بعد الإعلان نهائيا عن وقف التعيينات بالجهاز الحكومي الذي يعاني من تخمة به بعد أن وصل فيه عدد العاملين إلي ما يزيد علي 6 ملايين موظف أين يذهب 800 ألف خريج جامعي وهل يستطيع القطاع الخاص استيعاب هذه الأعداد حتي لا ترتفع نسبة البطالة أكثر مما هي الآن بما لها من تداعيات اجتماعية واقتصادية وأمنية؟ "المساء الأسبوعية" ناقشت القضية مع الخبراء فأكدوا رفضهم الاعتماد علي القطاع الخاص في استيعاب آلاف الخريجين مطالبين بحلول غير تقليدية خارج الصندوق. قالوا لابد من تعديل السياسات لربط الخريجين بسوق العمل والبعد عن الروتين الحكومي في إقامة المشروعات الصغيرة ونسف الإجراءات المعقدة أمام الشباب لإقامة مشروعه الخاص. طالبوا بإلزام الجامعات بإعداد قاعدة بيانات لتخريج التخصصات الحقيقية المطلوبة لسوق العمل متسائلين أين السياسات والقوانين المحفزة لزيادة الاستثمارات بما يتيح للقطاع الخاص استيعاب جزء من الخريجين. أشاروا إلي أن حاضنات الأعمال للصناعات الصغيرة قادرة علي استيعاب آلاف الخريجين وفي نفس الوقت الحد من الاستيراد لما يزيد علي 70% من مستلزمات الإنتاج. * د.محمد صلاح الدين الشرنابي - خبير الصناعات الكيميائية وعضو مجلس الشئون الخارجية - يؤكد ان التعليم الجامعي لدينا يعاني من تخمة في أعداد الخريجين حيث يقترب عددهم من المليون خريج ومن المفترض أن يجدوا فرصة عمل مناسبة لما تم دراسته وفي نفس الوقت نعاني من بطالة مقنعة حيث ان تعداد الجهاز الحكومي يبلغ أكثر من 6 ملايين موظف بدون إنتاج حقيقي لدرجة انه في بعض المصالح يكون عدد الموظفين يفوق عدد طالبي الخدمة. أضاف ان سياسات القبول في التعليم لدينا تعاني من سلبيات عديدة تؤدي إلي الحصول علي منتج غير مناسب لسوق العمل فمثلا في كلية الهندسة بألمانيا هناك تنوع في الخريجين ما بين استمرار العمل الأكاديمي أو الاتجاه إلي سوق العمل كفني سواء مصمم أو منفذ والغالبية العظمي من الخريجين يجدون فرصة عمل مناسبة لأنه من البداية هناك ربط حقيقي بين حاجة سوق العمل والمناهج الدراسية. نفس الأمر في البلدان الآسيوية التي تربط بين سوق العمل والمناهج الدراسية ولذلك تتراجع فيها نسب البطالة بشكل ملحوظ ورغم انه كان يوجد لدينا كليتي هندسة هما: هندسة حلوان وهندسة المطرية كانوا يقومون بتدريب الخريجين ومن ثم يجدون فرص عمل علي عكس خريجي الكليات الأخري المشابهة. قال: ان الاشكالية في التوظيف أننا نعاني من منتج غير مطلوب في القطاع الخاص أو العام فقد تحولت جامعاتنا إلي مجرد جهة لمنح الشهادات الجامعية دون أن تنظر لحاجة المجتمع الحقيقية ولذلك نجد زيادة هائلة في أعداد العاطلين خاصة بعد تخلي الدولة عن سياسة التوظيف. أضاف من المفترض ان يتم تعديل سياسات القبول بالجامعات بحيث يكون لديها قاعدة بيانات حقيقية تحلل احتياجات السوق بحيث يتم قبول الأعداد التي يحتاجها سوق العمل والتخصصات المختلفة سواء في القطاع الخاص أو العام ولكن استمرار هذا الوضع يعني زيادة في الخريجين يتحولون بعد فترة إلي عاطلين. أوضح أننا نعيش عصر التكنولوجيا الدقيقة التي تحتاج إلي العنصر البشري المؤهل علي أعلي المستويات العلمية والتدريبية. أوضح ان القطاع الخاص يمكن أن يساهم مساهمة حقيقية في امتصاص ملايين من فرص العمل بشرط أن يكون هناك اهتمام حقيقي بالتعليم الفني وليس التكالب في الانفاق علي التعليم الجامعي لدرجة ان هناك عشرات الآلاف من الحاصلين علي الدكتوراه سواء في الجامعات أو مراكز البحوث وهو ما يسمي بالترف العلمي الذي لا نجد له مثيلا في العالم والمفترض أن يكون العائد من خلالهم منصبا علي خدمة التنمية حتي لا يحدث خسائر وهدر للموارد البشرية. خطط بديلة * د.هاني منيب - مستشار وزير القوي العاملة للتدريب سابقا وأستاذ بكلية هندسة المطرية - أكد أننا في حاجة إلي سياسات وخطط بديلة لمواجهة أزمة زيادة الخريجين بشكل كبير في الوقت الذي أحجمت فيه الدولة عن التعيينات وفي نفس الوقت هناك مئات المصانع متعثرة ومغلقة ومثلها لا تعمل بكامل طاقاتها وهي تستطيع استيعاب ملايين من فرص العمل بشرط أن تعود إلي الإنتاج من خلال توفير عنصر بشري مؤهل ومدرب. أضاف أن التعليم الفني والتعليم العام ينتج منتجا رديئا غير مناسب لسوق العمل والتخصصات الجديدة التي نحتاجها وحتي في الصناعات التقليدية فمثلا إذا أردت تطوير منظومة ما مثل منظومة الري يذهب تفكيرنا مباشرة إلي كيفية استيراد الأجهزة والمعدات دون الاهتمام بتوفير العنصر البشري المناسب. أوضح ان العالم مقبل علي ثورة تحليل البيانات والمعلومات فاننا للأسف ليس لدينا قاعدة بيانات دقيقة نستطيع من خلالها تحديد الأعداد المطلوبة لسوق العمل والتخصصات التي يحتاجها فالتعليم في مصر يهدر الموارد البشرية فالتعليم الفني منذ 2009 أعلن عن استراتيجية لتصحيح مسار التعليم الفني بحيث يحمل الخريج شهادة بكالوريوس التكنولوجيا وليس شهادة متوسطة بسبب النظرة الاجتماعية له وفي نفس الوقت ترفع من مستواه العلمي ولكن ظلت الاستراتيجية حبرا علي ورق ولم تطبق وظل الوضع كما هو. أشار إلي أن الصناعات الصغيرة والمتوسطة تستوعب أعدادا ضخمة ولكننا لم نقدم أي شيء في هذا المجال فلكي تحصل مثلا علي قرض من الصندوق الاجتماعي تواجه بعقبات وعراقيل واشتراطات وعراقيل مما يؤدي إلي انصراف الشباب عنها. أوضح أننا ندير المنظومة بعقلية روتينية حكومية دون الاهتمام بالأبعاد الاقتصادية التي تؤدي إلي تنمية مستدامة يكون فيها الخريج صاحب مشروع مما يخفف من الضغط علي وظائف العمل حالية. قال: ان استمرار سياسات التعليم سيؤدي إلي زيادة عدد العاطلين ولن ينجح القطاع الخاص في استيعابهم ولذلك لابد من ربط بين التعليم وسوق العمل حتي لا يتحول الخريجون إلي مشاكل اجتماعية مزمنة تلقي بظلالها علي جميع مناحي الحياة. حدة الكارثة * مي محمود - عضو مجلس النواب - تؤكد انه منذ مدة طويلة نعاني من كارثة زيادة عدد الخريجين عن الوظائف المتاحة وزادت حدتها بعد أن منعت الدولة التعيين في الوظائف الحكومية بسبب التخمة التي يعاني منها الجهاز الحكومي لدرجة أننا أصبحنا نعاني من زيادة كبيرة في الخريجين وخاصة التخصصات النظرية. أضافت أن الرئيس السيسي خصص 200 مليار جنيه للمشروعات الصغيرة والمتوسطة وهي في رأيي المجال الوحيد الذي يستطيع استيعاب آلاف الخريجين من خلال اقامة شركات صغيرة بين مجموعة من الشباب ولكن للأسف هناك صعوبة شديدة تواجه الشاب لكي يبدأ مشروعه مثل الإجراءات المعقدة وكثرة التراخيص المطلوبة والحصول علي التمويل المناسب أوضحت أن لجنة المشروعات الصغيرة بمجلس النواب وهي لجنة مستحدثة بالمجلس وهدفها إعداد دراسات للتوسع في هذه الصناعات وتقديم الدعم والحماية والمساندة للشباب أسوة بالدول التي حققت طفرة اقتصادية بالتوسع في هذه المشروعات من خلال منظومة متكاملة توفر لها كل عناصر النجاح. أضافت انه يتم حاليا إعداد مشروع قانون متكامل خاص بالصناعات الصغيرة بهدف إيجاد مظلة لحمايتها ويتم من خلاله تنظيم كل الخطوات. أشارت إلي أهمية أن يتم تعديل الخطط والسياسات الخاصة بالتعليم الفني الذي تحول إلي حالة يرثي ليها ولا يمد السوق باحتياجاته في الحقيقة في وقت هناك محافظات عديدة تصلح لإقامة حضانات للصناعات الصغيرة ولكن ما ينقصها هو العنصر البشري في وقت تعاني هذه المحافظات من زيادة أعداد البطالة بها خاصة بين خريجي الجامعات الذين يحملون شهادات بعيدة تماما عن الاحتياجات الحقيقية للمجتمع. فجوة هائلة * د.جمال عبدالحي - عميد زراعة الأزهر سابقا - يؤكد ان القطاع الخاص لا يمكن أن نلقي عليه بالمسئولية الكاملة في استيعاب أعداد الخريجين الهائلة خاصة وأن أعدادا كبيرة منهم غير مؤهلة لتلبية احتياجات هذا القطاع. أضاف ان المستوي المطلوب للعمل ومتطلبات صاحب العمل تعاني من فجوة هائلة وليست قاصرة علي خريجي كليات الزراعة ولكن علي مستوي كل الكليات سواء العملية أو النظرية حيث تعاني هذه الكليات من أنه ليس لديها الآليات لصقل الخبرات والمهارات ولا وسائل استخدام التكنولوجيا الحديثة ولا يتم تدريبهم ولذلك نري سنويا آلاف الخريجين يخرجون من الكليات وهم حاصلون علي تعليم نمطي بعيد عن فكرة الابتكار ومحاولة الوصول إلي جديد في التخصص الذي يختاره الطالب. أشار إلي أن كلية الزراعة بجامعة الأزهر نفذت تجربة مهمة تتضمن توقيع بروتوكول تعاون مع الشركات العاملة في مجال الزراعة بحيث نتعرف علي الاحتياجات الحقيقية التي تحتاجها ويتم خلال فترة الدراسة حصول الطالب علي تدريب عملي بحيث يتم ربط الخريج بسوق العمل بشكل مباشر يتيح له بعد التخرج الانضمام إلي هذا السوق. أوضح أننا نحتاج إلي هيئة عليا ترعي هذا النظام وتلتزم بتنفيذه كل الكليات ومن خلاله تقوم الكليات بتحديد مناهجها والأعداد التي يمكن أن تقبلها فأي جامعة لكي يكون لديها قاعدة بيانات لابد أن تقوم بدراسات مشتركة مع أصحاب الأعمال. أوضح ان القطاعات الصناعية المختلفة تحتاج إلي عناصر مختلفة عن المنتج التقليدي الموجود حاليا إذا كنا راغبين في تحقيق طفرة حقيقية والتخلص من مشاكلنا المزمنة وعلي رأسها البطالة خاصة وان الدولة رفعت يدها عن التعيين منذ فترة طويلة لأسباب مختلفة منها عدم قدرتها علي استيعاب الأعداد المتزايدة من الخريجين. أشار إلي أهمية زيادة الاستثمارات الموجهة إلي التعليم الفني لأنه من أهم السبل للقضاء علي البطالة بحيث لا يتم تخريج آلاف الخريجين سنويا ينضمون إلي طابور العاطلين لأنهم لا يمتلكون المؤهلات المطلوبة للانضمام لسوق العمل الذي يحتاج إلي مواصفات ومؤهلات تختلف تماما عن المؤهلات التقليدية التي مازلنا متمسكين فيها في وقت يسعي العالم فيه إلي تدريس المناهج المطلوبة بعد التخرج. السياسات الحكومية * المهندس محمد المرشدي - عضو مجلس النواب ورئيس شعبة الصناعات النسجية باتحاد الصناعات - يؤكد ان القطاع العام الخدمي مثل التعليم والصحة مثقل بأعداد هائلة من الموظفين التي لا تؤدي ولا تطور وهناك القطاع الإنتاجي في الحكومة وهو قادر علي استيعاب عدد كبير من الخريجين بشرط أن السياسات التي يتم تنفيذها لإدارته يجب ان تكون حاضنة ومحفزة للإنتاج والصناعة حتي تبني الاقتصاد القوي القادر علي تلبية احتياجاتنا دون الاعتماد بنسبة تزيد عن 70% علي الاستيراد. أضاف أن القطاع الصناعي الخاص قادر علي استيعاب أعداد هائلة ولكن المشكلة ان السياسات الحكومية تؤدي إلي اقتراب انهيار هذه الصناعات بسبب عدم قيام الدولة بحل المشاكل التي تعاني منها ولا تمنحها أي حوافز للتوسع وتسهيل الائتمان لها حتي تستطيع استيعاب مزيد من الأيدي العاملة. أوضح أن وزارتي التربية والتعليم والتعليم العالي يفتقدان التنسيق بينهما وبين القطاع الصناعي للتعرف علي احتياجاته من عماله وصناعات وهل تحتاج إلي بكالوريوس أو ليسانس بدليل توسعنا في كليات نظرية مثل الآداب والحقوق والتجارة رغم ان نسبة كبيرة من خريجها غير مطلوبين وحتي لا نستطيع تنفيذ برامج تدريب تحويلي لهم لأنهم من الأساس رافضين هذا الأمر. أشار إلي أن العزلة بين الوزارات تؤدي إلي عدم وجود سياسة واحدة وقوانين محفزة للتوسع في الأنشطة الصناعية والاستثمارية كثيفة العمالة ففي الوقت الذي يطالب فيه رئيس الجمهورية الحكومة بتوفير أراضي صناعية جديدة لاقامة مشروعات خاصة في مجال الصناعات الصغيرة والمتوسطة نجد ان السياسات المطبقة غير فاعلة ولا تؤدي إلي نتائج مثمرة. أضاف أننا نعاني من استمرار البطء في التحرك والإجراءات لمساعدة الشباب الذي يرغب في العمل الخاص ولكن أحلامه تصطدم بالإجراءات العقيمة فلماذا مثلا لا يتم إعداد دراسة جدوي لكل مشروع وتحديد المشروعات التي تناسب كل محافظة طبقا لما تتمتع به من مزايا وامكانيات بحيث نخلق قاعدة من المنتجين الصغار الذين يستطيعون استيعاب عدد كبير من الأيدي العاملة بشرط توفير المناخ المناسب لهم وهي مسئولية وزارة بأكملها وليست قاصرة علي وزير بمفرده وبدون ذلك ستظل المشكلة قائمة. أيضا يجب علي الحكومة حماية القطاع الصناعي من الممارسات التي تعرقل التوسع في الإنتاج الوطني مثل التهريب والاستيراد العشوائي لأن ذلك سيؤدي إلي استمرار مشكلة البطالة بما لها من تداعيات اجتماعية واقتصادية وأمنية. بطالة مقنعة * د.فريد عبدالوهاب - أستاذ التنمية البشرية بجامعة القاهرة - يؤكد أنه حتي مع عدم وقف التعيينات الحكومية فانها لا تستطيع استيعاب الأعداد الهائلة من الخريجين لأن الوظائف الحكومية في النهاية وظائف تقليدية تستوعب أعدادا محددة لا تستطيع تجاوزها والا تحولت إلي بطالة مقنعة تزيد من حد الأزمة. أضاف ان مشكلة البطالة مشكلة ليست محلية ولكن مشكلة عالمية تعاني منها العديد من الدول واختلفت طرق مواجهتها طبقا للثقافة السائدة في المجتمع وتفاوتت درجة النجاح من دولة إلي أخري بسبب ما يتخذ من سياسات. أوضح ان القطاع الخاص مهما كانت قوته واستثماراته لا يمكن أن يستوعب بمفرده الأعداد الكبيرة من الخريجين خاصة مع اعتماد كثير من الصناعات الحديثة علي التكنولوجيا التي تؤدي إلي تراجع عدد العاملين وأصبح الاستعانة بالعنصر البشري في أضيق الحدود. أضاف لذلك ليس من سبيل أمامنا إلا تحويل هذه الأعداد الهائلة من الخريجين من نقمة إلي نعمة ولن يتم ذلك إلا باهتمام حقيقي بالصناعات الصغيرة وانشاء كيانات كبري تعمل من خلالها بحيث تمد هذه الصناعات المصانع الكبري والمتوسطة وباحتياجاتها من جزء كبير من مستلزمات الإنتاج بدلا من الاعتماد علي الاستيراد لكل صغيرة أو كبيرة. أوضح أن هذا الأمر ليس سهلا ولكنه يحتاج إلي منظومة كاملة من الإجراءات تبدأ بتسهيل الإجراءات أمام الشباب وليس بالمزيد من التعقيدات والعراقيل التي توضع أمامه وتجعله ينصرف عن إقامة مشروعه الخاص وينضم إلي طابور العاطلين. أوضح ان الاعتماد علي الطرق التقليدية في التوظيف حتي في القطاع الخاص لن يجدي لأن العمل المكتبي الذي يرغب الشباب في الانضمام إليه يستوعب أعدادا محدودة في النهاية ولذلك يجب أن يكون تفكيرنا خارج الصندوق. أشار إلي أهمية أن يكون هناك جهة أو وزارة محددة مسئولة عن الصناعات الصغيرة بحيث تتولي إدارة المنظومة من خلال إجراءات سلسة وبسيطة تؤدي إلي الاتجاه إلي هذا المجال الذي استعانت به دول عديدة علي مستوي العالم وحققت طفرات هائلة من خلال ذلك وجعلها تنجح في الحد من نسب البطالة إلي أقل درجة ممكنة.