فازت فرنسا برئيس معتدل وسطي شاب -39 عاما- يقال إنه أصغر رئيس في تاريخها بعد نابليون بونابرت الذي حكم فرنسا بعد الثورة وعمره 40 عاما.. فقد تفوق إيمانويل ماكرون علي منافسته اليمينية المتطرفة مارين لوبان.. وبفوزه فازت أوروبا أيضا بصوت عاقل يؤيد الوحدة ويعارض التيار الشعبوي الذي نجح في أمريكا وبريطانيا وكان متصورا أن يجتاح أوروبا ويشجع الانفصال عن الاتحاد الأوروبي ويفكك تكتل اليورو. وبفوز ماكرون أيضا فازت الإنسانية بسياسي متفتح يتحدث عن الضمير والأخلاق واحترام إرادة الشعوب وحقها في الحرية والسلام.. ويتعهد بأن يكون أول إجراء له تقديم مشروع قانون حول "أخلاقيات الحياة السياسية" حيث قال: "أريد أن أعيد الأخلاق إلي حياتنا العامة".. وفي خطاب النصر اعترف بأن فوزه لا يعني تفويضاً مفتوحاً ولا شيكا علي بياض.. مؤكدا انه يسعي لإنهاء حالة الانقسام التي تعرض لها الفرنسيون خلال الانتخابات.. كما أكد احترامه للناخبين الذين صوتوا للأحزاب المتطرفة. ولا تنسي أن الرجل عندما سئل في بداية حملته الانتخابية عن الاستعمار الفرنسي للجزائر قال بشجاعة نادرة إنه "جريمة ضد الإنسانية.. ويجب علي فرنسا أن تقدم اعتذاراً للذين عانوا من الاستعمار وللذين تعرضوا لأعمال وحشية أثناء هذه الحقبة.. فقد حدثت جرائم وعمليات تعذيب وحشية لأن الاستعمار في نهاية المطاف فعل سيطرة علي الآخر وعلي إرادته وعدم الاعتراف بحقه في تقرير مصيره". وبالطبع تعرض ماكرون لحملة انتقادات لاذعة وسخرية من سياسيين فرنسيين بسبب هذه التصريحات.. ووجدها منافسوه فرصة لاتهامه بالضعف.. ووصفوه بأنه "مرشح الندم".. لكنه لم يستسلم ولم يتراجع رغم انه لم يستند إلي حزب يدعمه.. فقد رفض من البداية أن ينضم لأحد الحزبيين الرئيسيين المتنافسين دائما: الحزب الجمهوري "اليمني" والحزب الاشتراكي "اليسا ري". وتستطيع إلي جانب ذلك أن تضع ماكرون في قائمة الذين تحرروا مبكرا من مرض الإسلاموفوبيا.. وتضعه مع جاستن ترودو رئيس وزراء كندا الشاب -40 عاما- الذي مازال يقدم نموذجا رائعا للسياسي صاحب الضمير الإنساني اليقظ الذي يمقت التمييز وكراهية الآخر ويقف إلي جانب المهاجرين والضعفاء والثكالي.. ويشارك المسلمين في بلاده مناسباتهم الدينية ويرفض أي إساءة للإسلام. وبمناسبة فوز ماكرون غير الشعبوي أصدر المسجد الكبير في باريس بيانا قال فيه إن انتخابه رئيسا لفرنسا علامة علي المصالحة بين الأديان في البلاد وعلامة واضحة علي الأمل للمسلمين الفرنسيين بأن بوسعهم العيش في وفاق واحترام للقيم الفرنسية. وقد وصفته الصحف العربية خلال الأيام الماضية بأنه "خيار الأمل" و"وجه فرنسا الجديد" و"قاهر طبول الشعبوية اليمينية" و"الحل الأسهل" و"مصدر ارتياح كبير لفرنسا" و"رجل التحولات". بقي أن تعرف أن ماكرون بدأ العمل العام في 2012 فقط كسكرتير عام لقصر الإليزيه.. ثم عين وزيرا للاقتصاد في 2014 ما يعني أنه حقق صعودا سريعا في بضع سنوات وأن النجاح السياسي لا يقاس بعدد السنين وإنما بقدر ما يحمل الشخص من أفكار ومبادرات ملهمة تقنع الناس وتجمعهم حوله. وقد اعتمد في برنامجه الانتخابي علي تأكيد التزامه بحلف شمال الاطلسي "الناتو" والتشدد تجاه روسيا وتخفيض الضرائب والحد من البطالة بين الشباب وإعفاء 80% من الأسر محدودة الدخل والمتوسطة من ضريبة السكن باعتبارها غير عادلة.. وهو إجراء سيكلف الدولة 10 مليارات يورو خلال فترة رئاسته الأولي.. كما ينوي توفير 25 مليار يورو لانفاقها في المجالات الاجتماعية للقطاعات الحكومية و15 مليار يورو للتأمين الصحي و10 مليارات للتأمين ضد البطالة. مرحبا بك يامكرون في كوكب العقلاء غير الشعبويين.