أنعي إليكم يا أصدقاء المطران هيلاريون كابوتشي.. أتذكرون هذا الاسم؟!.. أتذكرون هذا الرجل.. إنه مطران كنيسة الروم الكاثوليك في القدسالمحتلة.. الرجل الذي كان ومازال رمزاً للمقاومة الفلسطينية الشجاعة.. حين كانت المقاومة شرف الأمة العربية في مواجهة الاحتلال الغاشم.. قبل أن يتم ادراجها في قائمة الإرهاب. أتذكرون المطران كابوتشي رأس الكنيسة المعظم.. الذي حمل السلاح والذخيرة والعتاد إلي رجال المقاومة في سيارته الخاصة.. وعندما تم ضبطه عام 1974 بعد عدة عمليات نفذها حكم عليه بالسجن 12 عاما.. ثم أفرج عنه بوساطة من بابا الفاتيكان بشرط أن يجري ابعاده عن فلسطين وعن القدس.. فتم نفيه إلي إيطاليا في 1978 حيث عاش فيها وقلبه معلق بوطنه وشعبه وقضيته حتي توفي في روما الاحد الماضي في أول أيام السنة الجديدة عن 94 عاما. أتذكرون هذا الرجل العظيم يا أصدقائي؟! هذا الرجل الذي يحيطه الجلال والوقار كان مجرد ذكر اسمه أو ظهور صورته في نشرات الأخبار علي االشاشات أو علي صفحات الجرائد كفيلا بإثارة كل معاني العزة والكرامة في النفوس.. وكانت كلماته بيانات تحريضية لاشعال روح المقاومة في شرايين العروبة.. واستنهاض الهمم العربية.. عندما كان هناك عرب.. وعندما كانت هناك أمة عربية لها قضية حقيقية تدافع عنها وتموت من أجلها بشرف.. قبل أن تستسلم هذه الأمة التعيسة لمخططات الفرقة والتمزيق فتتفرق بها السبل.. ثم تسقط في مستنقع الحروب الأهلية. ظل المطران كابوتشي بعد نفيه وفياً لقضيته.. يحلم بالعودة إلي فلسطين.. كان يقول: "أنتظر عودتي إلي وطني.. إلي قدسي.. إلي شعبي.. أنتظر نهاية غربتي".. وخلال منفاه واصل نضاله دعماً للقضية الفلسطينية.. واستثمر علاقاته مع الفاتيكان لفضح الاعتداءات الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني. وفي عام 2009 كان علي متن سفينة الإغاثة "أسطول الحرية" التي حملت المساعدات لقطاع غزة المحاصر.. وقد اعترضت قوات الاحتلال السفينة وصادرت كل ما فيها وطردت من علي متنها إلي لبنان.. بمن فيهم الشيخ الكبير بزيه الكهنوتي المميز.. لكنه لم ييأس ولم يستسلم للإحباط.. وفي العام التالي 2010 كان مشاركاً في سفينة "مافي مرمرة" التي انطلقت إلي سواحل غزة لكسر الحصار المفروض عليها.. وقد هاجمتها قوات الاحتلال أيضا.. وقتلت عدداً كبيراً ممن كانوا علي متنها.. ومعظمهم من الأتراك. وعاش المطران كابوتشي أيامه الأخيرة في المنفي قابضاً علي عروبته رغم ما أصاب هذه العروبة من نكسات.. وكان حزينا بشدة لرحيل المسيحيين من القدسالمحتلة.. وعبر عن ذلك بقوله: "الألم يعتصر فؤادي.. المسيحيون يرحلون.. والمسيحية اليوم في فلسطين في خطر بسبب الحياة الصعبة تحت الاحتلال للجميع.. مسيحيين ومسلمين". وكان شديد التعلق بالقدس.. فهي عنده قلب فلسطين النابض.. هي بمثابة الروح لأرض فلسطين.. وكان موقفه صلبا من الاحتلال وعباراته واضحة: "علي إسرائيل أن تختار بين السلام وبين الحرب.. لا يمكن أبدا أن تجمع بين السلام وبين الحرب.. مادام هناك احتلال فهناك حرب.. وما أخذ بالقوة لا يسترجع إلا بالقوة". تذكروا يا أصدقائي المطران هيلاريون كابوتشي جيدا.. فقد ترك لنا رصيداً هائلاً من الفخر والشجاعة في مواجهة الظلم واغتصاب الأرض والمقدسات.. وترك لنا نموذجاً رائعاً لرجل الدين الذي يعيش قضية شعبه ويضحي من أجلها.. وعندما يكتب تاريخ "لاهوت التحرير العربي" أو "لاهوت المقاومة الفلسطينية" سوف يأتي اسمه علي رأس القائمة كرمز ورائد.. ثم تأتي بعده أسماء مضيئة مازالت تسير علي الدرب.. لعل أشهرها المطران عطا الله حنا رئيس أساقفة سبسطية للروم الأرثوذكس في القدس. أتمني من وزير التعليم أن يضع هذه النجوم الزاهرة في مناهج الكتب الدراسية حتي يعرف أبناؤنا كيف كنا وكيف أصبحنا. ارقد يا سيدي المطران في سلام.. ارقد علي رجاء القيامة المجيدة.. طوبي لمن اخترته ليسكن في ديارك إلي الأبد.