غيرت ثورة يوليو وجه مصر في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وانعكس هذا التغيير علي السينما التي تغيرت اتجاهاتها تغيراً جذرياً. فانتجت أعمالاً تخلد الثورة وتشيد بإنجازاتها وتمجد زعيمها جمال عبدالناصر. منها رُد قلبي. الباب المفتوح. الله معنا. بورسعيد. الأيدي الناعمة.. وبالمقابل حرصت أفلام أخري علي مهاجمة العصر الملكي وتوضيح سلبياته وإخفاقاته مثل أفلام: غروب وشروق. القاهرة 30. بداية ونهاية. في بيتنا رجل.. وعلي الرغم من تنوع وتعدد تلك الأعمال إلا أن البعض اعتبرها منخفضة المستوي من الناحية الفنية. ومليئة بالدعاية المباشرة للثورة. كما لم تنتج السينما المصرية أفلاماً تؤرخ لأحداث الثورة نفسها وتوثقها. فإلي أي مدي نجحت تلك الأعمال السينمائية في نقل حقيقة ما حدث في 23 يوليو؟ وهل مازلنا بعد مرور "64 عاماً" من الثورة نحتاج إعادة اكتشافها من جديد؟.. حدث خطير في البداية يري المؤلف "بشير الديك" أن ثورة يوليو حدث خطير في تاريخ مصر ولكنه للأسف لم يقدم سينمائياً بشكل جيد حيث إن مجموعة الأفلام السينمائية التي قدمت عن الثورة ليست بكثيرة علي الإطلاق وهي أيضاً لم تنقل الحدث بشكل كاف أي أنها لم تكن علي مستوي حدث الثورة. ويضيف: أعتقد أن السبب الرئيسي في هذا هو تأخر السينما. وتخلفها في ذلك الوقت. فالسينما في هذه الفترة كانت سينما واقعية. ويستكمل المؤلف بشير الديك حديثه قائلاً: إن قيمة ثورة يوليو لم تظهر فعلياً إلا خلال فترة الستينيات ففي هذه الفترة قدمت أعمالاً سينمائية لم تكن عن الثورة بشكل مباشر فهناك بعض الأفلام التني تناولت قضايا متعلقة بالثورة مثل التأميم والحياة في فترة الستينيات عموماً والحياة القومية والوطنية. لكن من حيث الثورة نفسها لا أري عملاً له أهمية أو قيمة فنية. ولكن فيلم "رُد قلبي" يرقي للحرفية إلي حد ما. وهو إنتاج عام 1957 من إخراج عز الدين ذوالفقار عن رواية يوسيف السباعي وبطولة شكري سرحان ومريم فخرالدين وحسين رياض وصلاح ذوالفقار وهند رستم فهذا الفيلم تم تصنيفه في المركز الثالث عشر ضمن أفضل 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية في استفتاء النقاد عام 1996 في احتفالية مئوية السينما المصرية.. ويبرز الفيلم بشكل واضح الطبقية التي كان يعاني منها الشعب قبل ثورة يوليو من خلال قصة حب الأميرة إنجي "مريم فخرالدين" ابنة الباشا وعلي "شكري سرحان" ابن الجنايني الذي يصبح ضابطاً في الجيش وتمضي عدة أعوام حتي ثورة 52 فيصبح "علي" رئيس لجنة مصادرة أملاك عائلة "إنجي" فتظن أنه لم يعد يحبها وجاء شامتاً لكنها سرعان ما تكتشف صدق مشاعره. يتفق معه في الرأي المخرج "مجدي أحمد علي" ويقول: "إن السينما وقت ذاك كانت كلاسيكية وقليلة للغاية ولم تكن هناك محاولة لنظرة مختلفة لثورة يوليو فلا يوجد فيلم حقيقي يعبر عن الثورة جميعها تقدم خطباً وشعارات رنانة فقط. ولايتوافر بها أي نوع من الأسرار الخاصة بالثورة. والجدير بالذكر أنه كانت هناك محاولة من قبل فيلم "ثمن الحرية" للتعبير عن عمق موضوع الثورة الذي تم إنتاجه عام 1967 من بطولة محمود مرسي وعبدالله غيث وصلاح منصور وكريمة مختار ومحمود الحديني ومحمد توفيق. بينما يقول الناقد "يوسف شريف رزق الله": إن السينما المصرية لم تستطع التعبير عن الثورة بشكل كبير ولكن في نفس الوقت لا نستطيع أن نلقي باللوم علي صناع السينما لأنها في الأساس دور الدولة ووزارة الثقافة التي تعد الجهة المنوطة بمثل هذه الأعمال وأتصور أنه كان يجب علي الدولة أن تختار عدداً من كتاب السيناريو لتقديم أعمال عنها. ويستكمل رزق الله قائلاً: من الممكن تقديم أفلام عن الثورة خاصة أنه في بعض الدول الأوروبية مثل فرنسا مازالت تقدم أعمالاً عن ثورتها حتي الآن. وتنافس بها في المهرجانات الدولية. وهو نفس الحال روسيا تقدم أفلاماً عن الثورة البلشفية فإن هناك أحداثاً في تاريخ البشرية تظل خالدة. فيما يعبر المخرج "محمد كامل القليوبي" عن أسفه لعدم تنفيذ عملاً سينمائياً عن الثورة بسبب تعنت الدولة التي لا تسعي في إنتاج مثل هذه النوعية من الأفلام. فضلاً عن أن الأفلام التي قدمت عنها لا تليق بالحدث. يؤكد القليوبي أنه من الممكن تقديم أعمال ناجحة عن الثورة في حالة تضافر كل الجهود وتوفير ميزانية للإنتاج من قبل الدولة. إثراء الثقافة وللمخرج علي عبدالخالق وجهة نظر مخالفة يقول: 23 يوليو ثورة بمعني الكلمة حيث أثرت الحياة الثقافية والفنية فنجد أن السينما ظهرت عليها آثار الثورة في فترة الستينيات فدائماً ما تظهر آثار الثورات بعدها بفترة قليلة. فنجد أن هناك أفلاماً سينمائية عديدة قدمت في الفترة ما بين الستينيات والسبعينيات فنحو 30 فيلماً يصنفون من ضمن أهم 100 فيلم في السينما المصرية. يضيف عبدالخالق: نجد أن بعد ثورة 52 تم إنشاء البنية الأساسية للثقافة المصرية متمثلة في معهد السينما. ومعهد الباليه. ومعهد النقد الفني. وانشأ القطاع العام الذي تولي إنتاج نحو 50 أو 60 فيلماً خلال فترة السيتينيات والسبعينيات. وهي أفلام جيدة جداً تناولت وثرة يوليو سواء بشكل مباشر أو غير مباشر مثل فيلم "غروب وشروق" للمخرج كمال الشيخ والكاتبان جمال حماد ورأفت الميهي وبطولة سعاد حسني وصلاح ذوالفقار ورشدي أباظة ومحمود المليجي إبراهيم خان والذي تدور أحداثه سنة 1952 بعد إخماد حريق القاهرة وأيضاً فيلم "الحقيقة العارية" لعاطف سالم من بطولة ماجدة وإيهاب نافع والذي صور السد العالي كمشروع قومي لعل الناس يشعرون بأنه مشروعهم من خلال تغليف قصة الفيلم الأساسية وهي السد العالي بقصة حب فكاهية مما أبعد الأحداث عن السياسة العامة للوطن.