أهل التقوي يعتصمون بالإيمان.. والآخرون شغلتهم الدنيا الناس في هذه الحياة نماذج متنوعة ومتناقضة في أحيان كثيرة وتلك طبيعة البشر منذ بدء الخليقة لكن منذ أن أشرق نور الإسلام حدد معالم الطريق ووضع خطوطا فاصلة توضح الفرق بين أهل الإيمان الذين استقرت التقوي منهم وامتلكت وجدانهم وبين الذين يحاولون الانفلات علي تلك الضوابط ويتعللون بمبررات واهية للتحرر من أية مبادئ ارتضتها قيم الدين الحنيف للحفاظ علي تماسك وقوة البنيان الاجتماعي! أهل التقوي يدركون حقيقة الاختلاف بين البشر الذي حددته الآية الكريمة في سورة هود "ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولايزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنَّة والناس أجمعين" "119 هود". أهل التقوي التزموا تطبيق المبادئ التي جاء بها الإسلام دون التفات لمن خالفهم من المنفلتين "يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم إلي الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم تعملون" "105 المائدة". استقرت هذه الحقائق في قلوبهم ومضوا في طريقهم يترسمون خطي أهل الصلاح من السابقين مرددين قول الله تعالي علي لسان نبي الله سليمان بن داود - صلي الله عليه وسلم - "رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت عليّ وعلي والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين" "19 النمل" إلي غير من أدعية الأنبياء وأهل الصلاح. وفي إطار هذا الاختلاف بين أهل التقوي وغيرهم من المنفلتين. سوف أضع أمام ذوي البصائر نموذجين للفريق الثاني ثم أعرِّج علي أهل التقوي. ولعل ذلك الرجل الذي بعثه رسول الله لجمع الزكاة من الناس أقرب مثال لذلك. فحينما عاد بأموال الزكاة قال بكل قناعة: هذا نصيبكم من الزكاة أما الجزء الآخر فقد أهدي إليّ "وعندما بلغ رسول الله هذا الكلام رفض بأسلوب قاطع: هلا جلست في بيت أبيك حتي يهدي إليك" وأمر باسترداد هذا المال في توجيه شديد اللهجة بأنه ما ينبغي لإنسان كائنا من كان أن يحصل علي أي مال ليس من حقه وأن القائمين علي الشئون العامة يجب أن يدركوا جيدا الفرق بين الكسب الحلال والحرام. وليعلم هؤلاء المنفلتون أنهم يأكلون نارا في بطونهم من هذا الكسب الحرام. فيا أهل الإسلام إياكم وهذا الأسلوب السيئ!! ومن هذا الفريق أيضا ذلك الصحابي "ثعلبة" الذي جاء لرسول الله - صلي الله عليه وسلم - أن يدعو الله له بأن يرزقه مالا وفيرا. لكن رسول الله - صلي الله عليه وسلم - يحذره قائلا: "يا ثعلبة قليل تؤدي شكره خير من كثير لا تطيقه" إلا أن ثعلبة أصر علي طلبه وقد استجاب الرسول - صلي الله عليه وسلم - ودعا له فرزقه الله مالا وفيرا إلا أنه رفض دفع الزكاة قائلا في أسباب رفضه "إنها جزية" فكان تحذيرا آخر من الرسول - صلي الله عليه وسلم - لثعلبة: "ويح ثعلبة. يا ويح ثعلبة" في هذه الأثناء نزل قول الله تعالي: "ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين. فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون. فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلي يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون" "التوبة 75 - 77" وعندما عرف ثعلبة بذلك المصير المؤلم توجه إلي رسول الله - صلي الله عليه وسلم - في محاولة لدفع الزكاة وأبدي الندم لكن بعد فوات الأوان حيث نزلت آيات القرآن تحذر الرسول من قبول الزكاة! "استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم ذلك بأنهم كفروا بالله ورسوله والله لا يهدي القوم الفاسقين" ذلك هو طريق الضالين نحذر من ألاعيبهم الشيطانية "ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين". أما أهل التقوي فقدموا أنفسهم وأموالهم ابتغاء مرضات الله - سبحانه وفي مقدمة هؤلاء الخليفة الأول للمسلمين بعد رسول الله - صلي الله عليه وسلم - سيدنا أبوبكر الصديق فحينما طلب رسول الله - صلي الله عليه وسلم - من الصحابة التصدق قدم أبوبكر بكل نفس راضية كل ماله في سبيل الله وعندما سأله رسول الله - صلي الله عليه وسلم - قائلا: وماذا أبقيت لأولادك؟ قال أبقيت لهم الله ورسوله فنزل قول الله تعالي: "فأما من أعطي واتقي وصدق بالحسني فسنيسره لليسري". ثم مضت الآيات إلي قوله سبحانه "وما لأحد عنده من نعمة تجزي إلا ابتغاء وجه ربه الأعلي ولسوف يرضي". ولا يفوتني أن أشير إلي نموذج آخر جاء بعيدا عن عصر النبوة؟ فها هي فتاة من أهل التقوي جاءت إلي إمام دار الهجرة "الإمام مالك" تستفتيه في أمر من شئون حياتها. قالت يا إمام إن مهنتي غزل ونسج الصوف ولنا جار يخرج من داره شعاع نور فهل أغزل وسط هذه الأضواء التي تنبعث من منزل الجار رغما عنه؟! هنا انبهر العالم الجليل أمام دار الهجرة بهذه الشفافية التي تنبئ عن صلاح وتقوي فسألها قائلا: من أي البيوت أنت وما العائلة التي تنتمين إليها؟ فأخبرته. فقال في التو واللحظة: يخرج الورع من بيتكم. ثم قال: لا تغزلي. تلك هي صفات أهل التقوي. ليت المسلمين أو من يتشدقون بأنهم من أهل الإسلام يدركون هذه الفروق. ويوم أن يعي هذه القيم وتلك الفوارق سوف يكون نصر الله حليف أهل الصدق والإيمان "والله يهدي من يشاء إلي صراط مستقيم".