* يسأل علي فتحي من القاهرة: أثناء صلاتي لقيام الليل نادت عليَّ أمي تطلب بعض حاجتها غير انني فضلت اتمام الصلاة علي اجابتها. فهل هذا من العقوق؟ ** يجيب الدكتور عثمان عبدالرحمن مستشار العلوم الشرعية بالأزهر: فلتعلم أخي السائل ان والديك هما مصدر وجودك وأقرب الناس اليك. ومهما أحسنت اليهما لن توفيهما حقهما. وحسبك ترغيباً في طاعتهما أن تقرأ قول الحق تبارك وتعالي: "إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أفي ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً. واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيراً" الإسراء: 23 24". وهذا يعني أن طاعتهما واجبة. وحسبك تأكيداً لهذا المعني الكبير ان الرسول الكريم صلي الله عليه وسلم يقول: "ثلاث لا ينفع معها عمل: الشرك بالله. وعقوق الوالدين. والفرار من الزحف" "رواه الطبراني". وفي تقديم بر الوالدين علي التطوع بالصلاة وغيرها روي عن أبي هريرة رضي الله عنه انه قال: "كان جريج يتعبد في صومعة. فجاءت أمه. فقالت: يا جريج! أنا أمك كلمني فصادفته يصلي. فقال: اللهم أمي وصلاتي فاختار صلاته ثم نادت عليه المرة تلو الأخري وهو لم يجبها مفضلاً صلاة النافلة علي اجابة نداء أمه. فدعت عليه فقالت اللهم فلا تمته حتي تريه المومسات.." ولم يمت حتي استجاب الله تعالي لدعوة أمه. ولكن نجاة الله منها بالتقوي. وان في حديث جريج هذا فوائد كثيرة منها: عظم بر الوالدين وتأكيد حقهما. وان دعاءهما مجاب. وإذا تعارضت الأمور بديء بأهمها. وأن من يتقي الله يجعل له مخرجاً ويجعل له من كل ضيق فرجاً. ومن هنا فإجابة دعوة الوالدين من الوجوب. لأنك عزيزي السائل كنت في صلاة نفل والاستمرار فيها تطوع لا واجب. واجابة الأم وبرها واجب وعقوقها حرام. بل كان يمكن لك أن تخفف الصلاة وتستجيب لدعوة أمك ثم تعود لصلاتك. واعلم أيضاً عزيزي السائل ان تلبية دعوة الوالدين عموماً لا تقف عند حدود. وان طاعتهما واجبة أيضاً عند الغوث. وان ترك الفريضة لإغاثتهما أو إغاثة أحدهما فريضة أيضاً. ومن طريف ما يحكي هنا ما رواه البيهقي في كتابه "المحاسن والمساوئ" ان عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما وجه جيشاً إلي اليرموك قام اليه "أمية بن الأشكر الكناني" فقال: يا أمير المؤمنين هذا اليوم من أيامي لولا كبر سني. فقام اليه ابنه "كُلاب" وكان عابداً زاهداً فقال: لكني يا أمير المؤمنين أبيع لله نفسي. وأبيع دنياي بآخرتي. فتعلق به أبوه وقال: لا تدع أباك وأمك شيخين ضعيفين ربياك صغيراً حتي إذا احتاجا اليك تركتهما فقال كلاب: نعم أتركهما لما هو خير لي. فخرج غازياً بعد أن أرضي أباه. ولكن الأب يبكي والأم كذلك والأب يقول شعرا حزناً علي ابنه فبلغت هذه الأبيات عمر فأرسل إلي أبي موسي الأشعري برد كُلاب. فرجع إلي عمر بن الخطاب فسأله عمر قائلاً: بلغني ان أباك وجد بفراقك وجداً شديداً فبماذا كنت تبره؟ قال كلاب: كنت أوثره وأكفيه أمره. وكنت إذا أردت أن أحلب له لبناً أعزل ناقة في إبله فأسمنها وأريحها. وأتركها حتي تستقر. ثم أغسل أخلاقها حتي تبرد. ثم أحتلب له فأسقيه. فبعث عمر إلي أبيه. فجاءه. فدخل عليه. وهو يتهادي. وقد انحني فقال له عمر: كيف أنت يا أبا كلاب؟ قال الرجل: كما تري يا أمير المؤمنين. فقال عمر: هل لك من حاجة؟ قال الرجل: نعم. كنت أشتهي أن أري كلاباً. فأشمه شمة. وأضمه ضمة. قبل أن أموت. فبكي عمر. وقال: ستبلغ في هذا ما تحب إن شاء الله تعالي. ثم أمر كلاباً أن يحتلب لأبيه ناقة كما كان يفعل. ويبعث بلبنها اليه. ففعل. وناوله عمر الإناء. وقال: اشرب هذا يا أبا كلاب. فأخذه. فلما أدناه من فمه قال: والله يا أمير المؤمنين إني لأشم رائحة يدي كُلاب. فبكي عمر. وقال: هذا كلاب عندك حاضر. وقد جئناك به. فوثب الرجل إلي ابنه وضمه اليه. وقبله. فجعل عمر والحاضرين يبكون. وقالوا لكلاب: عليك بملازمة أبويك.