رغم كل البيانات والتصريحات والتقارير التي أعلنتها الحكومة عن استعداداتها لاستقبال السيول منذ منتصف أكتوبر الجاري فقد تكرر نفس المشهد المعتاد منذ سنوات للكارثة وبنفس التفاصيل.. غرقت عدة مدن في جنوبسيناءوالبحر الأحمر والصعيد في مياه الأمطار.. وسقط عشرات الضحايا.. وطفت أجساد الغرقي علي وجه الماء بالشوارع.. واكتشفنا أن كل ما قيل عن جاهزية البلاعات والمخرات كان مجرد كلام.. وما أبعد المسافة عندنا بين الكلام والحقيقة. نظرة سريعة علي ما نشر خلال الأسابيع القليلة الماضية من تقارير وبيانات حكومية.. والربط بينها.. يؤكد لكل ذي عينين اننا نعيش مأساة حقيقية.. إن الكلام يرسم صورة.. بينما الواقع يكشف صورة أخري منفصلة ومغايرة تماماً.. دون أن تكون هناك مساءلة ومحاسبة علنية لهذا الانفصال بين الكلام والواقع. في 17 أكتوبر الماضي أصدر مجلس الوزراء بياناً مطولاً عن اجتماع برئاسة المهندس شريف إسماعيل رئيس الوزراء مع عدد من المحافظين تقرر فيه تشكيل غرف عمليات مجهزة لمتابعة موقف السيول.. ثم علي مدي الأسبوعين الماضيين أصدرت الحكومة عدة بيانات عن استعداداتها برفع حالة الطوارئ في المحافظات الساحلية لمواجهة السيول والأمطار.. كما صدرت عدة بيانات عن استعدادات المحافظات لتقليل الآثار المترتبة علي سقوط الأمطار والسيول وتشكيل غرف عمليات كاملة التجهيزات تضم جميع المسئولين تتلقي تقارير يومية من كل الجهات.. وفي مقدمتها الأرصاد.. ثم حين سقطت الأمطار والسيول تبين ان هذه الاستعدادات لم تفلح في حماية المواطنين وممتلكاتهم.. وذهبت البيانات أدراج الرياح. وفي 27 أكتوبر الماضي صدر بيان من مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء يحمل عنوان "تفعيل غرفة عمليات متابعة السيول".. أي أن تفعيل غرفة العمليات بدأ بعد نحو 10 أيام من تشكيلها في 17 أكتوبر.. وبعد هطول الأمطار وتحولها إلي سيول.. واستتبع ذلك تغيير مهمتها لتصبح رصد الكوارث وليس تسجيل المخاطر قبل وقوعها ومساعدة صاحب القرار علي اتخاذ الاجراءات الاحترازية التي كان من بينها التنسيق مع المحافظات المجاورة للمحافظات المهددة لإمدادها بالاحتياجات وقت الضرورة ومراجعة موقف الترع والمصارف والتنسيق مع وزارة الري وتوجيه المواطنين بالاحتياطات الواجب اتخاذها وتوفير المعدات اللازمة من طلمبات النزح وسيارات الكسح واختبارها وتجهيزها علي النحو المطلوب. تم نشر تقرير حكومي آخر أشار إلي التنسيق بين وزارة التنمية المحلية والمحافظات لتشكيل لجان علي مستوي مختلف المحافظات من مراكز إدارة الأزمات والمياه الجوفية والطرق والكباري ومديريات الخدمات المعنية بالأزمات وتحديد أعضاء غرف العمليات وخطط العمل الموضوعة لمواجهة الأزمة حال حدوثها.. وأكد التقرير انه تم المرور علي مخرات السيول ومتابعة موقفها وتطهيرها من أي عوائق بها.. وحصر جميع المعدات والوقوف علي حالتها الفنية وأماكن وجودها.. بالإضافة إلي التأكد من توافر المواد التموينية والأدوية والمستلزمات الطبية. لكن بعد وقوع الواقعة تبخر هذا الكلام الجميل.. وأظهرته السيول انه كان مجرد كلام.. حبر علي ورق.. لا أصل له في الواقع. وإذا عدنا قليلاً إلي الوراء سنكتشف ما هو أسوأ.. ففي يونيه 2014 أعلنت حكومة المهندس إبراهيم محلب الخطة القومية لمواجهة أخطار السيول التي تضمنت إجراء الدراسات الخاصة بالسيول.. ووضع آلية عمل للتعامل مع الأزمة قبل وبعد حدوثها.. لتخفيف الأضرار الناتجة عنها والاستفادة من مياه السيول في حل مشاكل العجز المائي.. وقد تلاشت هذه الخطة تماماً ولم يسمع بها أحد.. ولم تنجح في تجنيب مدن البحر الأحمر والصعيد آثار السيول التي تضرب نفس المناطق تقريباً كل عام. بعد كل هذه التقارير والخطط يقول المسئولون في شرم الشيخ لزميلنا أشرف عبدالظاهر إن الأمطار الغزيرة فاجأتهم.. وانهم اكتشفوا ان مدينتهم السياحية بدون بالوعات. شيء لا يصدقه عقل!!