة فيلم "بولاك" "2000" للمخرج إدهاريي الذي لعب أيضاً دور البطولة الرئيسية. الفيلم يرسم بلغة السينما المرهفة قوية التعبير حياة الفنان جاكسون بولاك الجديرة بعمل درامي قوي ومؤثر وفيلم "علي" "2001" عن حياة الملاكم الشهير محمد علي كلاي وتجربته الفريدة علي المستوي الشخصي والعام. وفيلم "ميلك" 2002. "وفريدا" و"المصارع" "2000" و"الساموراي الأخير". وقد ألهمت حرب الخليج كثيرا من صناع السينما الأمريكية. فظهرت أفلام درامية تتناول الحرب في العراق. والحرب في الصومال. مثل "جرين زون" و"هبوط النسر الأسود" "2001" وجارهيد "2005" و"رندشن" "Reudition) و"سيريانا". ورغم التراجع نسبياً في جماهيرية أفلام الدراما الرومانسية التي كان من أكثرها جماهيرية فيلم "تايتانك" إلا أن بعض الأفلام الرومانسية مثل "جبل بروكباك" "2005" و"مليونير العشوائيات" "2008" حظيت بنجاح جماهيري ونقدي كبير والأخير حصل علي ثماني جوائز أوسكار وكان مرشحاً لعشرة. الدراما السياسية تعتمد الدراما البوليسية السياسية علي أكثر الموضوعات اثارة للانتباه وتحقيقاً لأعلي المبيعات والسبب أنها عادة ما تعتمد علي موضوعات حية جداً وعلي درجة كبيرة من الواقعية بالإضافة إلي الأهمية البالغة التي تحظي بها لدي دوائر واسعة لا تهتم فقط بفن الفيلم وإنما بقضايا السياسة وكيفية تناولها علي الشاشة فهي تتضمن كل العناصر الجاذبة والمثيرة للفضول مثل قضية مقتل كيندي التي شغلت الناس. وحرب فيتنام. وقصص الاغتيالات السياسية. ولعبة الخداع السياسية أيضاً التي تطوي أشكالاً قذرة من الصراعات ثم قضايا الحرب الباردة. والحروب الساخنة ومن أفضل الأفلام التي اتخذت من السياسية موضوعاً لأعمال سينمائية إثارية علي مستوي فني ممتاز فيلم JFK و"فن الحرب" و"ألعاب وطنية" و"ملخص كل المخاوف". و"الحصار" و"شخصية بورن" و"سيريانا" الخ.. ومؤخراً شاهدنا في دور العرض المصرية فيلم انتاج أوروبي مشترك بعنوان "الكاتب الشبح" ghost writer للمخرج البولندي الأصل ردمان بولانسكي "مواليد 1933".. الفيلم ينتمي إلي هذا النوع الدرامي المعتمد علي مادة مستمدة من عالم السياسة.. من فضائح هذا العالم وجرائمه المغلفة بورق سوليفان أو ورق قصدير سطحه الأملس البراق يخفي مخالب قاتلة وشخصيات شيطانية تختفي وراء أقنعة سرعان ما تتكشف ويظهر ما تخفيه من ملامح قبيحة. مخرج الفيلم نفسه شخصية إشكالية تماماً فقد ولد في باريس لأبوين يهوديين من بولندا وعاد إلي بولندا وهو في سن الثالثة. وعاش طفولة مرعبة. فقد اقتيد ابواه إلي المعسكرات النازية وهو في سن الثامنة حيث ماتت أمه. ولجأ هو إلي الهروب من حي اليهود في كراكوف وراح يهيم في الريف البولندي لاجئاً لدي بعض العائلات الكاثوليكية وهارباً من المصير المأساوي الذي تجرعه أبواه فاختزنت ذاكرته ذكريات مرعبة في سنوات تكوينه الأولي. تركت كدمات نفسية عبرت عنها أفلامه "نفور" Repulsion. والطريق المسدود cul-de-sac وحتي "قتلة مصاص الدماء" وعندما انتقل العيش في الولاياتالمتحدة اضطر أن "يطفش" منها بعد فضيحة أخلاقية عام 1977 إذ اتهم باغتصاب صبية قاصرة. واثناء غيابه في أوروبا تم اغتيال زوجته شارون بطريقة بشعة وكانت حاملاً في شهرها الثامن وهي الجريمة المشهورة التي نفذتها عصابة مانسون.. وبعد هذه الكوارث هجر بولانسكي بيته في هوليوود تماماً وأقام في أوروبا. هذه التجربة أو قل التجارب الصعبة لونت حياة هذا المخرج وأضافت إلي موهبته أسلوباً فريداً في كيفية خلق الأجواء المنذرة. الثقيلة التي تفوح منها رائحة الشرور الإنسانية. وأيضاً في تصويره للشخصيات. وانعكست علي جوهر الحبكات القصصية التي يميل لها ويبني أحداثه عليها وقد أسهمت موهبته في إدارة الممثل إلي إلقاء الضوء علي مواهب لم تكن حتي اشتغالها معه معروفة مثل الممثلة الفرنسية كاترين دنييف في فيلم "نفور" ومثل "ميافارو" في فيلم "ابن روز ماري" الذي حظي باعجاب النقاد وحقق نجاحاً واسعاً بالإضافة إلي ترشيحه لجائزة الأوسكار كأحسن سيناريو. أبدع بولانسكي في مجال الدراما البوليسية السياسية في فيلم "الحي الصيني" Chinatown بطولة جاك نيكلسون بولانسكي نفسه الذي لعب دوراً في الفيلم. وفيلمه الأخير وهو من أهم أفلام 2010 لم يصمد في القاهرة أكثر من أسبوع "!!". شاهدناه آخر أيام عرضه يوم الثلاثاء الماضي وهو أمر طبيعي لجمهور لا يتذوق سوي سينما "الحواوشي" التي يمولها السبكي وآخرون يرون أن هذا النوع من الترفيه الحريف الوحيد الذي يستسيغه الجمهور.. فيلم "الكاتب الشبح" من النوع الدرامي الاثاري السياسي بل هو النموذج المثالي لهذه النوعية حسب رأي الناقد الأمريكي الممتاز روجر ايبرت الذي يقول عن بولانسكي انه رجل يعرف كيف يخرج العمل البوليسي. المثير الناعم الهادئ الواثق الذي يبني عملية التشويق بدلاً من الاعتماد علي الصدمة والحركة "الأكشن" السريعة. الممثلون في هذا الفيلم يجسدون شخصيات تحمل في طياتها أسراراً آسرة مثيرة ومربكة ودالة. الأجواء معبأة بالغيوم والأمطار والمناخ بشكل عام رمادي بارد والبرودة لا تطول الخارج وإنما الداخل أيضاً.. انه المكان المحاط بالجمال الحزين الكابي المنذر الذي يخفي أكاذيب وجواسيس وخططا للاغتيال يضيع فيها "أصدقاء" أو رفقاء عمل.. انه أيضاً المكان المطل علي المحيط الذي ظهر علي شاطئه الضحية التي اغتالوها سراً والذي انتقل إليه الكاتب الشبح الذي تم استئجاره ليكمل "المذكرات" التي تركها الكاتب الذي مات غرقاً قبل أن يكملها.. ويتضح لاحقاً أنه اغتيل بفعل فاعل ولم يكن هذا الاغتيال مجانياً وإنما لكي يخفي جريمة تورط رئيس الوزراء البريطاني السابق في اختطاف أربعة من المشتبه بهم في جرائم إرهابية وتسليمهم إلي المخابرت المركزية الأمريكية لتعذيبهم واستخلاص اعترافاتهم وهو الأمر الذي يندرج تحت "جريمة الحرب". الكاتب الشبح "ايوان ماكروجر" يعيش تجربة برغم تفردها ليست غريبة بأي حال عن العالم الذي تشكلت فيه حيث يتساوي رجل السياسة المسئول مع الإرهابي الاثنان يرتكبان الجرائم في السر ضد أبرياء والاثنان يحاولان الهروب بجريمتهما. والفيلم عن رواية لروبرت هاريس شارك في كتابة السيناريو مع المخرج. وقد صممها بحيث تضاهي قصة توني بلير وإدارة بوش. وإن ضمنها تفاصيل لا تجعل المقارنة بين الفيلم والواقع سهلة بالنسبة لأي متفرج عادي. ويري الناقد روجر ايبرت أن الفيلم نفسه يستدعي مقارنة بين رئيس الوزراء الهارب من مواجهة المحكمة الجنائية العليا وبين المخرج رومان بولانسكي نفسه الهارب من حكم بالإدانة بسبب تهمة الاغتصاب "عام 1979".. الأمر الذي جعله لاپيجرؤ علي العودة إلي الولاياتالمتحدة حتي لا يتم القبض عليه. الفيلم رغم البعد السياسي. والواقعي في تصويره للشخصيات يمتلك قوة جذب كبيرة تحتوي المتفرج سواء في مسار الأحداث التي تتبع خطوطا دقيقة لا تترك مجالاً للتخمين سواء بالنسبة لعلاقة رئيس الوزراء بزوجته. وبعشيقته التي تلعب دور المساعدة له. أو في علاقة الأول بمساعده ورفيقه الذي أسند له كتابة المذكرات فاكتشف سر من الأسرار المميتة لحياة الوزير السياسية فتخلص منه. أو في المكان وما يوحي به من غموض أو مفاجآت.. أو في الأداء التمثيلي الممتاز للممثلين ايوان ماكروجر وبيرس بروزونان وحتي في الدور القصير الرائع جداً الذي لعبه الممثل العجوز المخضرم "إلي والش" فالفيلم يضع في قلب تجربة فريدة ومحكمة وأيضاً مثيرة ومشوقة ولكنها الاثارة التي تستدعي العقل والوعي إلي جانب مستوي من التلقي يتذوق الأعمال الجيدة.