لا يزال المواطن المصري يدفع ثمن الإصلاحات الاقتصادية التي اتخذتها الدولة مؤخرًا وأبرزها تعويم الجنيه بينما الإجراءات التي اتخذتها الدولة لحماية محدودي الدخل لم تؤت ثمارها.. فالأسرة المصرية لا تزال تغرق أمام موجات الغلاء التي أتت علي جميع السلع دون استثناء حتي بائعة الجرجير رفعت أسعارها بحجة انخفاض قيمة الجنيه مقابل ارتفاع سعر الدولار!! سلع كثيرة ارتفعت أسعارها دون مبرر رغم أنها ليست لها علاقة من قريب أو بعيد بأسعار العملات الأجنبية في السوق المصرفية.. والعديد من التجار استغلوا ارتفاع أسعار بعض السلع فقاموا هم أيضا برفع أسعار السلع التي يتاجرون فيها وإذا حاولت أن تناقشهم عن الأسباب يردون عليك "المعيشة بقت صعبة يا بيه".. المسألة زادت عن الحد.. والمفروض تدخل الدولة بجميع أجهزتها لمواجهة غول الغلاء الذي يلتهم جيوب المصريين كل يوم. المطلوب قرارات اقتصادية عاجلة تعالج آثار تعويم الجنيه.. علي سبيل المثال أن تحدد الدولة سعر صرف للدولار خاصًا باستيراد السلع الغذائية الأساسية ومستلزمات شركات الدواء بحيث لا يتعدي ال 12 جنيها مثلا علي أن تتحمل الدولة الفارق بشرط عدم ارتفاع أسعار هذه السلع الغذائية والأدوية في الأسواق وهذا الأمر يتطلب رقابة صارمة من جميع الأجهزة المعنية بالدولة. هذا فضلا عن التوسع في إقامة منافذ لبيع السلع الغذائية بأسعار مخفضة بحيث يري المواطن تلك المنافذ في القري والنجوع ولا تقتصر علي المدن فقط. مطلوب من الحكومة أن تفرض تسعيرة جبرية أو علي الأقل استرشادية بالنسبة للخضراوات والفاكهة التي زادت أسعارها في الآونة الأخيرة بشكل مبالغ فيه بحيث يعرف المواطن الثمن الحقيقي لكل سلعة بدلا من تركه نهبًا لجشع التجار الذين اعتادوا علي رفع أسعار بضاعتهم دون رقيب أو حسيب حتي يشعر محدودو الدخل بأن الحكومة تقف بجانبهم وتساندهم بالأفعال وليس بالأقوال ولا تتركهم فريسة للجشع الذي صار كالسرطان الذي ينتشر في الجسد ولا شفاء منه. السجائر علي سبيل المثال نموذج صارخ لحالة الفوضي والجشع التي تشهدها الأسواق فرغم زيادة أسعارها رسميا أكثر من مرة خلال أقل من عام تجد الباعة يزيدون السعر جنيها أو جنيهين علي كل علبة ويبدو أن الموزعين يتربحون أيضا من وراء ذلك في ظل غياب أي رقابة عليهم. لقد تجرعت الأسرة المصرية مجبرة الدواء المر للإصلاحات الاقتصادية بفضل وعيها لحجم التحديات التي تواجه الوطن فالمعاناة من الغلاء لا تساوي شيئا أمام سقوط وطن.. ويبقي دور الدولة الحقيقي والفعلي لتخفيف هذه المعاناة قدر الإمكان.