التسامح والوسطية والاعتدال من قيم الإسلام الخالدة وسوف تظل هذه المبادئ ضارة لسائر البشر في كل زمان ومكان لاسيما أن تلك القواعد الراسخة تقدر سائر الأديان الأخري. يقول الله في القرآن الكريم "شرع لكم من الدين ما وصي به نوحاً والذي أوحينا إليك وما وصينا به ابراهيم وموسي وعيسي أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر علي المشركين ما تدعوهم إليه الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب" "13 الشوري" ولا شك ان ما جاء بهذه الآية الكريمة يرسخ قاعدة أساسية ان الأديان كلها جاءت لهداية البشرية جمعاء وحذرت من التفرقة والاختلاف الذي يؤدي إلي تمزق أواصر المحبة والمودة بين سائر البشر ومع شديد الأسف هذا التشرذم والاختلاف انتشر بصورة سيئة في الفترة الأخيرة خاصة بين أتباع الدين الواحد ولم يتفهم دعاة هذا الاتجاه ان الاختلاف والتنوع هي من سمات الوجود في هذه الحياة "ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين. إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين" "119 هود" وهذا الاختلاف ليس معناه القطيعة بين البشر وإنما لابد من التسامح والتواصل بين الناس حتي تستمر الحياة بين الجميع بلا تنافر أو شقاق ولا مكان للمتطرفين ودعاة التفرقة والإسلام يحرص علي ارساء هذه المعالم ويحترم سائر الأديان الأخري ويحترم آدمية البشر ومعتقداتهم حتي المشركين شملتهم سماحة الإسلام وقيمه السامية. يقول الحق تبارك وتعالي "وان أحد من المشركين استجارك فأجره حتي يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ذلك بأنهم قوم لا يعلمون" "6 التوبة" لكن رأينا أتباع الدين الواحد يختلفون فيما بينهم ولم تسلم أي ديانة من دعاة الاختلاف والتطرف. ففي الإسلام كان هناك دعاة للعنف والتطرف وتكفير الناس وهذه القلة زينت للناس ان هذا الدين أداة التدمير وصارت ظاهرة الاسلاموفوبيا وأصبح العالم يتخوف من اتباع هذا الدين خوفا من أعمالهم الارهابية وكذلك كان هناك تطرف من أتباع الدين المسيحي واليهودي لكن ظاهرة التطرف الإسلامي كانت مثار التخوف في الغرب وبلدان أوروبا رغم ان الدين الحنيف يسمو بمبادئه الخالدة في احترام سائر البشر ويبتعد بأتباعه عن التطرف بكل أشكاله فالإسلام قد وحد بين القبائل المتناحرة منذ فجر الدعوة المحمدية وكانت سماحة الرسول الكريم سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم تشمل الجميع بظلالها الإنسانية ولعلنا لا ننسي مجتمع الطهر والعفاف الذي أقامه الرسول صلي الله عليه وسلم بالمدينةالمنورة وكان العدل والمساواة بين المسلمين وغيرهم من أتباع اليهودية وكان هؤلاء جميعا يتمتعون بسائر الحقوق والواجبات وأصبح الاطمئنان والسلام يسود مختلف المناطق في رحاب الدين الحنيف بعد ان كان القتال لا يتوقف بين قبائل المدينةالمنورة ولعله لا يغيب عن الخاطر معارك قبيلتي الأوس والخزرج مما يؤكد ان العيش المشترك في اطار مبدأ المواطنة من الثوابت الأساسية في كيان أي أمة أو مجتمع ولا مكان للصراع والشقاق والاختلافات التي تشوه الحياة الكريمة لكل أبناء المجتمع وفي ظلال سماحة الإسلام ومبادئه كان مجتمع المدينةالمنورة نموذجاً لأي أمة تسعي للمضي في الحياة وتشييد البناء والتعمير بعيداً عن صراعات التدمير والتخريب. وفي سياق هذه القيم الخالدة وإلقاء الضوء علي حياة المسلمين الأوائل والتزامهم بالهدي النبوي جاء مؤتمر حكماء المسلمين الدولي الذي نظمه الأزهر الشريف ليوضح للعالم ان سماحة الدين الحنيف ووسطيته واعتداله والالتزام بها هي أفضل الوسائل لمواجهة تحديات التطرف والارهاب الذي تعافي منه كثير من المجتمعات في هذه الأيام وقد أوضح الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر ان مواجهة التطرف والعنف تتطلب تنقية ما بين أتباع الديانات لأن فاقد الشيء لا يعطيه مشيراً إلي أهمية نشر ثقافة التسامح والعيش المشترك وحب الخير وتشجيع الحوار بين اتباع الديانات بصورة حضارية لأن الأديان السماوية تؤكد جميعها علي قيم السماحة والاعتدال لأنها جميعاً قد جاءت من عند الله. كما أكد قداسة البابا تواضروس بابا الاسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية علي ضرورة احترام التعددية الدينية والالتزام بالتسامح والعيش المشترك. كما أشار خلال مشاركته في هذا المؤتمر الدولي إلي أهمية نشر قيم الأديان التي تدعو للسماحة والاعتدال كما شهد المؤتمر ممثلو أكثر من خمسين دولة عربية وإسلامية وأوروبية وآسيوية بالإضافة إلي ممثلي الكنائس العالمية ونتطلع إلي ضرورة وضع توصيات المؤتمر موضع التنفيذ لتكون أبلغ رد علي دعاة التطرف والعنف.