مسيرة سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم زاخرة بكرم الأخلاق وقيم التعامل ولا غرو فهو الذي أرسله ربه رحمة للعالمين. منذ صغره صلي الله عليه وسلم كان يتمتع بصفات تميز بها عن سائر الناس لدرجة أن أهل أم القري أطلقوا عليه لقب "الصادق الأمين" وظلوا يتمسكون بهذا اللقب حتي بعد أن بعثه الله رسولا ورفضهم الاعتراف بذلك لدرجة أنهم كانوا لا يستأمنون غيره للحفاظ علي ودائعهم وأماناتهم من الأوراق وغيرها ورغم هذا العداء والإيذاء الذي تعرض له رسول الله صلي الله عليه وسلم من هؤلاء المشركين إلا أنه ترك ابن عمه علي بن أبي طالب قبل خروجه من بيته مهاجراً للمدينة المنورة وأوصاه برد تلك الأمانات لأصحابها الذين اختاروه لحفظ أماناتهم. قيم ومبادئ التزم سيد الخلق صلي الله عليه وسلم في سلوكياته وغرسها في قلوب أصحابه وكل أتباعه وسوف تظل علي مدي التاريخ شاهدة علي مبادئ الدين الحنيف الذي جاء به صلي الله عليه وسلم لا قهر ولا تعصب وسعة الصدر وحُسن الخلق هي القاعدة الأساسية في التعامل مع سائر البشر والالتزام بابلاغ الناس تعليمات رب العالمين هي مهمة الرسول واخوانه من الرسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين وقد جاءت آيات القرآن الكريم تؤكد هذه الحقائق يقول الله سبحانه وتعالي "وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر". تعليمات واضحة وصريحة لذوي العقول والبصيرة فالمواهب التي خص بها بني البشر تجعله يتأمل آيات الله في الكون وفي نفسه فيدرك أن الاحساس للناس والدعوة الي سبيل الله تتمثل في قول الله تعالي "ادع إلي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين" وهذه القيم الخالدة تدحض أساليب القهر والعنف والتكفير التي ينتهجها دعاة الفتنة والتطرف من الجماعات الارهابية التي ترتكب أعمال القتل والتدمير والتخريب نسأل الله الهداية لهؤلاء وليتهم يلتزمون بمبادئ الدين الحنيف. ومما يضفي علي المجتمعات البشرية البهاء والسماحة وحىسن الخلق ما تتناقله كتب السيرة المحمدية حول طريق الهدي النبوي والصفاء والشفافية فيها الكثير من جلائل الأعمال والصفات والسلوكيات من بينها أن سيدنا محمداً صلي الله عليه وسلم كان حسن التعامل مع أهله وجيرانه ومن بينهم جار يهودي كان من أشد الأعداء لرسول الله صلي الله عليه وسلم وتشاركه زوجته هذا العداء الشديد ورغم ذلك فقد كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يعاملهما بكريم أخلاقه وحُسن تعاملاته تغاضي عن كل الإساءات والبذاءات والسفاهة التي تجاوز بها كل الخطوط في التعامل مع سيد الخلق صلي الله عليه وسلم وفي أحد الأيام مرض ابن لهذا الرجل وزوجته وعندما وصل خبر المرض لرسول الله صلي الله عليه وسلم توجه إلي منزل هذا الجار غير المسلم وبمجرد وصول الرسول للمنزل وعندما شاهده الجار وزوجته ظهر الغيظ والغضب علي وجهيهما وكان التساؤل الذي يتردد علي لسانهما ما الذي جاء بهذا الرجل عندنا رغم عدائنا له ولرسالته؟ لكن الرسول لم يعبأ بنظرات الغل والحقد وبكريم خُلقه توجه الرسول نحو هذا الابن المريض وبمجرد الوصول إليه استقبله الابن بكل اهتمام بينما أخذ الرسول يسأله ويستفسر عن أحواله خاصة هذا المرض الذي ألم به وكان بين ثنايا الحديث الذي دار بين الرسول والابن المريض أن الرسول صلي الله عليه وسلم طلب منه النطق بالشهادتين لكن الابن اتجه بنظره نحو والديه اللذين كانا يتابعان حديث الرسول معه وبمجرد أن تلاقت الأنظار قال الوالدان للابن : اطع أبا القاسم. تلك هي مكارم أخلاق الرسول وهي دفعت الأبوين رغم عدائهما للرسول أن يبلغا الابن بموافقتهما علي الاستجابة لدعوة أبي القاسم. تلك هي سماحة الإسلام وقيمه الخالدة التي سوف تظل قدوة ونموذجاً لكل من يتصدي لدعوة الحق ونشر المبادئ القوية للدين الحنيف ويتعين علي كل من يتصدي لمهمة الدعوة للدين الحنيف. أن يلتزم بتلك المعالم الخالدة التي أرسي معالمها رسول الله صلي الله عليه وسلم منذ أكثر من أربعة عشر قرناً من الزمان. وليت دعاة التكفير وممارسة العنف يلتفتون إلي هذه السماحة وتلك الأخلاق الكريمة وليت أعمالهم الارهابية تتوقف عن قهر الناس وتكفيرهم والله يهدي من يشاء إلي صراط مستقيم.