الموت هو البطل الرئيسي لرواية "أداجيو" لابراهيم عبد المجيد. إلا أنها تبشر بالحياة وسحرها. تشبث مذهل بالحياة يجعل أرواحنا تحمي روح "ريم" وتمنعها من مغادرة الجسد الميت . لنظل نحيا فيها. موت ريم موت لمعني إنساني راق. تطلعت الإنسانية إليه علي مدار تاريخها . حب "سامر" ل "ريم" ليس مجرد حب رجل لزوجته. بل أسطورة عشق تضاف إلي سجل قصص العشق الخالدة في التراث الإنساني والفني. ليس في هذه الرواية حدث ضخم أو صراع سياسي أو فكري. لا تعود بنا لأحداث التاريخ نستلهم منها ونؤولها لنسقطها علي واقع معاصر . لا تجعلنا الرواية نلهث وراء كشف سر أو الإجابة علي أسئلة حائرة . من اللحظة الأولي نعرف السارد والقارئ - أن ريم في طريقها للموت . وأن الرواية ستنتهي بموتها. ريم . تلك الفنانة عازفة الأوبرا العالمية الشهيرة . مرهفة الحس التي يتعلق العالم بموسيقاها المبهجة الشجية. في مرحلة أخيرة من سرطان قاتل . فشلت معه كل المحاولات ولم يبق إلا لحظة الموت النهائي. بعد أن مات الجسد تقريبا .ولم يبق إلا مغادرة الروح . يقرر سامر زوجها أن يأخذها بعيدا ليستأثر بموتها وحده . فيذهب بها إلي فيلته الخاصة بالعجمي. في عز الشتاء حيث الخلاء الكامل والعزلة التامة إلا من روح ريم. في روايته "أداجيو" ارتفع ابراهيم عبد المجيد فوق الحياة بصخبها ليمارس الجميع إنسانيتهم . سامر. الزوج رجل أعمال ناجح حقق ثروة طائلة . متمثلة في المصانع والشاليهات التي أشار إليها طوال الرواية بشكل عرضي. ولاشك أن ذلك لم يهبط عليه من السماء أوقدمته له الحياة منحة . بل واجه في سبيل ذلك صراعات ولاقي أهوالا . كسب وخسر . وقد يكون خان أو سرق أو نصب . لابد أنه واجه حروبا شرسة مع منافسين في عالم المال الذي لايرحم . ومع ذلك لاتقدم لنا الرواية سوي وجهه الإنساني. لانعلم شيئا عن ماضيه وكأنه ولد هكذا محبا عاشقا . فلا نري إلا المحب العاشق الذي يثق أن زوجته في أيامها الأخيرة فيتخلي عن الدنيا بما فيها ويتفرغ لرعايتها بنفسه . يخرجها من المستشفي لينفرد بها. يرعاها ويتابع أنفاسها ويراقبها ليملأ بها روحه. سامر . رجل الأعمال بكل ما يملكه وماتمكنه قدراته المالية من فعل من أجل زوجته المريضة التي يعبدها. يرفض إلا أن يعيش معها أيامها الأخيرة بمفرده . يرعاها ويقدم لها مالا يفعله رجل لامرأة "أزال البامبرز عنها فوجد فيه غائطا سائلا قليلا . جلس أمامها يمسح عنها بالقطن الذي بلله بالماء ما علق بين فخذيها. أخذ القطن المستخدم والبامبرز الذي نزعه عنها ونزل ليلقيه في سلة المهملات". وفي مشهد آخر سيخلع وصلة كيس المحلول من الكانيولا التي في يدها حتي يتم خلع ملابسها . لقد تعود . سيطفئء التكييف ويترك الغرفة في برودتها العادية . أحضر الماء والثلج في طبق صغير من البلاستيك. أحضر فوطة صغيرة غمسها في الماء البارد ووضعها علي جبهتها وجلس أمامها ينظر إليها . لحظات وعاد يغمس الفوطة في الماء البارد. فعل ذلك لنصف ساعة ثم وضع الترمومتر من جديد تحت إبطها. لاتزال الحرارة عند الثامنة والثلاثين . لاحظ أنه حين يضع الفوطة الباردة علي جبهتها يرتفع نفسها ويسمع صوته للحظات ثم يعود للاختفاء. إذن فليخلع عنها ملابسها. كل من جاء ذكرهم في الرواية جاءوا ليؤكدوا أن الحياة تستحق أن تعاش. "غادة" صديقة ريم وزميلتها في الأوبرا التي تطارد سامر وتشتهيه وهو يعلم ذلك حتي قبل أن تمرض ريم. عندما تأتيها الفرصة لتنفرد به في وجود ريم شبه الميتة التي لاتشعر بهما . عندما يسقطان في الخطيئة فأنهما لم يتخليا عن حب ريم . في ذروة النشوة لم تكره ريم . ولم يشعر سامر بانزياح عبء ريم عن قلبه . فهو يحبها. فقط كانا يمارسان إنسانيتهما ويشبعان غريزتيهما دون أن يفارقهما حب ريم . فهي لم تدع لحظة واحدة رغبة في إقصاء ريم لتحل محلها في قلب سامر ولم يتصور لحظة واحدة أن سقوطه مع غادة تسليم بوفاة ريم. تقف في معظم صفحات "أداجيو" ممسوسا بالعشق . كل صفحة لوحة إنسانية فنية رائعة . تتوقف أمامها متأملا .لايطاوعك قلبك علي المرور من أمامها ومغادرتها لصفحة أخري. رغم علمك أن القادمة قد تكون أكثر إمتاعا وامتلاء بالروح التي تحوم حولك دائما . فتقول لنفسك قف كما تشاء وخذ من جمال الروح ماتقدر. بموت ريم الإنسان القيمة في نهاية الرواية تنهارمحاولات سامر في ترميم وسد شقوق الجدران ونشع المياه الجوفية في الفيللا. فيترك كل شئ عائدا إلي حيث يدفن ريم في القاهرة . فنسمع صوت سقوط الجدران في انفجار مدو ويصر علي بيع كل مايملك وأن يغادر وطنه وحيدا إلا من ابنته التي تمثل امتدادا لريم بمعناها. لقد أحسن ابراهيم عبد المجيد في توصيف شخصية سامر فلم يجعل منه فنانا مثل زوجته . لم يقدمه لنا شاعرا مرهف الحس تأسره مشاعره تجاه زوجته. بل قدمه رجل أعمال بما ترسخ لدينا من صورة ذهنية حول طبيعة هذه النشاط الإنساني بجفافه وصلابته فكان الاختيار مدهشا لغرابته. فلو جاء سامر محل ريم وكانت المرأة الفنانة الرومانسية الحالمة هي التي تفانت بهذا الشكل ما أدهشتنا حالة الحب الرائعة. ويبقي سؤال قد يطرحه الكثيرون هل نحن بحاجة بعد كل ما وصل إليه فن السرد لمثل هذه النوعية من الكتابة التي تبدو أقرب إلي الكلاسيكيات الكبري التي توارثناها وتربينا عليها ويترفع عن كتابتها الكثيرون؟ أقول بوضوح . نعم . لقد أحببت هذه الرواية . وأزعم أنني قرأت معظم الإنتاج الروائي المعاصر. خاصة تلك الأعمال التي حصلت علي جوائز كبري وتتناول أحداثا سياسية وتاريخية فارقة أو تجنح لطرح رؤي وتصورات فلسفية وأيديولوجية. ولم أستطع إكمال الكثير منها لغياب الصدق الفني عنها . في حين استمتعت ب "أداجيو" حتي السطر الأخير.