«هنصحى بدري ولا متأخر؟».. سؤال حير المواطنين مع تغيير توقيت الساعة    هل تتغير الساعة تلقائي في الهاتف مع بدء التوقيت الصيفي؟    عاجل - قوات الاحتلال تقتحم نابلس الفلسطينية    صلاح: على جوميز عدم التأليف أمام دريمز.. وهذا هو أفضل تشكيل للزمالك    لقاء محتمل بين الأهلي والزمالك في أفريقيا هذا العام.. تفاصيل    مصر تضمن لقبي بطولة الجونة للاسكواش للرجال والسيدات بعد تأهل 4 للاعبين للنهائي    النيابة تقرر حبس المتهم في واقعة إنهاء حياة «طفل» شبرا الخيمة    انكسار الموجة الحارة.. الأرصاد تتوقع انخفاض درجات الحرارة اليوم الجمعة    حظك اليوم برج الدلو الجمعة 26-4-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    حفل افتتاح الإسكندرية للفيلم القصير يحتفي بالدورة العاشرة    كريم فهمي يروج لفيلم «السرب»: انتظرونا 1 مايو    «الإفتاء» تعلن موعد صلاة الفجر بعد تغيير التوقيت الصيفي    أذكار وأدعية ليلة الجمعة.. اللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا    جدعنة أهالي «المنيا» تنقذ «محمود» من خسارة شقى عمره: 8 سنين تعب    ناقد رياضي: الزمالك فرط في الفوز على دريمز الغاني    طارق السيد: ملف بوطيب كارثة داخل الزمالك.. وواثق في قدرات اللاعبين أمام دريمز    رئيس لجنة الخطة بالبرلمان: الموازنة الجديدة لمصر تُدعم مسار التنمية ومؤشرات إيجابية لإدارة الدين    إعلان نتيجة مسابقة المعلمة القدوة بمنطقة الإسكندرية الأزهرية    الحوثيون يستهدفون سفينة في خليج عدن ويطلقون صواريخ مجنحة على أهداف في إيلات    هيئة الغذاء والدواء بالمملكة: إلزام منتجات سعودية بهذا الاسم    لطفي لبيب ل صدى البلد: برتاح على سيرة أشرف عبد الغفور    إصابة 8 أشخاص في تصادم 3 سيارات فوق كوبري المندرة بأسيوط    عاجل.. رمضان صبحي يفجر مفاجأة عن عودته إلى منتخب مصر    أبرزها الاغتسال والتطيب.. سنن مستحبة يوم الجمعة (تعرف عليها)    أمريكا تستعد للإعلان عن عقود أسلحة بقيمة 6 مليارات دولار لأوكرانيا    بشرى سارة للموظفين.. عدد أيام إجازة شم النسيم بعد قرار ترحيل موعد عيد العمال رسميًا    "أكسيوس": مباحثات سرية بين مصر والاحتلال لمناقشة خطة غزو رفح    ليلى زاهر: جالي تهديدات بسبب دوري في «أعلى نسبة مشاهدة» (فيديو)    «زي النهارده».. استقالة الشيخ محمد الأحمدي الظواهري من مشيخة الأزهر 26 أبريل 1935    نقابة محاميين شمال أسيوط تدين مقتل اثنين من أبنائها    يونيو المقبل.. 21364 دارسًا يؤدون اختبارات نهاية المستوى برواق العلوم الشرعية والعربية بالجامع الأزهر    رمضان صبحي يحسم الجدل بشأن تقديم اعتذار ل الأهلي    الزراعة: منافذ الوزارة تطرح السلع بأسعار أقل من السوق 30%    أحمد كشك: اشتغلت 12 سنة في المسرح قبل شهرتي دراميا    عاجل - محمد موسى يهاجم "الموسيقيين" بسبب بيكا وشاكوش (فيديو)    "حزب الله" يعلن ضرب قافلة إسرائيلية في كمين مركب    ذكري تحرير سيناء..برلماني : بطولات سطرها شهدائنا وإعمار بإرادة المصريين    عيار 21 يسجل هذا الرقم.. أسعار الذهب اليوم الجمعة 26 أبريل بالصاغة بعد آخر انخفاض    مواقيت الصلاة بالتوقيت الصيفي .. في القاهرة والإسكندرية وباقي محافظات مصر    عاجل - تطورات جديدة في بلاغ اتهام بيكا وشاكوش بالتحريض على الفسق والفجور (فيديو)    أنغام تبدأ حفل عيد تحرير سيناء بأغنية «بلدي التاريخ»    هل العمل في بيع مستحضرات التجميل والميك آب حرام؟.. الإفتاء تحسم الجدل    القومي للأجور: قرار الحد الأدنى سيطبق على 95% من المنشآت في مصر    رضا عبدالعال: إخفاء الكرات بمباراة القمة كان في صالح الأهلي    فيديو جراف| 42 عامًا على تحرير سيناء.. ملحمة العبور والتنمية على أرض الفيروز    قيادي بفتح: عدد شهداء العدوان على غزة يتراوح بين 50 إلى 60 ألفا    المحكمة العليا الأمريكية قد تمدد تعليق محاكمة ترامب    استشاري: رش المخدرات بالكتامين يتلف خلايا المخ والأعصاب    الأقصر.. ضبط عاطل هارب من تنفيذ 35 سنة سجنًا في 19 قضية تبديد    حكايات..«جوناثان» أقدم سلحفاة في العالم وسر فقدانها حاستي الشم والنظر    السعودية توجه نداء عاجلا للراغبين في أداء فريضة الحج.. ماذا قالت؟    أنغام باحتفالية مجلس القبائل: كل سنة وأحنا احرار بفضل القيادة العظيمة الرئيس السيسى    «اللهم بشرى تشبه الغيث وسعادة تملأ القلب».. أفضل دعاء يوم الجمعة    عاجل - "التنمية المحلية" تعلن موعد البت في طلبات التصالح على مخالفات البناء    رئيس الشيوخ العربية: السيسي نجح في تغيير جذري لسيناء بالتنمية الشاملة وانتهاء العزلة    مواطنون: التأمين الصحي حقق «طفرة».. الجراحات أسرع والخدمات فندقية    يقتل طفلًا كل دقيقتين.. «الصحة» تُحذر من مرض خطير    قبل تطبيق التوقيت الصيفي، وزارة الصحة تنصح بتجنب شرب المنبهات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سينما ثورة يوليو.. الأفلام حاضرة والثورة علي المعاش
نشر في القاهرة يوم 17 - 07 - 2012

سيبقي ما حدث لفيلم "الله معنا" لغزاً كبيراً، باعتبار أنه أول فيلم متكامل، ومهم عن ثورة يوليو التي نحتفل هذه الأيام بعيد ميلادها الستين، فهو الفيلم الأضخم، والأكثر مباشرة حول هذه الثورة، رغم أن أفلاماً كثيرة تم انتاجها حول الموضوع نفسه، لكن لا شك أن أحمد بدرخان بتاريخه الوطني والسينمائي، وأنه أحد الذين صبغوا الكثير من أفلامهم بالسمة الوطنية، خاصة "الايمان" و"مصطفي كامل" ثم "سيد درويش" فيما بعد.. قد وضع كافة امكانات ستوديو مصر لصناعة هذا الفيلم. رغم أن الكثيرين ممن شاركوا في الفيلم، قد عاشوا سنوات الثورة وتحولاتها، فإن أحداً لم يتكلم عن السبب الذي جعل الفيلم يوضع في العلب لمدة تقارب الأعوام الثلاثة، دون أن يعرض، خاصة أن ثلاث من بطلات الفيلم لا يزلن علي قيد الحياة هن فاتن حمامة، وماجدة، وسميحة أيوب، فإنه من المهم أن نسمع شهادتهن، أو احداهن علي الأقل، فيما حدث للفيلم، وما هي الاضافات أو التغيرات الحادة التي طرأت عليه. ويبقي اللغز ماثلاً، لو رجعنا إلي ما كتبه، أو ما قاله، صاحب الفيلم، وهو المؤلف احسان عبدالقدوس، الذي بدا كأنه يعبر عن تجربته الخاصة، من خلال شخصية الصحفي الذي جسده شكري سرحان، حيث بدا كلام المؤلف غامضاً، لا يتضمن أي تفسير لما جري.. كما أنني لم أقرأ شهادة لأحد النقاد، أو الباحثين عما حدث.. مجموعة من الأوراق المتناثرة، تجعل المرء يبحث، صورة منشورة في أحد الكتب إلي جوار مقال حول زكي طليمات، حيث تبدو صورة الممثل في زي عسكري، أقرب الشبه إلي محمد نجيب، وهو واقف إلي جوار فاتن حمامة، بطلة الفيلم، ابن التاجر الثري الذي يتاجر في السلاح.. من الواضح أن الصورة التقطت خارج أحداث الفيلم، لكن من الواضح أيضاً أن الرئيس محمد نجيب موجود في الأحداث وباسمه.. وليس بأسماء مستعارة مثلما حدث لأغلب أبطال الفيلم، فنري ماذا كان دور نجيب في الأحداث.. هل كان يحمل زكي طليمات اسم رئيس الجمهورية في تلك الآونة، ولا شك أن اسناد الدور إلي ممثل في قامة طليمات، يعني ان دوره لا يقل عن الشخصية التي جسدها حسين رياض الذي قام بدور زكور، أو محمود المليجي الذي يقوم بدور تاجر السلاح الفاسد الذي تم توريده إلي الجيش في حرب فلسطين عام 1948 . الغموض هذا الأسبوع فقط، وقعت بين يدي وثيقتان في مجلات، لن يفسرا اللغز كله، ولكنهما سيحاولان القاء الضوء علي بعض الغموض، وربما أن كلام المؤلف نفسه في كلام نشرته مجلة "صباح الخير" يزيد الأمر غموضا. الورقة الأولي منشورة في مجلة "الكواكب" - 25 نوفمبر 1952 - أي بعد أربعة أشهر فقط من قيام الثورة، أو حدوث الانقلاب حسب حماسك، وهي فترة قصيرة للغاية لإعداد فيلم، لكن ما نشرته الكواكب يعطي الاحساس أن الفيلم كان قد قطع شوطاً طيباً في الاعداد والانجاز، أي أنه تم تأليفه، وتجهيزه، وتصويره كله أو بعضه في فترة قصيرة، ليساند الحدث الذي شهدته مصر في يوليو 1952. هذه الوثيقة عبارة عن اعلان شهري منشور في صفحة من صفحات المجلة، تحت عنوان "ستوديو مصر"، ثم "مجلة شهرية تصدر عن شركة مصر للتمثيل والسينما"، وقد ضمت الصفحة صورتين، الأولي من أحد المشاهد المتقدمة من الفيلم لفاتن حمامة "نادية" وعماد حمدي "الضابط" أما الصورة الثانية فهي لمحمود المليجي يحمل مسدسا يوجهه في الظلام إلي شخص أمامه، هو ابن أخيه الضابط في الفيلم، وهناك مادة تحريرية اعلانية تحت عنوان "الفن في خدمة الثورة"، أغلبها كلام دعائي حول دور الفن وعلاقته بالثورة المباركة، أما الفقرة الثانية، فإننا ننقلها بالكامل لأنها تكشف شيئاً ما عن الفيلم: "وقد كان استديو مصر أسبق الشركات السينمائية إلي الاستجابة لرسالة العهد الجديد، بالسعي إلي تصوير مساوئ عهد الطغيان، ونشر المبادئ التي قامت عليها الثورة المباركة وبيان أهدافها.. فأقدم الاستديو علي انتاج فيلم "الله معنا" الذي تتعرض قصته لمأساة الأسلحة الفاسدة التي استشهد بسببها كثيرون من خيرة ضباط الجيش وجنوده، وكانت وصمة لهؤلاء الطغاة المستهترين، وخيانة منهم في حق مصر.. وهكذا، وبمثل هذا الفريق يجند ستوديو مصر الفن في خدمة الثورة المباركة، أي في خدمة مصر، فيثب بالفن وثبة جديدة نحو النهضة والكمال.. السؤال هو إذا كان الفيلم قد صار يوم 27 نوفمبر 1952، كياناً أقرب إلي الكمال، فمتي تمت كتابته، وكم من الوقت استغرقت هذه الكتابة؟ وخاصة أنه في العمود التالي لهذه المادة الدعائية خبران عن الفيلم الاول انه "وافق الرئيس محمد نجيب علي أن يمثل الأستاذ زكي طليمات شخصيته في فيلم "الله معنا". أما الخبر الثاني فمفاده أنه "أسندت مهمة ادارة الانتاج في استوديو مصر إلي اليوزباشي محمد حلمي عبده ابراهيم"، للاشارة إلي عسكرة السينما، وخاصة أن هذا اليوزباشي سيكون مسئولا في الاشراف علي انتاج الفيلم، وهو اسم لم نره قط في دفتر الفيلم من ناحية، ولا علي عناوين الفيلم، حسبما نراه معروضا علي الشاشات. أنا والسينما في مقال كتبه رشاد كامل في مجلة صباح الخير يوم 26 يناير 2010، تحت عنوان احسان عبدالقدوس يتذكر: "أنا.. والسينما، وإلي جوار عناوين فرعية من طراز: أنور السادات شاهد فيلم "الله معنا" في عرض خاص" و"الدسائس منعت فيلمي الله معنا ثلاث سنوات وعبدالناصر أمر بعرضه.. تحدث احسان عبدالقدوس يفسر ما حدث لهذا الفيلم بغموض أكبر، حيث يقول عبدالقدوس "كنا في العام الاول من الثورة، وطلب مني أن أصور قصة الثورة في فيلم سينمائي، وكتبت القصة.. قصة الضباط الأحرار والأسلحة الفاسدة والملك فاروق والأحزاب القديمة، والصحافة والشعب.. وكنت مؤمناً أن الناس في حاجة إلي رؤية كل هذا في قصة، وأن أسرع طريق وأقربه إلي الناس لتقديم هذه القصة هو العمل السينمائي.. وسهرت ليال أكتب وأنا أحاول أن أكون سينمائياً.. وبذل ستوديو مصر جهدا كبيرا حتي أصبحت القصة معدة للعرض السينمائي في مدة قصيرة، ولكن. "كانت الثورة أيامها تجتاز مرحلة التنظيم، والاستقرار الداخلي، وقد تعرضت هذه المرحلة بكثير من الاشاعات والدسائس، وكل هذا شمل فيلم "الله معنا"، واحاطه بالكثير من الاشاعات كدت أنا شخصياً أروح ضحيتها مما أدي إلي أن يبقي الفيلم مختبئاً داخل العلب الصفيح حوالي ثلاث سنوات، ومما أدي إلي أن الرئيس السادات تردد بنفسه عدة مرات علي ستوديو مصر ليشاهد الفيلم في عرض خاصة ساعيا إلي اطلاق حريته وعرضه علي الجمهور إلي أن كنت يوماً مع المغفور له الزعيم الخالد جمال عبدالناصر، وجاءت سيرة "الله معنا" خلال الحديث، فقرر الزعيم أن يراه بنفسه، وتفضل ودعاني إلي مبني الاستراحة التي كان يقضي فيها أيام راحته في القناطر الخيرية، وهناك عرض الفيلم علي الرئيس وأنا معه.. ودهش رحمه الله بعد أن شاهد الفيلم من كذب الاسباب التي كانت تتردد والتي أدت إلي وقف عرضه، وأمر بعرضه فعلا.. وتفضل تحية وتأييداً للجهد الذي بذل في هذا الفيلم وحضر بنفسه عرض الفيلم في سينما ريفولي، وربما كان هذا أول فيلم يحضره جمال عبدالناصر، وبصفته الرسمية، حفل افتتاح عرضه، وكانت هذه أول قصة سينمائية أكتبها وتعرض علي الشاشة، وبعدها عدت مبتعداً عن العمل السينمائي!". تم نقل كافة ما نقله رشاد كامل عن احسان عبدالقدوس حول الفيلم، ولا شك أن ما كتبه المؤلف يزيد الأمر غموضاً، ويدعو إلي المزيد من التساؤلات، فالمؤلف لم يذكر قط مسألة وجود شخصية الرئيس محمد نجيب في السيناريو، ولا المشاهد التي صورت للرئيس في الفيلم، كما أن احسان اعترف أن الأمور كلها كانت في عجلة من الزمن، حتي أصبح الفيلم معداً للعرض السينمائي في مدة قصيرة، يمكن أن نقول حسب توقعات ستوديو مصر أشهر قليلة، مارس عام 1953 علي الأقل، وليس 14 مارس أي بعد عامين ونصف. كما أن الذاكرة بدت كأنها خانت المؤلف، حين أشار أن عبدالناصر حضر عرض الفيلم في سينما ريفولي، والوثائق التي بين يدينا تقول ان العرض تم في سينما ستوديو مصر، التي يمتلكها الاستوديو، وهذا خبر أكثر تصديقا. نسخة السادات لماذا لم يشر المؤلف إلي نقاط مهمة، وهي أي نسخة شاهدها السادات، وأي نسخة شاهدها عبدالناصر في العرض الخاص، لا شك أن الفيلم عرض جماهيرياً بعد خمسة أشهر من ابعاد محمد نجيب عن الرئاسة وتولي عبدالناصر مقاليد الحكم، كما ان احسان عبدالقدوس لم يشر إلي ما تكلم عنه من اشاعات ودسائس، ومن كانوا أطرافها، أي أننا كنا في حاجة إلي المزيد من التفسيرات علي لسان المؤلف، فمن الواضح أنه هو الذي كتب السيناريو الذي تم تصوير الرئيس نجيب في الأحداث، كما أنه لم يشر إلي التعديلات التي حدثت، ومن كان وراءها، ومن الذي كتب السيناريو الجديد، خاصة أن النسخة المعروضة يستغرق عرضها مائة دقيقة وعشر.. وهذه كلها أمور غامضة، ولم يتم الكشف عن تفاصيل حدوثها حتي الآن، في العيد الستيني للثورة. ولاشك أن ما حدث لفيلم "الله معنا"، كان يمكن أن يحدث لفيلم آخر هو "رد قلبي"، الذي عرض في نهاية عام 1957، عن رواية نشرها يوسف السباعي في عام 1954، أي قبل أن تنتهي أزمة الصراع علي السلطة بين عبدالناصر ونجيب لصالح الأول، وفي النص الأدبي المنشور للسباعي، وهو موجود حتي الآن في كل الطبعات، لم يمسسه أحد، فإن يوسف السباعي، الضابط، وزميل السلاح للضباط الأحرار، قد اعترف أن نجيب هو أول رئيس للثورة، وأنه موجود ضمن أحداث الرواية، لكن الضابط الآخر عز الدين ذو الفقار، الذي كتب السيناريو لفيلم "رد قلبي" قام بتغيير خط الرواية، و"كشط" وجود محمد نجيب تماما من الثورة، من أجل ارضاء الحاكم الذي صار في سدة الحكم، وذلك عندما تم تحويل الرواية إلي فيلم ضخم الانتاج أنتجته آسيا، ودبرت له ميزانية ضخمة، ربما أكبر من الفيلم السابق، فهو مصور بالألوان - سكوب، ومدة عرضه علي الشاشة وصلت إلي مائة وخمسين دقيقة. الفيلمان يتحدثان عن الضباط الأحرار، وعن الثورة، وايضا عن قضية فلسطين، ومزدحمان بأفلام كبار متعددين، وهناك أسماء مشتركة ظهرت في الفيلمين مثل شكري سرحان، حسين رياض، عدلي كاسب، أحمد علام، وشارك في بطولة هذا الفيلم ضابطا من سلاح الفرسان هو أحمد مظهر. إذا كانت سينما ثورة يوليو قد بدأت رحلتها، بطمس التاريخ الحقيقي، وعرض فيلم "الله معنا" الذي يحمل وجهة نظر ورضاء الرئيس الجديد في تلك الآونة، فإن السينما طوال حياة عبدالناصر ظلت تقدم الحقائق ناقصة حتي عام 1970، حين عرض فيلم "غروب وشروق"، لكمال الشيخ في السادس عشر من مارس أي قبل رحيل عبدالناصر بستة أشهر علي الأقل وسوف نري أن كمال الشيخ الذي أخرج "شيء في صدري"، وعرض في 30 أغسطس 1971 عن رواية حول الثورة لإحسان عبدالقدوس، وكتب لها السيناريو رأفت الميهي، فإنه ، من جديد، تم كشط ما يخص الثورة في الفيلم، ودارت الأحداث فقط في زمن ما قبل الثورة، أي أن السيناريو تم تفريغه تماماً من السياسة. محمد نجيب الآن، يمكن أن نري هذه الافلام التي شاهدها الناس باعجاب ملحوظ منذ الخمسينيات حتي فترة قريبة، بشكل مختلف، ففيما بعد، وبعد ان انتهي عصري عبدالناصر، والسادات، صار يمكن علي السينما أن تعيد وضع محمد نجيب في اطار الصورة المتكاملة للضباط الأحرار، وذلك في فيلمين من أفلام السيرة الذاتية وهما "جمال عبدالناصر" الذي أخرجه السوري أنور قوادري في مصر عام 1997، وفيه يظهر كافة الضباط الأحرار بمثابة شخصيات ثانوية إلي جوار كل من عبدالناصر والسادات، أي أنها كانت أقرب إلي الديكور، وقد صاحب الاهتمام بظهور عبدالناصر في أفلام عديدة مع النصف الثاني من التسعينيات، اهتماماً تابعاً بالسادات، وانتقل هذا الاهتمام إلي التليفزيون من خلال مسلسلات عديدة. في هذه الافلام، كان هناك تمجيد ملحوظ بأشخاص صنعوا الثورة، لكننا لم نر ابعاد الخلاف الذي دب بين ناصر ونجيب دراميا، أي أن السينما طوال ستين عاما وقفت تساند الثورة حتي وان انقذتها في مرحلة ما، لكن هذه السينما ما لبثت أن نظرت إلي الماضي "الثورجي" علي أنه أفضل من حاضر عقدنا فيه معاهدات سلمية مع اسرائيل، وتم انتهاك الأرض العربية بواسطة قوات أجنبية غاشمة. كنا قد تحدثنا في مقال منشور في القاهرة عن أفلام الثورة المألوفة، التي تم انتاجها لتناصر هذه المرحلة، ورجالها، وانجازاتها، في يوليو الماضي، وحتي لا نكرر الحديث نفسه، فإننا اليوم نتكلم عن سينما الفعل الثوري، بمعني أنه ما إن رسخت ثورة يوليو علي المستوي السياسي، والاجتماعي حتي تولدت
حالة من الثورة في موضوعات السينما، بمعني أن السينما لم تقم بثورة علي نفسها فقط وطورت موضوعاتها، بل صار التمرد، والثورة بمثابة "موضة"، أو "تقليعة" تفخر بها السينما في موضوعاتها، حتي وإن لم يكن الفيلم عن الثورة. وقد كانت البداية، حين عرض فيلم "مصطفي كامل" لأحمد بدرخان في 14 ديسمبر 1952، والذي قيل انه قد منع عرضه قبل الثورة، وان كان هذا الكلام في حاجة إلي أدلة حقيقية، فلم نعرف أن هناك فيلماً مصريا منع من العرض كاملا حتي الآن، فهذا فيلم عن واحد من أبرز المتمردين في مصر في بداية القرن الماضي، ثوري سياسي، عمل بشكل فردي، وقد مزج السيناريو بين نشاط مصطفي كامل، وبين ثورة 1919، أي أنه فيلم عن ثورة، وثائر، رغم أن مصطفي كامل لم يعش أحداث ثورة 1919 فإن الفيلم عمل مزيجاً من خلال الاستاذ الذي يقوم بالتدريس لتلاميذه، ويري أن أحد التلاميذ صورة جديدة من تلميذه القديم مصطفي كامل، ثم تعود الاحداث إلي الوراء، لنري مسيرة الزعيم الثوري. وفي الفترة نفسها ايضا عرض فيلم "يسقط الاستعمار"، لحسين صدقي، وهو أيضا مكتوب، وتم انجازه قبل الثورة، ومن يشاهد هذا الفيلم بسذاجته المتناهية، سوف يصاب بالزهد في مسألة الأفلام الوطنية. حكم قراقوش إلا أنه مع بداية عام 1953، بدأت السينما تتعامل مع الثورة بكافة أشكالها، وصار موضوع الثورة بارزاً في عشرات الأفلام، حتي وإن لم تشر إلي يوليو، ولعل فيلم "حكم قراقوش" الذي عرض في 30 أبريل من هذا العام دليلاً علي ما شهدته السينما من تحول للاهتمام بالوقوف ضد الحاكم واسقاطه، فهذا الحاكم التاريخي المعروف بطغيانه، يمارس سلطاته ضد الشعب، ويفرض قوته علي الناس ويدخل معارضيه السجون، كما أنه يسعي إلي استمالة قلب فتاة من الشعب،تعترض علي الارتباط به، فهي تقف ضده كظالم، وتحب شاباً آخر.. ويسعي الحاكم هنا إلي استمالة قلب الفتاة، فيقوم بتعيين أبيها رئيساً للوزراء.. ورغم ذلك فإن الفتاة لا تغير موقفها، أما الأب فإنه يستفيد من وظيفته فيقف إلي جوار الشعب، مما يجعل الناس يحبونه، ويوغل هذا مشاعر الحقد في قلب قراقوش، ليقوم بسجن رئيس وزرائه، مع ابنته، وهنا يثور الجيش ضد الطاغية، ويتم اخراج رئيس الوزراء من السجن، ويتولي الثائر مقاليد الحكم بعد اسقاط قراقوش.. من يقرأ القصة الحقيقية ل "قراقوش" سوف يري أن فطين عبدالوهاب مخرج الفيلم، قد وجه التاريخ لمناصرة المرحلة الثورية الجديدة التي ولدت مع يوليو 1952، أي أنه علي الشعب أن يثور ضد الحاكم ويسقط مثلما فعل الضباط الأحرار. كما أن فيلم "أحمد البدوي" لبهاء الدين شرف في نفس العام، هو ايضا فيلم عن ثائر ضد الظلم، حين يقف ضد فسق "بنت بري" حاكمة العراق، فهو يذهب إليها قادما من المغرب، ويواجهها ويحطم سلطانها، ويقمع حكمها.. فتترك الحكم.. وتصبح من اتباعه.. الثورة في هذين الفيلمين اللذين انتجا عام 1953، تمت في اطار تاريخي، وقد سقط الحاكم في الفيلمين، مثلما سقط فاروق في الواقع، اذن، فهذه الافلام كانت علي هوي الثورة، في الوقت الذي ظهرت فيه افلام اخري تقدم وجبة وطنية تتفق مع أهداف ورؤية الثورة، مثل موضوع هزيمة الجيوش العربية في فلسطين بسبب الأسلحة الفاسدة، وذلك في فيلم "أرض الأبطال" لنيازي مصطفي عام 1953 ايضا، فالابن الذي أصيب في الحرب هنا يكتشف أن أباه هو السبب في الاصابة، وأنه يتاجر في الاسلحة الفاسدة، ويعظم الفيلم مسألة الاسلحة الفاسدة التي عرف عليها الضباط الاحرار، وأكدوا أنها سبب هزيمتنا في فلسطين، وهو موضوع أثير فيما بعد، وثبت أنه كان مبالغا فيه بشكل ملحوظ، وان الامر يتمثل في ايجاد "حجة" لما أصاب الجيوش العربية من هزيمة. وفيما بعد بدأت السينما تنتج أفلاماً لمناصرة منجزات الثورة، خاصة موضوع الاصلاح الزراعي، وتحديد الملكية الزراعية وتوزيع الارض علي الفلاحين، حيث رأينا معالجة ساذجة في فيلم "الأرض الطيبة" اخراج محمود ذو الفقار، عام 1954، وقد كتب السيناريو والحوار يوسف جوهر المحامي، الذي قام بنفسه بانتاج وتأليف فيلم "أرضنا الخضراء" اخراج أحمد ضياء الدين عام 1956، أي أن يوسف جوهر قد كرس نقوده التي خسرها، وقلمه لمناصرة قضية الاصلاح الزراعي، ففي الفيلم الأول قامت الفتاة الريفية بتوزيع جزء كبير من أرضها التي ورثتها علي الفلاحين، أسوة بما فعل تولستوي في روسيا في بداية القرن العشرين، دون أن يذكر الفيلم ذلك بالطبع، أما الفيلم الثاني فهو عن اقطاعي يحاول انتزاع الأرض من أهالي العزبة، إلا أن أحد الفلاحين يقف ضده، وينقذ أرض الاهالي بأن يدفع له المبلغ الذي كان قد ادخره لفك رهن فدادينه. اذن فنحن في احداث ضد الاقطاع، واطماعه، ويبدو الاقطاعي هنا طامعا في الارض والنساء وانتزاع الملكيات والاستعانة بالسلطة الغاشمة، متمثلة في الشرطة، ويقدس الفيلم ملكية الأرض، وعدم التخلي عنها. صراع في الوادي وكم من افلام عزفت علي مسألة ان مالك الارض الزراعية كائن شرير، يطمع في الأرض، ويمارس المؤامرات، مثلما رأينا في "صراع في الوادي" ليوسف شاهين عام 1954، وهي موضوعات لم تكن السينما تناقشها قبل الثورة، وقد رأينا الموضوع نفسه يناقش بأساليب متشابهة في أفلام مثل "المارد" لسيد عيسي 1964، و"أدهم الشرقاوي" لحسام الدين مصطفي في العام نفسه. ولأن الجيش هو الذي قام بالثورة، فإن المرحلة التالية من الافلام كان هدفها اعلاء مكانة الجيش، والتعامل معه علي انه نموذج يحتذي به، وانه من الافضل علي الشاب ان يدخلوا الجيش مثلما فعل الشباب في أفلام عديدة، كي يصيروا مواطنين يملأهم الاحساس بالمسئولية، مثلما حدث في افلام من طراز "اسماعيل يس في الجيش، في الاسطول، بوليس حربي، في الطيران"، وكلها من اخراج فطين عبدالوهاب، وافلام اخري مثل "شياطين الجو" لنيازي مصطفي، و"وداع في الفجر" لحسن الامام عام 1956 . والطريف أن الافلام السينمائية، التي تم اخراجها عن حرب السويس عام 1956، أو ما أسماه الاعلام لدينا بالعدوان الثلاثي، قد جعلت المقاومة الشعبية هي البطل الرئيسي في افلام مثل "بورسعيد" لعز الدين ذو الفقار، و"سجين أبو زعبل" لنيازي مصطفي عام 1957، و"حب من نار" لحسن الامام 1958، حيث لم تكن هناك مباشرة إلي انتصارات الجيش أو هزائمه في هذه الحرب، وان كان فيلم "عمالقة البحار" للسيد بدير 1960، قد صور معركة البرلس بخسائرها ومكاسبها، وهنا رأينا مشاركة الجيش.. أي أن السينما المصرية كانت بالغة الذكاء في تقديم صورة رجال الثورة أثناء عدوان 1956، فإذا كانت القيادة السياسية قد جعلت من 23 ديسمبر عيداً لانتصار مصر علي الدول الثلاث التي اشتركت في العدوان، فإن السينما سايرت هذا النصر ونسبته إلي المقاومة الشعبية. في فترة لاحقة، كانت الثورة تلوح في الأفق من خلال افلام عديدة، مأخوذة عن نصوص ادبية، وكم قام كتاب السيناريو باضافة احداث وطنية مرتبطة بالمقاومة وثورة يوليو، مثلما حدث في فيلم "أنا حرة" لصلاح أبو سيف، حيث ان الرواية ليست بها اشارة أن الذي ربط بين أمينة، والصحفي هو النضال الوطني لتوعية الناس.. وقد ركز الفيلم الذي كتبه نجيب محفوظ علي أن البطلين صارا من الثوار، والمعارضين للملكية، وجعل القرآن الذي تم بين الاثنين في الثاني والعشرين من يوليو 1952 بمثابة انتظار ليوم جديد مليء بالاشراق، كما أن فيلم "في بيتنا رجل" لبركات المأخوذ عن احسان عبدالقدوس ايضا، قد ساند الثورة، من خلال مجموعة الشباب المناضلين، الذين خططوا لقتل أحد الوزراء الذين كانوا عملاء للانجليز، وكشف الفيلم أن الثورة لم تقم من فراغ، بل كان بدايتها هؤلاء الشباب الذين شاركوا ايضا في عمليات فدائية تفجيرية ضد منشآت الانجليز، وقد صار هذا الموضوع بمثابة تقليعة في سينما الستينيات، مثلما رأينا في "الباب المفتوح" لبركات ايضا، و"لا وقت للحب" لصلاح أبو سيف، وهي أفلام مأخوذة عن نصوص أدبية، لكتاب عرفوا بمساعدة الثورة . العمل كما أن اهداف الثورة، أخذت صياغة جديدة من خلال افلام تم انتاجها في الستينيات، ومنها علي سبيل المثال تقديس قيمة "العمل"، وهو الأمر الذي عزفت عليه الثورة في تلك المرحلة، وهي أعمال مأخوذة كذلك عن نصوص أدبية مثل "النظارة السوداء"، و"الأيدي الناعمة" لكن لا شك أن السينما قد أضافت موضوع اهتمام بطلي فيلم "النظارة السوداء" لحسام الدين مصطفي للاهتمام بالعمل، حين كان المهندس يزور العمال المصابين في المستشفي، والبيت، فقامت ماجي بتقليده في هذا السلوك، حين حاد خطيبها عن التزامه، أما "الايدي الناعمة" لمحمود ذو الفقار، فإن النص السينمائي كان أكثر اهتماماً بمسألة أن يعمل البرنس بدلا من أن يظل عاطلا، أكثر مما لاحظنا في النص المسرحي لتوفيق الحكيم، كما أن هناك افلاما اخري عديدة اهتمت بمسألة تقديس العمل، مثل "الحياة حلوة" لحلمي حليم عام 1966، وان كان العمل الذي رأيناه هنا يتمثل في العمل بالسياحة وليس في مجال الانتاج. ساندت ثورة يوليو الكثير من الثورات العربية في الواقع، أما السينما، فإنها ذهبت إلي ثورة الجزائر من خلال "جميلة" ليوسف شاهين عام 1958، وساندت ثورة "اليمن" لتقدم فيلما بنفس الاسم أخرجه عاطف سالم عام 1966، مأخوذ عن رواية نشرها صالح مرسي في مجلة روزاليوسف ولم يسع لتقديمها في كتاب، وقد كان يمكن للثورة أن تستمر في أن تجد دعما ملحوظا عن السينما، لولا هزيمة 1967، حيث تغيرت المفاهيم بشكل ملحوظ، وأعطي ذلك فرصة لانتقاد الثورة، وكان الفترة من 1966إلي 1967 هي التي شهدت أكبر عدد من الافلام التي تناصر الثورة ومنجزاتها وأهدافها في أفلام من طراز "الدخيل" لنور الدمرداش، و"وداعا ايها الليل" لحسن رضا و"شياطين الليل" و"من أحب" لماجدة، و"سيد درويش" لبدرخان، و"إضراب الشحاتين" لحسن الامام، وايضا "نادية" لبدرخان ايضا. وقد آثرنا أن نتوقف عند المرحلة التي انتهت برحيل عبدالناصر، وكان فيلم "غروب وشروق" وهو آخر فيلم يناصر الثورة ضد النظام الأسبق عليه، حيث إن الصورة تغيرت تماما بعد أن تولي أنور السادات مقاليد الحكم، وظهر ما يسمي ب "15 مايو". الآن لقد بلغت ثورة يوليو سن الاستيداع.. فتري هل قيام ثورة يناير ساعد في شيخوختها، وان صعود الاخوان المسلمين إلي الحكم سوف يدفع بهم لتصفية حساباتهم مع الثورة ورموزها..؟ نحن في الانتظار.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.