من المهام الأساسية في حياة الوالدين الحرص علي تربية الأبناء بأفضل الأساليب وغرس القيم الأدبية والإنسانية في نفوسهم منذ الصغر لأنها تلعب دوراً في تنشئة فلذات الأكباد. وهو خير ميراث من الوالدين كي تنمو حياتهم في ظلال هذه المباديء بحيث تلازمهم في مسيرتهم مع أحاطتهم بالحب وصقل مواهبهم علي أساس من التقدير والاحترام لأفكارهم. وأن يكون التزام الوالدين بهذه القيم في سلوكياتهم الحياتية هو النموذج للأبناء وليكن الصدق في الحديث والأدب هو لغة التخاطب وأسلوب التعامل الدائم بين الوالدين والأبناء. وأن يكون العمل الجاد والضمير الحي اليقظ الصورة الطيبة لحياة الأسرة وسط المشاكل والهموم المجتمعية. الترابط الأسري أسمي الصفات التي يحرص عليها الوالدان لتظل العلاقات قوية بين كل أفراد الأسرة وأن تكون الرحمة والإنسانية في التعامل فيما بينهم وبين الآخرين هي أفضل لغة التخاطب وإذا كان هذا شأن الأسرة الصغيرة فإن المجتمع سوف يسمو ويتقدم ويمضي في طريق العمل والبناء دون التفات للسلبيات التي قد تعطل المسيرة وتؤدي إلي تفسخ الروابط بين أبناء المجتمع. وليكن للوالدين أسلوبهما في التسلل لقلوب الأبناء بالود والحنان دون إفراط أو تفريط ولتكن الصورة للأسرة المسلمة هي النموذج والقدوة في بناء أجيال قادرة علي مواجهة أعباء الحياة ونشر الإيجابيات في مختلف الأوساط التي يتعاملون معها ولا يجب أن ننسي أن قيم الدين الحنيف تهتم بأن تكون الرحمة في قلوب الآباء والأمهات في كل تعاملاتهم مع فلذات الأكباد والابتعاد قدر الاستطاعة عن القسوة والجفاء لأنهما لا يساهمان في تنمية قدرات الأبناء ويثيران التنافر فيما بينهما ولابد أن تكون الرحمة ماثلة في أذهان الوالدين لا تغيب في أي لحظة من اللحظات. لعله لا يغيب عن الخاطر أيضاً ونحن نستعيد الصورة الطيبة التي حدد معالمها سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم في بناء الأبناء ونلمس ذلك في مسيرة النور لسيد الخلق فقد رأي أبو هريرة وهو طفل صغير يداعب قطة أثناء لعبه معها فتقدم نحوه بكل حنان ورحمة وداعب ذلك الطفل الصغير بحنان أبوي انعكست صورته الطيبة علي وجه ذلك الفتي الصغير فنشأ في ظلال هذا الحب مع أسرته حتي صار شاباً يتحلي بأسمي المباديء والصدق في الحديث والتعامل وأصبح من كبار رواة الحديث عن رسول الله صلي الله عليه وسلم وفي ذات السياق النبوي الشريف لتعليم سائر أبناء المجتمع المسلم قيم التعامل مع الأبناء علي أساس من الرحمة والمودة ومن الآثار الطيبة التي تتناقلها سيرة المصطفي صلي الله عليه وسلم أن أحد الآباء دخل إلي مجلس رسول الله صلي الله عليه وسلم فوجده يقبل أحد الأبناء من أحفاده بحنان ورحمة مما أثار حفيظة هذا الأب فقال: إن لي عدداً من الأبناء ولم أقبل أي واحد منهم. فلم يأبه الرسول صلي الله عليه وسلم بقول الأب ولكنه وجه قائلاً بما يشير إلي أنه لا شأن لنا بمن نزعت من قلبه الرحمة في تأكيد إلي ضرورة أن تكون أسمي المعاني الإنسانية أفضل الأساليب التربوية التي يجب أن يلتزم بها الوالدان في بناء الأجيال وصدق الله العظيم حين أوضح أن سيدنا محمد قد أرسله الله رحمة للعالمين. يقول الله في سورة الأنبياء: "إن في هذا لبلاغاً لقوم عابدين. وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين" 105. 106 الأنبياء وفي سورة التوبة إشارة واضحة تؤكد أنه نبي الرحمة وإرساء القيم الإنسانية في نفوس الأمة يقول ربنا في سورة التوبة: "لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم"128 التوبة. وتلك المباديء الخالدة يجب أن تكون هي اللغة الحاكمة في تعامل الوالدين مع الأبناء ولعلنا لا نمل من التأكيد علي هذه الحقائق والبساطة والرحمة في تعامل الرسول صلي الله عليه وسلم مع حفيديه الحسن والحسين وأن يدركوا هذا الأسلوب التربوي لينشأ الأبناء وفي قلوبهم التراحم والإنسانية منذ الصغر. وهذا هو الطريق لبناء المجتمع علي أساس من الأمانة. والصدق. ونأمل أن يكون هذا الأسلوب هو النموذج في تعامل الوالدين مع الأبناء خلال مسيرة الحياة اليومية. تحية لهذا المعلم في إرساء قيم الأمانة وفي سياق الحديث عن القيم الخالدة في هذه السطور استوقفني خبر نشرته صحيفة الأخبار في الصفحة الثالثة يوم الأربعاء الماضي بما يشير إلي أن التربية الفاضلة هي النموذج الأمثل الذي قدمه هذا المعلم واسمه محمد أحمد محمد إبراهيم مدرس الحاسب الآلي بمدرسة تندا الإعدادية التابعة لإدارة ملوي التعليمية بمحافظة المنيا. هذا المسلم الإنسان الذي تحلي بأسمي صفات الأمانة والاخلاق الرفيعة والنفس الطيبة وذلك حينما عثر علي مبلغ 138 ألف جنيه داحل حقيبة ملقاة في الشارع فأخذ يبحث عن صاحبها بهمة ونشاط وأمانة دون التفات لوساوس الشيطان والنفس البشرية واستمر أسبوعاً في البحث عن صاحب المبلغ وفي خاطره مدي اللوعة التي يعيش فيها صاحب هذا المبلغ منذ أن فقده وفي النهاية هداه الله إلي صاحب المبلغ وقام بتسليم المبلغ لصاحبه بكل نفس راضية ليس هذا فحسب وإنما رفض أن يحصل علي أي مبلغ من هذه الأموال رغم إلحاح صاحبها الشديد في تقديم أي مبلغ له تقديراً لوفائه وأمانته وإنسانيته وأصر هذا المعلم علي رفضه في الحصول علي أي مبلغ. تحية لهذا المعلم الذي أرسي قيم الأمانة وضرب النموذج الأمثل في الصدق والأمانة لمثل هذا فليعمل العاملون وليتنافس المتنافسون.. إنه بحق نموذج للوالدين في تربية الأبناء.