غادر المطران الأب المناضل "هيلاريون كابوتشي" عالمنا فى أول أيام العام الجديد. إنه العام الذى تم إعلانه عام إنهاء الاحتلال الإسرائيلى لفلسطين. وعلى الرغم من عدم سماح الأقدار لرجل الدين المناضل بالبقاء فى عالمنا لمتابعة سلسلة حاسمة جديدة من قصة كفاح وطنه وكفاحه الشخصى الممتدة عدة عقود من أجل تحرير القدسوفلسطين العربية من الاحتلال، فإن أعمال رجل الدين المناضل المقاوم العربى بقت شاهدة على جهوده ومنارة تدفع أجيال على طريق تحرير فلسطينوالقدس. وكان قد أعلن عن وفاة المطران الأب المناضل “هيلاريون كابوتشي” عن عمر يناهز ال94عاما فى العاصمة الإيطالية روما فى الأول من يناير 2017. وقد نعت سفيرة فلسطين لدى ايطاليا الدكتوره مى كيله، المطران هيلارون كبوتشى 94 سنة فى كلمة القتها من مستشفى كارول فوتيلوا بالعاصمه الإيطالية روما قالت فيها : «بقلوب يعتصرها الحزن والألم ننعى إلى شعبنا الفلسطينى وإلى الشعب السورى الشقيق وإلى كافة أحرار العالم وفاة المناضل القومى والعروبى نيافه المطران كبوتشى الذى طبع اسمه فى كافه المحافل المدافعة عن حرية الشعوب وحقوق الإنسان». ولد المطران كابوتشي، فى مدينة حلب السورية عام1922، وكان مطرانا لكنيسة الروم الكاثوليك فى مدينة القدسالمحتلة منذ عام 1965، وعرف بمواقفه الوطنية وبدفاعه عن حقوق الشعب الفلسطيني، واعتقلته سلطات الاحتلال الإسرائيلى عام 1974 أثناء محاولته تهريب أسلحة للمقاومة، وحكمت عليه محكمة عسكرية بالسجن 12 عاما، وأفرج عنه بعد 4 سنوات بوساطة من الفاتيكان، ونفى من فلسطين فى عام 1978، ليعيش حتى وفاته فى المنفى فى روما. وفى عام 2009 كان المطران كابوتشى على متن سفينة الإغاثة «أسطول الحرية» التى كانت تحمل المساعدات لقطاع غزة المحاصر الذى اعترضته قوات الاحتلال وصادرت كل ما فيها وطرد كل من كان على متنها إلى لبنان، كما شارك المطران فى سفينة “مافى مرمرة” فى عام 2010، والتى هاجمتها قوات الاحتلال وقتلت عددا من الذين كانوا على متنها ومعظمهم من الأتراك. وقد أشارت وسائل الإعلام الفلسطينية إلى أن المطران عرف عنه نشاطه فى نقل الأسلحة للمقاومة الفلسطينية فى سيارته الخاصة، وبعد عدة عمليات نفذها وصلت مخابرات الاحتلال معلومات عن نشاط المطران وقاموا بمراقبته وتتبع تحركاته، واتضح بفضل إجراءات التتبع عام 1974 أن سيارته التى تحمل متفجرات تسير باتجاه القدس وأن كابوتشى نفسه ومساعده يستقلانها وتقرر إيقاف السيارة فوراً خشية انفجار المتفجرات بداخلها. ونقلت السيارة ومن فيها إلى مركز الشرطة فى معتقل المسكوبية القدس حيث تم تفكيكها وتفتيشها مما أدى إلى اكتشاف كميات كبيرة من الأسلحة ومنها 4 رشاشات كلاشينكوف ومسدسان وعدة طرود تحتوى على متفجرات بلاستيكية وصواعق كهربائية وقنابل يدوية وآلاف الأعيرة النارية. خلال التحقيق مع المطران كابوتشى أنكر فى البداية ضلوعه فى عملية التهريب قائلا إنه تم نقل الوسائل القتالية إلى سيارته دون علمه، غير أن خطابا عثر عليه معه أثبت ضلوعه فى هذا المخطط، وعندها اعترف كابوتشى بأنه تلقى حقيبتين ونقلهما بسيارته إلى الضفة الغربية حيث أخفاهما – كما أوعز إليه – داخل مدرسة الكنيسة اليونانية الكاثوليكية فى بيت حنينا بالقدسالمحتلة، وروى كابوتشى أيضاً أنه طلب منه فى شهر يوليو من العام نفسه نقل وسائل قتالية أخرى تم إخفاؤها فى أماكن مختلفة داخل سيارته لكن – كما سلف – تم ضبط السيارة عند اعتقاله, ووجه الاحتلال للمطران كابوتشى عدة تهم منها الاتصال والتعاون مع جهات معادية لإسرائيل وقد تم اعتقاله من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلى فى عام 1974 وحكم عليه بالسجن 12 عاما قضى عدة سنوات منها قبل ان يتوسط الفاتيكان ودول أوروبية للإفراج عنه وإبعاده إلى روما, وقد كرمته مصر والسودان وليبيا والعراق وسوريا والكويت بطابع بريد يحمل صورته ومنحه رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عباس وسام «نجمة القدس» تقديرا لتاريخه النضالى وثابته على المبادئ التى آمن بها وتقديرا لدفاعه عن حقوق شعب الفلسطينى العادلة. ومن أبرز أقواله لوسائل الإعلام : «أقول: ما أخذ بالقوة لا يستعاد إلا بالقوة، والقوة ليس دائما قوة السلاح، وحدة الصف، التضامن، هى السلاح الفتاك، هى حجر الزواية، هى المنطلق، هى الأساس، القوة بالاتحاد، والانقسام يؤدى إلى الضعف وبالتالى إلى الهزيمة، إذن المفروض اليوم، طالما أوضاعنا هكذا مأساوية أن ترتفع الأصوات، يمكن لنا نحن العرب أن نختلف فى ميادين كثيرة، إنما هناك موضوع يجمع شملنا كلنا، القدس، كلنا يتغنى بالقدس، عمليا ما الذى نعمله للقدس؟ المحبة إذا بقيت مجرد عاطفة ولم تتجسد بالأعمال، تكون كذبا ونفاقا وتدجيلا. وتساءل نحن العرب نتغنى فى القدس، ما الذى نعمله لأجل القدس؟ نحن العالم الإسلامى نتغنى فى القدس، ما الذى نعمله للقدس؟ نتغنى ولا نعمل شيئا، ومصيبتنا الكبرى فى تفككنا، كل بيت ينقسم على نفسه يخرب. واليوم لا حياة لنا مجددا دون رأب الصدع، وأقل ما يمكن من التضامن، دون ذلك لا يمكن أن نحقق شيئا.»