منذ فجر الدعوة المحمدية تجلت عظمة الدين الحنيف في تطبيق التسامح والمساواة والديمقراطية وفي ظلال الرسالة المحمدية سعدت البشرية بتلك المبادئ التي عاش الناس تحت لوائها لأن سيدنا محمداً صلي الله عليه وسلم غرس الحب في قلوب أتباعه وكل من تعامل معه فنمت المودة وأشرقت جوانب العظمة في كل شئون الحياة. فقد أتاح الرسول الفرصة لأصحابه في ابداء الرأي والتفكير بكل حرية في إطار من ضبط النفس واحترام الآخر وظل الرسول الكريم ينمي هذه القيم في القلوب فجاءت الثمار عظيمة. فالمجتمع مترابط وقائم علي أسمي معاني الديمقراطية ومبادئ الحرية الانسانية الكاملة وقد كان سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم يعلمهم أبعاد مزاولة الحرية الفكرية قولاً وعملاً بالتطبيق علي أرض الواقع. في رحاب هذه المبادئ السامية قامت الدولة الإسلامية وأشرقت علي الدنيا أنوار الحق والعدل فقد كانت السماحة والتقوي والعدل والزهد هي الاساس في كل التعاملات مع الآخرين. وقد كان الرسول صلي الله عليه وسلم أول من يطبق هذه المبادئ في سلوكه وتعامله مع سائر البشر حتي مع من يخالفونه ويناصبونه العداء. لم يتخل وسط هذه الضغوط التي كان يتعرض لها عن نبل أخلاقه وسماحته وكانت جوانب العظمة في حياته نماذج للأمة الإسلامية في كل مسيرتها عبر العصور المتعاقبة. لا قهر.. ولا تطرف.. أسمي المعاني الإنسانية في التعامل. ومما يدعو إلي التأمل خاصة هذه الأيام أن الرسول كان لايضيق بالرأي الآخر ينأي بنفسه عن السباب والشتائم. عف اللسان في أشد الظروف قسوة وكانت دعوته المفضلة "اللهم أهد قومي فإنهم لا يعلمون".. لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم". وحين تستعرض نماذج من الجوانب المشرقة في حياة الرسول العظيم نجد الكثير من الوقائع التي تؤكد تلك الحقائق وتضع أمام البشرية القيم التي يجب أن تكون في مقدمة القواعد الاساسية في التعامل . إنها مبادئ الطهر والبناء والتعمير ونشر النهضة والحضارة بالعمل والجهد الخلاق وإطلاق ملكات الإبداع والتفكير بلا أي قيود. وقد كان الرسول في صدارة من طبق تلك القيم علي أرض الواقع وإذا تتبعنا مسيرة رسول الله صلي الله عليه وسلم فسوف نجد الكثير من هذه النماذج التي تضيء الطريق لكل ذي عقل رشيد. من هذه الجوانب المشرقة والتي تتجلي فيها عظمة هذا النبي الأمي صلي الله عليه وسلم .. فقد روي الطبراني أن رسول الله صلي الله عليه وسلم كانت له جارية من بني قريظة اسمها ريحانة اصطفاها لنفسه من نسائهم. فكانت عند رسول الله حتي توفي عنها وهي في ملكه. وكان الرسول صلي الله عليه وسلم قد عرض عليها أن يتزوجها. فقالت يارسول الله بل تتركني في ملكك فهو أخف علي وعليك. وكانت حين سباها قد امتنعت عن الإسلام وأبت إلا اليهودية فلم يكرهها حتي اسلمت من تلقاء نفسها.. هذه قيم الإسلام التي أشرق النور من كل جوانبها. يضع أمام أجيال القرن الواحد والعشرين أسمي المعاني الإنسانية. الأمثلة متعددة وحياة محمد بن عبدالله مليئة بما جري علي أرض الواقع ونقلته لنا كتب السيرة والتاريخ.. من تلك النماذج أنه كانت في المدينةالمنورة جارية تدعي " بربرة " لما اعتقها أهلها فارقت زوجها فقد كانت لا تحبه بينما كان زوجها يهيم بحبها. وعز عليه فراقها فأخذ يلاحقها في كل مكان يبكي ويدعو ليتشفع إليها الناس. فقال لها رسول الله: لو رجعت إليه. فقالت أوتأمرني يارسول الله؟ قال لها لا آمرك ولكن أشفع إليك. فقالت: إذن لا أريد الرجوع إليه.. فهل بعد ذلك من سماحة. إن بريرة قد فهمت تعاليم الدين الحنيف فقد كان الفرق واضحاً بين الأمر وحرية الرأي فقد سألت الرسول هل هو أمر؟ فأجابها بل شفاعة مدركة أن أمر الرسول لا يخالفه أمر مسلم وبذلك يتضح مدي سماحة الرسول لأنه لم يضغط علي السيدة وتركها تقرر مصير حياتها. جوانب العظمة تتجلي كذلك في حياة الصحابة وحرية الرأي كما تشرق في سماء الدنيا قيم التقوي والعدل والزهد لدي هؤلاء الرجال الذين أثروا المجتمع بتصرفاتهم في إطار من الاحترام.. فها هو الخليفة الأول بعد رسول الله صلي الله عليه وسلم قد سوي بين الناس في العطاء حين تولي شئون إدارة الدولة. فجاءه عمر بن الخطاب وكان بينهما هذا الحوار القصير: - عمر: أتسوي بين من هاجر الهجرتين وصلي للقبلتين ومن أسلم عام فتح مكة.. أهو خوف السيف؟ - أبو بكر: هؤلاء إنما عملوا وأجورهم علي الله وانما الدنيا دار بلاغ أي علينا أن نطبق المعايير التي تتفق وصالح الأمة. - عمر: لا أجعل من قاتل رسول الله كمن قاتل معه. رغم هذا التباين والاختلاف في الرأي فقد كانت السماحة وروح المودة والمحبة هي السائدة في التعامل وكم اختلف الرجلان دون أن يعكر هذا الاختلاف صفو الود بينهما. انها قواعد راسخة. سماحة وعدل وزهد وتقوي . لا تطاول أو خروج علي تلك القيم التي أرسي قواعدها سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم. وها هو عمر بن الخطاب حين طعنه أبو لؤلؤة المجوسي وشعر بدنو أجله قال لابنه: انني استلفت من بيت مال المسلمين ثمانين ألفا فليرد من مال ولدي. فإن لم يف مالهم فمال آل الخطاب انها القناعة وأسلوب في براءة الذمة قبل أن يفارق عمر الدنيا. هذا من الرجلان وغيرهما من أصحاب رسول الله صلي الله عليه .سلم تركوا نماذج مشرقة ليتنا نتعلم منهم هذه السلوكيات وتلك الآداب التي تتسم بالتقوي والسماحة والزهد وترفض التطرف والشدة. إن في ذلك لذكري لمن كان له قلب أو ألقي السمع وهو شهيد.