يقولون إن البيزنس لا وطن له ولا دين.. وتفضل فضيلة المفتى وأفتى بجواز العمل في المصانع والشركات الواقعة تحت اتفاقية الكويز ، ورغم تحفظنا على الفتوى ، وعلى منهج فضيلته في الإفتاء عموما ، فإن فضيلته لم يقل لنا حكم الشرع في رجال الأعمال الذي يتسابقون في الانضمام للاتفاقية ، والأهم أنه لم يبين لنا حكم الشرع في رجال الأعمال الذين بذلوا أقصى جهودهم من أجل توقيع تلك الاتفاقية ، وخروجها للنور ، باعتبارهم أصل البلاء والداء ! وفي السطور القادمة ، ومع ورود الأنباء عن ضم محافظتي المنيا وبني سويف لاتفاقية الكويز ، نفتح ملف رجال التطبيع الاقتصادي مع الدولة الصهيونية ، ونبدأ بالمهندس الحقيقي للكويز والمستفيد الأول منها ...
حين تم اختياره رئيسا لاتحاد الصناعات في أواخر 2004 ، ثارت الاعتراضات على شخصه باعتباره أحد دعاة التطبيع الاقتصادي مع إسرائيل ، فلم يخجل من تأكيد تلك الدعوة ، كما لم يخجل من الدفاع الحار عن اتفاقية الكويز مدعيا أنها ستزيد الصادرات المصرية من الملابس الجاهزة وحدها إلى نحو مليار دولار .. إنه جلال الزوربا : رئيس اتحاد الصناعات المصرية ، ومالك شركة النيل القابضة للملابس الجاهزة التى تضم 5 شركات ، والرئيس المعين لمجلس الأعمال المصرى الأمريكى ، وعضو مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي. للزوربا مع الكويز قصة طويلة ، فالرجل يسعى منذ سنوات لإقناع الحكومة بإبرام تلك الاتفاقية ، ولم يترك فرصة للحديث في وسائل الإعلام دون الإشادة بالأردن التي وقعت "كويز" مع إسرائيل والولاياتالمتحدة عام 1999 ، وفي عام 2004 كانت الفرصة السانحة لتكثيف الضغط على الحكومة المصرية مع القرار الأمريكي بإلغاء نظام الحصص "الكوتة " ، ابتداء من يناير 2005 ، وهو النظام الذي كان يسمح لمصدري الملابس الجاهزة المصريين بدخول السوق الأمريكية وفق حصة مقررة لمصر ، واستخدم الزوربا نفوذه باعتباره عضوا في مجلس إدارة جمعية المستقبل ، التي يرأسها جمال مبارك ، وعضوا في لجنة سياسات الحزب الوطني ، للضغط على وزارة التجارة ودفعها لعقد الاتفاقية ، والمبررات المعلنة كثيرة : فالملابس الجاهزة المصرية لن تستطيع المنافسة مع المنتجات الصينية والماليزية في السوق الأمريكية بعد إلغاء نظام الحصص ، وهذا سيؤدي لتسريح عدد كبير من العمالة المصرية في صناعة الملابس الجاهزة ، وبالكويز يمكن تفادي تلك الآثار ، وزيادة صادرات الملابس الجاهزة المصرية للسوق الأمريكية لتصل لنحو 7 مليارات دولار خلال خمس سنوات ، وتوفير 250 ألف فرصة عمل جديدة .. هذا ما جاء بالدراسة التي أعدتها وزارة التجارة سنة 2004 ، ولكن الذي لم يذكره معدو الدراسة أن الفائدة المباشرة والحقيقية ستعود على مجموعة محدودة من رجال الأعمال ، لا يبالون إن شاركوا إسرائيل عدو الأمة أو غيرها ، المهم الربح ، وفقط الربح ! لم تذكر الدراسة أن تلك المليارات المزعومة الملوثة بدماء الشعب الفلسطيني ستدخل جيوب نفر من رجال الأعمال ، وعلى رأسهم جلال الزوربا ، الذي أصبح أحد أكبر سبعة مصدرين إلى السوق الأمريكية بعد الكويز، وأن العاملين في شركات هذا الأخير سيشكون مر الشكوى من الأجر الضئيل الذي يتقاضونه في ظل الكويز . لم تذكر الدراسة أن إسرائيل ستقوم بعدوان وحشي على جنوب لبنان 2006 ، وعلى قطاع غزة في بدايات 2009 ، وأن مصانع الكيماويات في حيفا ، التي استقبلت صواريخ المقاومة اللبنانية ، ستستقبل في الوقت ذاته طلبات استيراد خامات كيماوية من مصانع الزوربا ، وأن الزوربا وأمثاله سيشاركون في دعم الاقتصاد الإسرائيلي أثناء تلك الاعتداءات! والأخطر أن الدراسة لم تذكر أن الكويز ، التي قاد الزوربا مفاوضاتها ، هي خطوة كبرى في الاختراق الصهيوني للمجتمع المصري ، عن طريق ربط لقمة عيش عشرات الآلاف من العمال المصريين في 400 شركة نسيج مصرية بالعدو الصهيوني ، وربط رأس المال المصري برأس المال الإسرائيلي ، تمهيدا لخطوات أخرى في الغزو الصهيوني وأهدافه التوسعية ، وقد عبر إيهود أولمرت عن هذه الحقيقة في مفاوضات تصدير الغاز للكيان الصهيوني ، حين قال إن توقيع الكويز هو أهم حدث بعد معاهدة كامب ديفيد. لقد فعلها الزوربا من أحل مصلحته الشخصية ، وعلى حساب مصالح وطنه ومواطنيه ، واستطاع عن طريق الكويز أن يحتكر ما لا يقل عن 70% من صادرات القطاع الخاص من المنسوجات والملابس الجاهزة ، وأن يجني المليارات من ذلك ، وأن يوطد علاقته بأصدقائه في واشنطن وتل أبيب ، وها هو اليوم يسعى لإكمال مهمته بتوسيع نطاق الكويز ، وزيادة التغلغل الصهيوني في الاقتصاد المصري ، تنفيذا لوعده لأولمرت بحماية السلام بين مصر وإسرائيل ، وتبقى مسئولية من سمحوا لمثل هذا الرجل وغيره أن يكونوا حصان طروادة للصهاينة في اختراق مصر وتهديد مستقبلها ! كيف صنع الزوربا امبراطوريته؟ ولد جلال الزوربا في كفر الدوار في أكتوبر 1943 ، وبعد حصوله على بكالوريوس التجارة من جامعة الإسكندرية 1965 ، بدأ حياته المهنية موظفا في الشركة الشرقية للأقطان في الإسكندرية ، وبعد 3 سنوات لم يستطع أن يحقق خلالها شيئا يذكر من طموحاته ، سافر إلى ليبيا ليتولى منصب المدير المالي لشركة "ليبيا للتأمين " بطرابلس ، وخلال 3 سنوات قضاها في منصبه هذا استطاع أن يجمع ثروة صغيرة مكنته من السفر للولايات المتحدةالأمريكية والعمل في الشركة الأهلية الأمريكية للتأمين ، وقبل عودته لمصر سنة 1989 كان رئيسا لشركة التجارة العالمية في لوس أنجلوس ، وهي شركة يمتد نشاطها التجاري ما بين الولاياتالمتحدة وآسيا ، وفي الولاياتالمتحدة استطاع الزوربا أن يحقق جزءا من طموحاته ، فارتبط بشبكة علاقات قوية هناك ، وتعرف على جمال مبارك في الشهور الأولى من عمله في بنك "أوف أمريكا " وحين عاد الزوربا لمصر ، وعاد جمال مبارك ، كان الطريق مفتوحا أمام الزوربا للنمو والتضخم بمساندة مبارك الابن ، فأصبح رئيسا للجانب المصري في مجلس الأعمال المصري الأمريكي ، خلفا لجمال مبارك ، ورئيسا لجمعية المصدرين ، ورئيسا لاتحاد الصناعات ، وعضوا في مجلس إدارة المنتدي الاقتصادي الدولي المصري ، وجمعية جيل المستقبل التي يرأسها الصديق جمال ، وعضوا في مجلس العلاقات الخارجية بالولاياتالمتحدة ، وعضوا في لجنة السياسات ، وعن طريق الأخيرة استطاع الزوربا أن يحصل على قروض من البنوك المصرية تقدر ب 3 مليارات جنيه لم يقم بتسديدها لليوم .. وما خفي كان أعظم ..