عندما امسكت بقلمي لأكتب مقالي أمس.. آثرت ألا أقترب في هذا اليوم بالذات من أي منغصات في حياتنا وتشغل بالنا وفكرنا ليل نهار. آثرت أن اتحدث عن "الحب".. المشاعر والقيمة والرزق والثروة الحقيقية للإنسان في هذه الحياة والتي لمستها حية نابضة من أسرتي وأهلي وزملائي وتلاميذي أمس.. في يوم ميلادي. نعم.. هم من أحبهم ويحبونني في الله دون مصالح أو غايات.. حب متبادل منزه عن أي غرض ولا يخضع لأية معايير مؤقتة أو مناصب زائلة بحكم سنة الحياة.. حب يترجم بمنتهي الدقة قيم وثوابت ديننا الحنيف التي لا يمكن محوها أو تغييرها تحت عناوين العولمة والحداثة.. الحب هو المشاعر الإنسانية في أرقي صورها. رنين تليفوني لم ينقطع من كل أحبابي. وموقعي علي الفيس وأيضا الواتس أب لم تتوقف فيه بوستات التهنئة والدعاء من القلب بصدق ومحبة وليس مجاملة. طول عمري أؤمن بأن الحب رزق بنص حديث المصطفي صلوات ربي وسلامه عليه حينما قال "رزقني الله بحب خديجة".. نعم رزق وثروة للإنسان في هذه الدنيا.. فما أروع أن يدعو لك محب أو تدعو له بظهر الغيب.. وما أجمل أن يأتيك اتصال أو بوست علي غير موعد يهنئك بيوم ميلادك في عبارات رقيقة وراقية حروفها دافئة ونقاطها تقطر حبا والدعاء فيها صادق وصادر من القلب.. ومن ثم يدخل القلب قبل مروره علي العين أو الأذن. علي مدي 12 عاما عشت متخوفا من عيد ميلادي.. ففي مثل هذه الليلة من عام 2004 ونتيجة الجهد الزائد علي الحد والأحداث الجارية في العالم خصوصا العراق وضغط العمل والمسئولية لم يتحمل قلبي وتوقف في غرفة العناية المركزة بمستشفي الهلال واعطي المونوتور خطا مستقيما يعني "البقاء لله".. لكن إرادة الله كانت فوق مهارة الأطباء وحداثة الأجهزة فعدت للدنيا ثانية لاعيش مع أهل وزملاء كفاح قدامي وجدد وتلاميذ أشرف بهم.. انهم جميعا الدعامة الحقيقية لقلبي الموجوع التي فاقت في دقتها دعامة الطب. لقد ظللت طوال السنوات الماضية منذ تلك الليلة المشئومة وكلما حل عيد ميلادي استمع لقصيدة "عدت يايوم مولدي" للشاعر الكبير كامل الشناوي ولحن وغناء المطرب الرائع فريد الأطرش وأنا أبكي وهو يقول "عدت يايوم مولدي.. عدت يا أيها الشقي.. الصبا ضاع من يدي.. وغزا الشيب مفرقي.. ليت يا يوم مولدي.. كنت يوما بلا غد".. ويزداد بكائي وهو يقول في الكوبليه الأخير الذي كنت أعيد سماعه أكثر من مرة "أنا عمر بلا شباب.. وحياة بلا ربيع..". لكني.. ألقيت أمس بهذه التخوفات جانبا ولم استمع للقصيدة المغناة بعد أن احاطني أحبابي من كل حدب وصوب يبثون حبهم ومشاعرهم ودعاءهم بصدق.. نعم فقد أغناني الله بهم. اللهم لا تحرمني من أحد منهم.. اللهم اسعد قلوبهم كما اسعدوني.. اللهم بارك في أولادهم وكن معهم دائما.. اللهم وفقهم إلي ما يرضيك ووسع أرزاقهم وحقق أمانيهم.. إنك نعم المولي ونعم النصير. وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين.