إذا كنا نحاكم اليوم اتفاقية بيع الغاز لإسرائيل بأقل من الأسعار العالمية.. فإننا قطعا سوف نحاكم في يوم ما. طال الزمن أو قصر. اتفاقية كامب ديفيد ومعاهدة السلام.. والبنود المجحفة الملحقة بهما.. ولكننا يجب أن نحاكم وعلي الفور اتفاقية "الكويز" التي تستخدمها الإدارة الأمريكية اليوم وسيلة لمعاقبة مصر الثورة.. بسبب مواقفها المستقلة إزاء إسرائيل ووقوفها إلي جانب الحق الفلسطيني. واتفاقية "الكويز" وقعها النظام الساقط مع كل من أمريكا وإسرائيل بهدف زيادة صادراتنا من الملابس الجاهزة إلي الولاياتالمتحدة بشرط أن تتضمن مكونات إسرائيلية في هذه الملابس بنسبة لا تقل عن 8% وتصل إلي 17%. وكما تري.. فإن هذه الاتفاقية كانت إحدي أدوات تحقيق مشروع الشرق الأوسط الكبير.. الذي طرحه الرئيس الإسرائيلي الحالي شيمون بيريز عندما كان رئيسا للوزراء وزعيما لحزب العمل الإسرائيلي.. ويهدف المشروع برمته إلي دمج الكيان الصهيوني في الاقتصاديات العربية بما يحقق الهيمنة الاقتصادية الإسرائيلية علي المنطقة العربية.. ويمكن الكيان الصهيوني من اختراق الدول العربية تحت غطاء مصري - أمريكي.. والاندماج في المنطقة كعضو سياسي واقتصادي فاعل. أضف إلي ذلك أن انفتاح المنطقة العربية علي السوق العالمية والتجارة الدولية متعددة الأطراف من شأنه أن يدعم المخططات الأمريكية التي تستهدف الهيمنة اقتصاديا وسياسيا.. ليس علي بلدان منطقتنا فحسب.. بل علي العالم أجمع. وقد نشرت مجلة "المصور" الأسبوع الماضي تقريرا صادما عن "الكويز" كتبه الزميل غالي محمد وكشف فيه معلومات سرية يتم تداولها بين بعض مصدري الملابس الجاهزة في إطار اتفاقية "الكويز" بشأن طلب المستوردين الأمريكيين "اليهود" من بعض المصدرين المصريين وقف التصدير إلي حين إشعار آخر. وقد فسر بعض المصدرين المصريين هذا الطلب الأمريكي الغريب بأنه "رد علي محاولة اقتحام السفارة الإسرائيلية في القاهرة.. باعتبار الإسرائيليين شركاء بنسبة المكون في الاتفاقية".. بل إن هناك مصدرا في قطاع النسيج قال إن الطلب الذي وصل القاهرة بتوقيف التصدير هو "إجراء عقابي" بعد اقتحام السفارة الإسرائيلية في القاهرة. ومن يقرأ تقرير "المصور" سوف يصدم بالحقائق المريعة التي وردت فيه والتي تقدم وجها آخر للفساد المقنن الذي كان متبعا في ظل النظام السابق.. ومن هذه الحقائق أن المستفيد الأكبر من إبرام اتفاقية "الكويز" بشكل أساسي نحو خمسة من كبار رجال الأعمال بخلاف عدد من المصانع الصغيرة.. وهؤلاء كانوا يحصلون علي دعم من صندوق دعم الصادرات في مصر يصل إلي نحو 10% من قيمة تلك الصادرات إلي الأسواق الأمريكية. ومن الحقائق المحزنة أيضا أن المصدرين المصريين كانوا يعتمدون بشكل أساسي علي أقمشة مستوردة من دول جنوب شرق آسيا.. وعلي هذا فإن هؤلاء المصدرين الخمسة الكبار لم يفيدوا الاقتصاد المصري بل أفادوا أنفسهم بالدرجة الأولي ولم يحققوا أية قيمة مضافة لصناعة الغزل والنسيج في مصر باعتمادهم علي الأقمشة المستوردة.. كما أن إسرائيل حققت فوائد جمة من الاتفاقية بنسبة المكون الذي لا يتم تصدير الملابس الجاهزة بدونه إلي الأسواق الأمريكية. وعندما عارض الدكتور عبدالمنعم سعودي رئيس اتحاد الصناعات وقتها توقيع هذه الاتفاقية لأنها لا تحقق الصالح المصري ولا الأهداف السياسية لمصر والقضية الفلسطينية رفض المهندس رشيد محمد رشيد التجديد للدكتور سعودي في رئاسة اتحاد الصناعات وعين بدلا منه جلال الزوربة رئيسا للاتحاد حيث تحمس لتوقيع الاتفاقية لأنه أحد المصدرين للملابس الجاهزة اعتمادا علي أقمشة مستوردة إلي الأسواق الأمريكية. وأمام هذه الحقائق الكثيرة والمدهشة التي أوردها الزميل غالي محمد في تقريره بمجلة المصور يصبح من الضروري عرض اتفاقية الكويز علي القضاء المصري النزيه.. واعتبار التقرير عريضة للدعوي بكل ما تضمنه من اتهامات لمن وقعوا الاتفاقية ومن استفادوا منها. وحتي يتحقق ذلك يجب علي الفور علي جهات الاختصاص وقف الدعم الذي يحصل عليه المصدرون الخمسة الكبار من صندوق دعم الصادرات.. ويجب علي الفور أيضا مراجعة بنود الاتفاقية وإعادة النظر فيها.. خصوصا فيما يتعلق بنسبة المكون الإسرائيلي أو بالأقمشة المستوردة التي يستعان بها في المنتجات المصدرة بينما الأقمشة المصرية لا تجد من يشتريها.. وتباع علي الأرصفة بأرخص الأسعار. إننا إذا نظرنا إلي اتفاقية الكويز علي أنها اتفاقية تجارية فحسب فإنها تشكل جريمة فساد نظرا لأنها تصب في مصلحة خمسة من كبار المصدرين فقط.. وتجني في المقابل علي صناعة الغزل والنسيج في مصر وأيضا صناعة الملابس الجاهزة.. باستثناء الأجور الضعيفة لعمال بعض مصانع الملابس.. أما إذا نظرنا إليها علي أنها اتفاقية سياسية فإنها تشكل كارثة علي مصر سياسيا واقتصاديا.. وتجعل منها مجرد "ترس" في آلة الهيمنة الأمريكية - الإسرائيلية علي العالم.. وتربطنا أكثر وأكثر بالاستراتيجية الأمريكية - الإسرائيلية.. وتكرس تبعيتنا ورهن إرادتنا للخارج.. فنفقد استقلال إرادتنا شيئا فشيئا. وتلك هي القضية الأخطر.