عبدالغفار شكر صاحب تاريخ ورصيد كبير من العمل السياسي والحقوقي.. نذر حياته للتثقيف والتنوير والدفاع عن حقوق المواطنين.. عمل أميناً للتثقيف في التنظيم الشبابي وعضواً بالمكتب السياسي لحزب التجمع ونائباً لرئيس مركز البحوث العربية والأفريقية.. أسس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي وحالياً نائب رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان. في هذا الحوار يفجر عبدالغفار شكر العديد من القضايا ويفتح ملفات ساخنة. البداية تمثلت في مفاجأة بادرني بها عبدالغفار شكر عندما قمت بالاتصال به لإجراء حوار صحفي حول العديد من القضايا علي الساحة. وفي مقدمتها إعلان حالة الطوارئ ومكافحة الارهاب وغيرها. حينما قال لي: مفتاح حل العديد من المشكلات في مصر هو حل مجلس النواب الحالي وإجراء انتخابات جديدة بنظام جديد. * سألت: لماذا وكيف؟! ** هذا البرلمان تفرغ للأسف لإصدار مجموعة من التشريعات والقوانين التي تحدث انقسامات في المجتمع وتعبئ الرأي العام ضد النظام. خذ مثالاً تلك التعديلات العبثية لقانون السلطة القضائية.. فبعد انتفاضة الشعب المصري في ثورتين شعبيتين في 25 يناير 2011 و30 يونيو 2013 قدم خلالهما الشعب مئات الشهداء وآلاف المصابين سواء في سعيه للتخلص من نظام مبارك السلطوي أو في مواجهته للإرهاب في سيناء وفي داخل الوادي تصدي خلالها للعديد من الاغتيالات ونسف المنشآت العامة والخاصة وذلك كله حتي يتحقق للمجتمع المصري ما يستحقه من تطوير ديمقراطي. بعد هذا كله نفاجأ بموافقة مجلس النواب علي مشروع قانون يتضمن تعديل قانون السلطة القضائية لتعديل احدي مواده الخاصة باختيار رؤساء الهيئات القضائية. فبعد أن كان رئيس محكمة النقض ورئيس مجلس الدولة ورئيس هيئة قضايا الدولة ورئيس النيابة الإدارية يتم اختيارهم من الجمعيات العمومية لهذه الهيئات من بين أقدم أعضائها الذين يعينهم رئيس الجمهورية بناء علي ترشيح الهيئات القضائية يتم تعديل ذلك بأن رئيس الجمهورية من حقه أن يختار واحداً من بين أقدم ثلاثة قضاة يتم التوافق عليهم من بين سبعة. وهكذا يعود بنا مجلس النواب إلي أوضاع سبق أن تخطيناها وتخطاها الشعب المصري بتضحياته وناضلت السلطة القضائية من أجلها لزيادة استقلالها الذي هو في الوقت نفسه أكبر ضمانة لتمتع الشعب بمزيد من العدالة. فاختيار كل سلطة لرئيسها من أقدم نوابها أصبح وضعاً مستقراً وحقق الانسجام داخل الهيئات القضائية. فإذا بأحد النواب بل والمجلس يوافق علي اقتراح عبثي يهدد كل ذلك ويعطي الحق لرئيس الجمهورية في اختيار رؤساء كل الهيئات القضائية لاسيما مجلس الدولة. فيكون بهذا القرار اختار رئيس المحكمة الإدارية العليا وهي التي تفصل في الدعاوي المقامة ضد الحكومة ومنها رئيس الجمهورية ذاته بل وتحكم في أخطر الدعاوي المتعلقة بالحقوق والحريات والاتفاقيات وعقود الخصخصة وبيع أراضي الدولة وخلافه. خذ مثالاً آخر.. مشروع قانون الجمعيات الأهلية الذي أعدته وزارة التضامن الاجتماعي وتم عرضه للحوار المجتمعي فترة طويلة وأقره مجلس الوزراء وأحاله لمجلس النواب لإصداره. فإذا بمجلس النواب يتبني مشروع آخر قدمه أحد النواب ولا نعرف حتي الآن الجهة التي تقف وراءه والذي لا يحقق أياً من مطالب المجتمع المدني ولا يلبي حاجة المجتمع إلي قانون يستجيب للاحتياجات المجتمعية وصدر القانون خلال ساعات وأرسله إلي رئاسة الجمهورية التي أعادته للمجلس مرة أخري ولا نعرف كيف سيتفادي مجلس النواب هذه الورطة. قانون العمل الذي يناقشه المجلس الآن يعطي الحق لأصحاب العمل بفصل العمال بدعوي أن أمامهم اللجوء للقضاء.. هل يعقل أن شخصاً أصبح بلا عمل أو أجر يمتلك مصاريف إقامة دعوي قد تستمر 5 أو 6 سنوات هل هذا منطق؟!.. هل يوجد قانون يسمح بالفصل التعسفي؟!.. هذا ما يناقشه المجلس!! هناك حالات أخري مشابهة تتفق كلها في أنها تلغي مكاسب اجتماعية ناضل الشعب من أجل تحقيقها. فتثير المشاكل والانقسام في المجتمع. من هنا وجد البعض وأنا معهم أننا لكي نخرج من هذه الحلقة لابد من حل مجلس النواب الحالي والدعوة لإجراء انتخابات جديدة بنظام القائمة النسبية لتمثيل كل التيارات والأحزاب والمستقلين حتي تفرز مجلساً يوازن كل الأمور ويختار ما يحقق للمجتمع الاستقرار. * ولكن إعلان الطوارئ يمنع حل مجلس النواب؟ ** فرنسا توجد بها حالة طوارئ ومع ذلك تجري انتخابات رئيس الجمهورية.. الطوارئ للإرهابين والديمقراطية للمواطن العادي. * ولكن هذا المجلس جاء بانتخابات؟! ** نعم ولكن جاء بنظام انتخابات ردئ.. هناك 120 دخلوا المجلس بنظام القائمة المطلقة والباقين بالنظام الفردي الذي يتطلب النجاح فيه انفاق الملايين التي لا يقدر عليها إلا رجال الأعمال وكبار الموظفين والمهنيين والأعيان وهؤلاء لن يشرعوا لصالح المجتمع والأغلبية والغلابة. * بمناسبة الطوارئ هل قانون الطوارئ والمجلس الأعلي لمكافحة الارهاب والتطرف كافيان لمواجهة هذه الظواهر. وهل أنت بصفتك نائباً لرئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان مع الطوارئ؟ ** أنا مع إعلان حالة الطوارئ لمواجهة الإرهاب الذي تتعرض له مصر في ظل التطور النوعي للإرهاب الذي يجب مواجهته بحسم ولكن مع صون حقوق الإنسان. وكما قلت الطوارئ للإرهابيين وحقوق الإنسان للمواطنين ولكن أؤكد أن إعلان الطوارئ وتشكيل المجلس الأعلي لمكافحة الإرهاب والتطرف والإجراءات التي اتخذناها لا تكفي لمواجهة ما تتعرض له مصر من إرهاب وظاهرة التطرف والتعصب الديني التي انتشرت في السنوات الماضية بشكل يدعو للقلق لما ترتب عليها من ظواهر سلبية بما في ذلك هذه الأحداث الإرهابية.. ما نواجهه له أبعاد اقتصادية واجتماعية وثقافية فهناك بيئة مواتية للتنظيمات الإرهابية لتجنيد الشباب من الأحياء العشوائية والفئات المهمشة ومن الذين لا يجدون المستوي الاجتماعي اللائق حيث تتزايد في مصر في ال40 سنة الأخيرة الأحياء العشوائية التي تستوعب الملايين الذين لا يجدون المسكن الآدمي ولا العمل المنتظم ولا الدخل الثابت فضلا عن انتشار الأمية والجهل علاوة علي البطالة التي لا تجد حلولا فعالة ناهيك عن حرمان الصعيد من الخدمات سنوات طويلة.. كل هذه العوامل تلعب دورا في تهيئة بيئة ينشط في ظلها المتطرفون وتتصاعد أعمال العنف والارهاب. * ولكن هناك أطرافاً خارجية تمول الإرهاب؟! ** نعم ولكن إذا كانت هناك أطراف خارجية تمول الإرهاب وتقدم الدعم اللوجستي والخبرة والأفراد فإن ذلك لا ينفي أن الأوضاع الداخلية التي أشرنا إليها هي الأساس فيما نواجهه من إرهاب وأن العوامل الخارجية هي عوامل مساعدة. * إذا كان الأمن وحده لا يكفي.. ما هو المطلوب؟ ** المطلوب قيام المجتمع المدني بدور أساسي في مكافحة الإرهاب والتعصب والتطرف وذلك من خلال أنشطة اقتصادية واجتماعية وثقافية ودينية ترفع مستوي معيشة المواطنين وتشيع الاستنارة في المجتمع وتنشر قيم التسامح والاعتراف بالآخر والمشاركة وبدلا من أن يصبح المواطن كارها لنفسة ومعيشته يتحول إلي محباً لنفسه والآخرين وتضافر الجهود في النهوض بمستوي المناطق العشوائية والمحرومة والفئات المهمشة ستساهم بشكل حقيقي في تحسين المواطنين ضد التطرف والإرهاب. * وماذا تقصد بالمجتمع المدني ومن أين التمويل؟ ** المقصود بالمجتمع المدني مجموعة التنظيمات التطوعية الحرة التي ينشئها المواطنون لتحقيق مصالح أفرادها أو تقدم خدمات للمواطنين أو لممارسة أنشطة متنوعة مثل الجمعيات الأهلية والنوادي الرياضية والاجتماعية ومراكز الشباب والاتحادات الطلابية وجمعيات رجال الأعمال والنقابات المهنية والعمالية ولو قامت هذه والجمعيات والهيئات بدور فعال في مواجهة الإرهاب والتطرف لحققنا المطلوب.. هل تتخيل أن لدينا 45 ألف جمعية أهلية وآلاف من مراكز الشباب والنقابات وخلافه لو تضافرت الجهود وخلصت النوايا لحققنا المطلوب وخلقنا بيئة عصية علي اختراقها من المنظمات الإرهابية. أما عن التمويل فعلي رجال الأعمال أن يقوموا بمسئوليتهم الاجتماعية وتقديم العون المادي الكفيل بزيادة فعالية الجمعيات ومراكز الشباب وخلافه.. وبدلا من التنديد بالتمويل الأجنبي لمنظمات المجتمع المدني فإن رجال الأعمال مسئولون عن توفير التمويل البديل مثلما يحدث في العالم المتقدم بما يكفل تحصين المجتمع وهذا أفضل حماية لأموالهم ومصالحهم واستقرار المجتمع. * هل يوجد ردود للحكومة؟! ** لا كل ما ذكرته لا يعفي الأجهزة الحكومية من القيام بدورها بل وعليها المساعدة بالامكانات والتشريعات والقوانين التي تكفل الحرية لممارسة النشاط بدون بيروقراطية ولا عقبات أمنية. * وأين دور الأحزاب؟! ** لدينا أكثر من مائة حزب.. أقولها بكل أمانة أحزابنا في خبر كان بل والتعددية الحزبية في خبر كان.. من بين المائة حزب لا يوجد علي الساحة سوي حزب أو اثنين يمولهما رجال أعمال أما الأحزاب الأخري فهي بلا امكانات ولا تمويل.. أضف إلي هذا أنه لا توجد بيئة مناسبة لنمو الأحزاب ونظام القائمة المطلقة قضي عليها.. هل تعلم أنه في ظل القائمة النسبية نجح لنا 9 نواب ضمن قائمة الثورة مستمرة في برلمان 2012 دون إنفاق ملايين أو تربيطات وخلافه.. غيروا النظام الانتخابي إلي القائمة النسبية وافتحوا الأبواب ولا تضغطوا علي الشباب ولا تتعقبوهم.. دعوا الأحزاب تنزل للقري والنجوع وتعقد المؤتمرات.