* يسأل أحمد ماهر أبوالعطا طالب بكلية الشريعة والقانون: أثناء أدائي لنافلة العشاء نادي عليَّ والدي بل وألح في النداء غير انني فضلت إتمام الصلاة علي إجابته فأخبرني بعض المقربين بأن هذا لا يجوز.. فما حقيقة ذلك؟ وهل يجوز تقديم بر الوالدين علي صلاة النافلة؟ ** يجيب الدكتور عثمان عبدالرحمن مستشار العلوم الشرعية بالأزهر: فلتعلم أخي السائل ان والديك هما مصدر وجودك وأقرب الناس إليك ومهما احسنت إليهما لن توفيهما حقهما.. وحسبك ترغيباً في طاعتهما ان تقرأ قول الحق تبارك وتعالي: "إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً. وأخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا" الاسراء: 23. 24 وهذا يعني ان طاعتهما واجبة. وحسبك تأكيداً لهذا المعني الكبير أن الرسول الكريم صلي الله عليه وسلم يقول: "ثلاث لا ينفع معهن عمل: الشرك بالله وعقوق الوالدين والفرار من الزحف" رواه الطبراني. وفي تقديم بر الوالدين علي التطوع بالصلاة وغيرها روي عن أبي هريرة رضي الله عنه انه قال: كان جريج يتعبد في صومعة.. فجاءت أمه فقالت: يا جريج أنا أمك كلمني فصادفته يصلي. فقال: اللهم أمي وصلاتي فاختار صلاته ثم نادت عليه المرة تلو الأخري وهو لم يجبها مفضلا صلاة النافلة علي إجابة نداء أمه فدعت عليه فقالت اللهم فلا تمته حتي تريه المومسات.." ولم يمت حتي استجاب الله تعالي لدعوة أمه ولكن نجاه الله منها بالتقوي. وأن في حديث جريج هذا فوائد كثيرة منها: عظم بر الوالدين وتأكيد حقهما.. وأن دعاءهما مجاب وإذا تعارضت الأمور بدئ بأهمها.. وأن من يتقي الله يجعل له مخرجاً ويجعل له من كل ضيق فرجا. ومن هنا فإجابة دعوة الوالدين من الوجوب لأنك عزيزي السائل كنت في صلاة نفل والاستمرار فيها تطوع لا واجب. وإجابة الأب وبره واجب وعقوقه حرام بل كان يمكن لك أن تخفف الصلاة وتستجيب لدعوة أبيك ثم تعود لصلاتك. واعلم أيضا عزيزي السائل ان تلبية دعوة الوالدين لا تقف عند حدود وان طاعتهما واجبة ايضا عند الغوث وأن ترك الفريضة لاغاثتهما أو إغاثة أحدهما فريضة ايضا ومن طريف ما يحكي هنا ما رواه البيهقي في كتابه "المحاسن والمساوئ" أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما وجه جيشاً إلي اليرموك قام إليه "أمية بن الأشكر الكناني" فقال: يا أمير المؤمنين هذا اليوم من أيامي لولا كبر سني فقام إليه ابنه "كُلاب" وكان عابداً زاهداً فقال: لكني يا أمير المؤمنين أبيع لله نفسي. وأبيع دنياي بآخرتي. فتعلق به أبوه وقال: لا تدع أباك وأمك شيخين ضعيفين ربياك صغيراً حتي إذا احتاجا إليك تركتهما فقال كُلاب: نعم اتركهما لما هو خير لي فخرج غازيا بعد ان أرضي أباه ولكن الأب يبكي والأم كذلك والأب يقول شعر حزناً علي ابنه فبلغت هذه الأبيات عمر فأرسل إلي أبي موسي الأشعري برد كُلاب فرجع إلي عمر بن الخطاب فسأله عمر قائلا: بلغني أن أباك وجد بفراقك وجداً شديداً فبماذا كنت تبره؟ قال كُلاب: كنت أوثره وأكفيه أمره.. وكنت إذا أردت ان احلب له لبناً أعزل ناقة في إبله فأسمنها وأربحها وأتركها حتي تستقر ثم اغسل أخلافها حتي تبرد. ثم احتلب له فأسقيه. فبعث عمر إلي أبيه فجاءه فدخل عليه. وهو يتهادي. وقد انحني فقال له عمر: كيف أنت يا أبا كُلاب؟ فقال الرجل: كما تري يا أمير المؤمنين. فقال عمر: هل لك من حاجة؟ قال الرجل: نعم كنت اشتهي ان أري كُلابا فأشمه شمة. واضمه ضمة. قبل ان أموت.