موعد إطلاق جامعة القاهرة الأهلية: التسجيل الإلكتروني لبيانات الطلاب تمهيدًا لإبداء الرغبات    وفقا للقانون.. تعرف على حالات تتسبب فى وقف ترقيات الموظفين    بدائل الثانوية العامة محاصرة بالشكاوى.. أزمات مدارس «ستيم» تثير مخاوف العباقرة    أسعار العملات اليوم السبت 16-8-2025.. الدولار ب48.28 جنيه للشراء    أسعار الدواجن اليوم السبت 16 أغسطس 2025.. بكام النهاردة؟    90 دقيقة متوسط تأخيرات «بنها وبورسعيد».. السبت 16 أغسطس 2025    العالم هذا الصباح.. الأجواء الإيجابية تسيطر على لقاء الرئيسين ترامب وبوتين.. لافروف: واشنطن قد ترفع بعض العقوبات المفروضة على موسكو.. وبوتين بعد انتهاء القمة التاريخية مع ترامب: المحادثات بناءة وإيجابية    اتصال هاتفي بين وزير الخارجية والممثلة العليا للشئون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي    18 قتيلا و24 مصابا في حادث سقوط حافلة وسط العاصمة الجزائرية.. صور    مساعد الرئيس الروسي: لم يتم بحث عقد اجتماع ثلاثي بين بوتين وترامب وزيلينسكي    إعلام فلسطيني: جيش الاحتلال يوسع نطاق العمليات العسكرية شمالي قطاع غزة    ارتفاع حصيلة ضحايا الفيضانات في شمال غرب باكستان إلى 220 شخصا    جدول مباريات اليوم.. الزمالك ضد المقاولون.. ظهور مرموش.. ومواجهة برشلونة    لماذا بكى محمد صلاح بعد مباراة ليفربول وبورنموث؟ (فيديو)    اليويفا يتضامن مع أطفال غزة| «تويتة صلاح».. صاروخ في صدر العدوان الصهيوني    «أدوله حقه الماتش اللي فات شيلتوه الليلة».. رضا عبدالعال يوجه رسالة ل جماهير الأهلي بشأن نجم الفريق    الطقس اليوم.. انكسار الموجة شديدة الحرارة على أغلب الأنحاء والعظمى بالقاهرة 36    استخراج سائق وتباع احتجزا داخل سيارة نقل انقلبت أسفل كوبرى أكتوبر.. صور    ننشر أسماء ال10 حالات المصابين بالتسمم في جنوب المنيا    مصرع وإصابة 15 شخصًا في حادث تصادم ميكروباص بسيارة نقل بالوادي الجديد    وفاة والدة الفنان صبحى خليل وتشييع جثمانها بعد صلاة الظهر بالغربية    تفاصيل إخلاء سبيل عبد الرحمن خالد في واقعة فيديو المتحف المصري الكبير    هاني شنودة الأبرز.. تكريم 12 مُبدع بافتتاح مهرجان القلعة للموسيقى    وزارة الأوقاف تحدد 15 نقطة لاستغلال وقت الفراغ والإجازة الصيفية.. اعرفها    مدير الرعاية الصحية بالأقصر يقود جولة على 5 مستشفيات لمتابعة خدمات المواطنين    اليوم.. سيولة مرورية بمحاور وميادين القاهرة والجيزة    موعد إجازة المولد النبوي الشريف لعام 2025 في مصر    إخلاء سبيل صاحب فيديو المتحف المصري الكبير    السيسي يوافق على ربط موازنة الهيئة الوطنية للإعلام لعام 2025-2026    أول تعليق من مدرب فاركو بعد الخسارة أمام الأهلي    عيار 21 الآن بالمصنعية.. سعر الذهب اليوم في مصر السبت 16-8-2025 بعد الهبوط الكبير    عمر طاهر عن الأديب الراحل صنع الله إبراهيم: لقاءاتي معه كانت دروسا خصوصية    حلا شيحة تفاجئ جمهورها ب إطلالة محتشمة في أحدث ظهور.. ماذا قالت؟    حظك اليوم وتوقعات الأبراج    بعد حريق محطة سلوا، عودة الكهرباء إلى أكثر من نصف مساكن إدفو في أسوان (صور)    هل كتبت انتخابات الشيوخ نهاية الأحزاب ذات المرجعية الدينية؟ صبرة القاسمي يجيب    الصحة تخصص خطا ساخنا لمعرفة أماكن توفير تطعيم السعار    ترامب يغادر ألاسكا بعد قمته مع بوتين    بوتين يدعو كييف والقادة الأوروبيين إلى عدم عرقلة "التقدم الناشئ"    حيل ذكية لتخفيف الغثيان في الشهور الأولى من الحمل    محمد معيط يشارك في عزاء وزير التموين الأسبق علي المصيلحي    بالأسماء.. تفاصيل إصابة 10 أشخاص من أسرة واحدة باشتباه تسمم جنوب المنيا    مصرع طفل غرقا في حمام سباحة ببني سويف    محاكمة 53 متهمًا في قضية "خلية القطامية".. السبت    عبيدة تطرح فيديو كليب أحدث أغانيها «ضحكتك بالدنيا»    قرار عاجل من النيابة بشأن صاحب فيديو المتحف المصري الكبير    مفاجآت في قائمة الزمالك لمواجهة المقاولون العرب    بقيادة صلاح.. ليفربول يفوز بصعوبة على بورنموث برباعية في افتتاح البريميرليج    السيطرة على حريق بمحطة كهرباء الحصايا بأسوان    «مرسال» يعلن إطلاق مبادرة الإستثمار الزراعي في كينيا    ب«الجبنة القريش والبطاطس».. طريقة تحضير مخبوزات شهية وصحية (خطوة بخطوة)    ماذا قال ريبيرو بعد فوز الأهلي على فاركو برباعية ؟    تنسيق المرحلة الثالثة 2025 علمي علوم ورياضة.. كليات ومعاهد متاحة والحد الأدنى 2024    «لو بتكح كتير».. تحذير قد يكشف إصابتك بمرض رئوي خطير    وزير الأوقاف يختتم زيارته لشمال سيناء بتكريم 23 شابا وفتاة من حفظة القرآن الكريم بقرية 6 أكتوبر بمركز رمانه (صور)    وزير الأوقاف السابق: إذا سقطت مصر وقع الاستقرار.. وعلينا الدفاع عنها بأرواحنا (فيديو)    خطيب المسجد الحرام: الحر من آيات الله والاعتراض عليه اعتراض على قضاء الله وقدره    حكم من مات في يوم الجمعة أو ليلتها.. هل يعد من علامات حسن الخاتمة؟ الإفتاء تجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في السينما «ناصر»..المحارب..الثوري.. الديكتاتور.. الزعيم
نشر في القاهرة يوم 29 - 05 - 2012

ما إن نجح الضباط الأحرار في اعتلاء السلطة عقب يوليو 1952، وتولي المسئولية الدولية الرئيس محمد نجيب كأول رئيس لجمهورية مصر العربية، حتي بدأ الإعداد للتو لإنتاج فيلم ضخم عن الثورة، وأسبابها ورجالها وقد كتب الفيلم الصحفي والروائي احسان عبدالقدوس في سابقة هي الوحيدة من نوعها، حيث ان ما كتبه غير مأخوذ عن نص أدبي، وهو أقرب إلي سيرة خاصة به، مرتبطة بمقالاته عما أسماه بالأسلحة الفاسدة التي كانت سبباً في هزيمة الجيوش العربية في حرب فلسطين، وعن صداقته بالضباط الأحرار. كان أول خبر عن الفيلم الجديد قد نشر في مجلة الكواكب في ديسمبر من عام 1952، وبدا أحمد بدرخان في اخراج "الله معنا" ابان رئاسة محمد نجيب، وظل طوال عام 1953 يقوم بإعداد الفيلم الذي استوحي رحلة الضباط الأحرار حتي قاموا بطرد الملك فاروق، وكان السيناريو الأول معداً بحيث ان قائد الثورة هو اللواء محمد نجيب وقد قام زكي طليمات بتجسيد شخصية نجيب، ومن الواضح أن دوره كان كبيراً قياساً بقوة اسمه، وهناك صور تم الحصول عليها وهو يجسد هذه الشخصية.. لكن فجأة دب الصراع بين الرجلين الأقوي في الثورة، وانفرد عبدالناصر بالحكم، وتغير السيناريو تماماً، وتم محو دور محمد نجيب واختفي اسم زكي طليمات من عناوين الفيلم، وعرض "الله معنا" في 14 مارس عام 1955، أي بعد عامين من بداية انتاجه. وهكذا تعاملت السينما مع أول حاكم في جمهورية مصر، ان أنكرت وجوده تماماً، وقد تكرر الأمر نفسه في فيلم "رد قلبي" الذي عرض في أواخر عام 1957، عن رواية يوسف السباعي، أحد أفراد الدفعة التي تخرج فيها عبدالناصر في الكلية الحربية، ومن اخراج ضابط من نفس الدفعة هو عزالدين ذو الفقار. أول رئيس جمهورية كانت الرواية التي نشرها السباعي عام 1954 تتحدث أن نجيب هو أول رئيس لمصر، وقد تواجد اللواء بقوة في الرواية، ربما أكثر من عبدالناصر نفسه، إلا أن الرواية بدأ انتاجها عقب العدوان الثلاثي، وكان عبدالناصر قد أمسك بزمام الحكم، وصار بطلاً قومياً، بعد توقيع اتفاقيات الجلاء، وتأميم قناة السويس، وما قيل عن انتصار سياسي بانسحاب القوات الغازية في 23/12/1956، وبالمناسبة فإن العرض الأول ل "رد قلبي" قد تم تقريباً بعد عام من نهاية العدوان، وكانت هناك فرصة أمام عزالدين ذوالفقار أن يمحو الحقيقة التاريخية المذكورة في الرواية، وهي أن محمد نجيب هو أول رئيس للجمهورية، وأول قائد للضباط الأحرار.. وهكذا اختفي الرئيس الأول، ولم يتعمد الفيلمان إظهار عبدالناصر في الحكاية بشكل مباشر، بل هناك ما يشبه القيادة الجماعية، تتمثل في الضباط الأحرار، ابتداء من أحمد الضابط الذي فقد يده اليمني في حرب فلسطين وعاد كي ينتقم من عمه الذي كان وراء قضية الأسلحة الفاسدة، وأحمد هذا جعل من بيته ملتقي لزملائه من الضباط الغاضبين علي ما حدث في فلسطين، والذين أقسموا اليمين، وصاروا من الضباط الأحرار، كما أن هناك مشهداً مشابهاً في فيلم "رد قلبي" حين ردد أحد الزملاء قائلاً: "انت من الأحرار يا علي" ورأينا الضباط يجلسون حول مائدة دائرية، ويقسمون بالمصحف الشريف. في هذين العملين، لم يكن عبدالناصر كحاكم هو البديل لوجود محمد نجيب، لكن كانت هناك قيادة جماعية تتمثل في مجلس قيادة الثورة، ولم تكن صورة جمال عبدالناصر قد بدأت تتصدر الشاشة، كان علي السينما أن تنتظر حدثاً عظيماً، مثل العدوان الثلاثي، وقد تصدي لهذا الحادث أيضاً عز الدين ذو الفقار الذي كتب القصة والسيناريو، في هذه الآونة كان عبدالناصر هو الزعيم الأوحد والأول للبلاد، هو الذي اتخذ قرار تأميم قناة السويس الذي أعقبه قيام وحدوث العدوان الثلاثي، وفي فيلم "بورسعيد" الذي عرض في يوليو 1957 وقفت فتاة من بورسعيد "هدي سلطان" تسمي وفية، وبعد أن سمع الشعب كله خبر التأميم، فإن الفتاة من شرفتها، وإلي جوارها أسرتها، أطلت علي أبناء حي العرب تغني للناس، وتوجه كلامها إلي الزعيم وتطالبه أن يؤمم القنال.. قائلة:"أمم جمال القناة". هذه الفتاة مخطوبة للعريف طلبة، وهي ضريرة، مغلوبة علي أمرها، وكلمة "أمم" هنا هي فعل الأمر من تأميم، أي أنها تطلب من عبدالناصر أن يؤمم القناة كي تعود، حسب كلمات النشيد إلي المصريين: "أمم جمال ولا تخف.. اننا هنالك النداء"، "وما عاد يحكم غاصب يا مصر يا أم الهرم"، و"جمال مصر قد حكم". كان عبدالناصر قد نال مكانته في الأغنية المصرية بالمناسبات التي غناها كبار أهل الطرب وعلي رأسهم أم كلثوم، وعبدالحليم حافظ، لكن هذه هي تقريباً أول أغنية سينمائية تتغني باسم عبدالناصر، وقد ارتبطت هنا بالحرب، والمقاومة، وقد عرض الفيلم، ولاتزال الحرب ماثلة في أذهان المصريين، ورأينا أبناء بورسعيد يعلقون صورة الزعيم علي الجدران التي سوف تنال من مدفعية وطائرات القوات المعتدية. سجين أبوزعبل الغريب أن فيلماً آخر حول نفس الحرب عرض في الأسبوع نفسه، هو "سجين أبو زعبل" لنيازي مصطفي، قد خلا من الأغنية، كما أن صورة عبدالناصر لم تكن قد انتشرت بعد، وعليه فإن الذاكرة لا يحضرها أي أفلام أخري بها غناء لعبدالناصر، وذلك بخلاف ما كان يحدث في الأغنية الإذاعية، وقد رأينا صورة عبدالناصر في مرات قليلة، وتغيرت الصورة من الضابط الشاب الذي يرتدي الزي العسكري إلي صورته المدنية وهو يضحك، وقد رأينا الصورة الأولي في خلفيات فيلم "عمالقة البحار" اخراج السيد بدير عام 1960، حول معركة البرلس، أما الصورة الثانية فقد رأيناها في خلفية الجدران لفيلم "وطني وحبي"، وهو فيلم عن الوحدة بين مصر وسوريا، والاستخبارات، أخرجه حسين صدقي عام 1960 . ومع بداية الستينات، كانت الأغنيات الوطنية تتباري في الغناء لعبدالناصر في الإذاعة، حيث غني عبدالوهاب "ناصر كلنا بنحبك"، وردد عبدالحليم "أبو خالد نوارة بلدي"، أما السينما فقد اهتمت بإنتاج أفلام عن حرب فلسطين، أو عن المدي الثوري.. إلي أن حدثت حرب اليمن، ورأينا الناس يحملون صورة عبدالناصر، وهم يستقبلون الجنود العائدين من اليمن في فيلم "منتهي الفرح" لمحمد سالم 1963، وما إن حلت نكسة 1967 حتي خبا الصوت الغنائي لعبدالناصر، وظهرت أفلام تنتقد التجربة الثورية، إلي أن رحل عبدالناصر، وتمكن أنور السادات من التخلص من خصومه، وكان أغلبهم من رجال عبدالناصر، ثم بدأت مرحلة انتقاد عصر عبدالناصر، وتصويرها علي أنها امتلأت بالمعتقلات السياسية وإخراس الأصوات الحرة، وقد حدث ذلك بقوة في فيلم "الكرنك"، حيث بدأت السينما تنقلب علي حاكم مصر السابق الذي تم تقديسه في أثناء حكمه، وما إن رحل حتي رُئي فيه الطاغية من السينما نفسها التي مجدته بقوة. لكن هناك مرحلة انتقالية بين الفترتين، تمثلت في ظهور عبدالناصر بوجهه الحقيقي، في شكل تسجيلي، وهو يلقي بخطاب التنحي في التاسع من يونية عام 1967 في فيلم "العصفور" ليوسف شاهين عام 1974، رأي الناس بعد عدة سنوات من الخطاب، ومن رحيل زعيمهم السابق، الرئيس وقد بدا منكسراً، وهو يلقي بخطابه والغريب أن شاهين قد زور الواقع بشكل فج، وقلل من مكانة عبدالناصر، حيث ان الناس في الواقع خرجت جموعاً إلي الميادين تنادي باسم عبدالناصر ألا يتنحي، أما بهية فقد قادت مظاهرة في الفيلم، وهي تردد "حنحارب.. حنحارب"، ولا أعرف لمصلحة من هذا التغيير، حيث إن الناس نسيت التاريخ، وصدقت الفيلم. لازم يموت السينما انقلبت بوضوح علي زعيم مصر، فإذا كان أحد الخواجات الذين يعيشون في بورسعيد قد ردد: عبدالناصر لازم يموت، مما يعطي الايحاء أن العدوان الثلاثي علي مصر لم يكن يهدف إلي استعادة قناة السويس للشركة الفرنسية البريطانية، لكن التخلص في المقام الأول من جمال عبدالناصر، فإن صورة هذا الزعيم بدت منكسرة لشخص محطم منهزم، يبغي التخلي عن الحكم، والمسئولية في "العصفور" وبعد أن أطلق يوسف شاهين علي صلاح الدين الأيوبي اسم "الناصر" في فيلمه الذي أخرجه عام 1963، فإن شاهين ايضاً قد تجاهل تصوير أو اظهار عبدالناصر حين قام بضغط زر تحويل مجري النيل في حضور الرئيس السوفييتي خروشوف عام 1964، وذلك في فيلم الناس والنيل 1972، وهو الفيلم الذي تم انتاجه مرتين.. فالفيلم تدور أحداثه حول السد العالي، وهو مشروع قومي دفع عبدالناصر الكثير من المعاناة من أجل انجازه ابتداء من تأميم القناة، وافتتاح المشروع في يناير 1960، ثم تحويل مجري النهر. الحقيقة العارية والغريب أن عبدالناصر الذي كان يحب السينما، فإن الأفلام التي صورت المشاريع الكبري، خاصة السد العالي، لم تتم فيها أية اشارة إلي دور الرئيس، مثلما حدث في "الحقيقة العارية" لعاطف سالم 1963، و"الناس والنيل" 1972 . في الأفلام الانتقادية للحكام لم يكن الحاكم يظهر بشكل مباشر، مثلما حدث مع الملك فاروق، ثم مع جمال عبدالناصر وقد ساعد علي فتح باب انتقاد عصر عبدالناصر هو انتاج فيلم "الكرنك" لعلي بدرخان عام 1975، ثم عرض مجموعة من الأفلام التي انتقدت عصر عبدالناصر بقوة مثل "وراء الشمس" لمحمد راضي 1977، و"أسياد وعبيد" لعلي رضا عام 1977 ايضا، و"احنا بتوع الاتوبيس" لحسين كمال عام 1979، و"شاهد اثبات" لعلاء محجوب "1986، وايضا الاشارة التي تصدرت فيلم "البريء" عام 1995 لعاطف الطيب. ففي فيلم "الكرنك" يقوم خالد صفوان مثلا بالاتصال بالقائد السياسي، حيث يبغله أن كل شيء علي ما يرام، بما يعني أن الرئيس يعلم، وهذا الرجل هو رئيس جهاز الاستخبارات في عصر عبدالناصر، لديه شعاره الخاص، وهو "أنا اؤذي، اذن، فأنا أعمل.. وهو حسب طبيعة عمله، وطبيعته، يبدو ناعم الملمس، رقيق العبارات، ثم يتحول عند لحظة ما إلي وحش كاسر، خاصة عندما يسعي للضغط علي المقبوض عليه من أجل أن يعترف بمعلومات علي زملائه. وقد ظهرت بعد فيلم "الكرنك" مجموعة أفلام أخري عن المعتقلات في فترة حكم عبدالناصر، وهناك فارق واضح بين نهايات افلام تدين الملكية، والافلام التي تدين التعذيب في عصر عبدالناصر، ففي النوع الأول كان الأمل في نهاية هذا التعذيب يأتي من قيام ثورة يوليو، والافراج عن المعتقلين الوطنيين، أما الأمل في نهايات أفلام «الكرنك» فكان يتمثل في قيام حركة 15 مايو، سميت في هذه الافلام "ثورة التصحيح" ثم في حرب اكتوبر، فحسب الافلام، فإن ما يوضح الابواب للذين عاشوا وراء القضبان بتهم سياسية ملفقة. وراء الأسوار ومن الواضح أن فترة النكسة، التي كان عبدالناصر مسئولا عنها، كانت مدة خصبة لادانة مراكز القوي، والبحث عن أشخاص يتحملون مسئولية الهزيمة، وقد استوحي فيلم "احنا بتوع الأتوبيس" من قصة حقيقية دونها الصحفي جلال الدين الحمامصي في كتابه "حوار وراء الأسوار" والقصة تدور في الستينات، من خلال ما يجري في معتقل، تتم فيه كل أشكال التعذيب لمجموعة من المعتقلين، من بينهم شخصان تشاجرا في حافلة ونقلا إلي المعتقل وسط معارضين سياسيين. وقد جاءت قسوة الاعتقال هنا أن كلا من جابر ومرزوق، جسدهما عادل امام وعبدالمنعم مدبولي، هما في المقام الاول بريئين، يساقان إلي السجن الحربي، ويتم استقبالهما كأنهما من الأعداء، ويتهمان بتوزيع منشورات تدعو إلي قلب نظام الحكم، وعن طريق الضغط والتعذيب يطلب منهما الضابط المسئول أن يوقعا أنهما مدانان، فيرفضان، ثم يتعرضان لكل أشكال التعذيب، وقد جرت هذه الوقائع قبل يونية 1967، فلما حدثت النكسة، ازدادت حالة القنوط واليأس لدي الناس، ويحس الجاويش عبدالمعطي، من ادارة المعتقل، بحالة من التحول، مثلما سري في حالة أحمد سبع الرجال، في فيلم "البريء"، ومثلما جري في نهاية فيلم "ثمن الحرية" لنور الدمرداش 1964، فيثور ضد رئيسه الأعلي، ويطلق عليه الرصاص. برحيل أنور السادات توقفت هذه الافلام، وتغيرت الصورة، ووجد الفنانون انفسهم في مرحلة مختلفة من التعبير، وصار علي كل مخرج، او كاتب سيناريو، ان يري عبدالناصر كما يشاء، فكانت صورته توضع علي الجدران أحيانا بما يعني الصلبية، مثلما حدث في فيلم "الحب فوق هضبة الهرم" لعاطف الطيب عام 1986، حين يجلس الموظف البائس أمام كاتب أجوف العبارات، لا يجيد سوي الكلام، وقد ظهرت صورة عبدالناصر بارزة في الخلفية، مما يدفع بالموظف الشاب أن يقول له "انت بتستنطع من عهد عبدالناصر. استنساخ في النصف الثاني من التسعينات، بدأت محاولات استعادة زمن جمال عبدالناصر، وكان قد أصبح تاريخا، وقد مر ربع قرن علي رحيله، حدث ذلك في فيلم "ناصر 56" لمحمد فاضل،
والحقيقة أن النص المكتوب قد أعد اساسا ليكون فيلما تليفزيونيا، لكن انتاجه الضخم، وأهمية الموضوع دفعت به إلي العرض السينمائي. تدور أحداث الفيلم قبل أربعين عاما من حدوثهأ، انها تأميم قناة السويس.. لقد صار الحدث والشخص الحاكم جزءاً من التاريخ، وقد أثار عرض الفيلم شجناً وطنياً، ووعياً سياسياً علي كل المستويات ولكل الأجيال، فأيقظ حلماً متوقداً حول الانتماء للوطن، والشعور الأرضي، والرمز السياسي التاريخي، واحياء مسألة العدو المتربص بمصر، وانه يجب مواجهته، فقد تلازم عرض الفيلم، مع تولي بنيامين نتنياهو رئاسة الوزراء في اسرائيل واستخدام اسلوب التعالي في التخاطب مع العرب، خاصة مصر، لدرجة أن محرر مجلة الاكسبريس الفرنسية، قد كتب: ان المصريين لديهم الاحساس الآن أن السياسة الخارجية للقاهرة موالية لواشنطن، فإن "ناصر 56" يذكرهم أنه قبل أربعين عاما كان هناك من جرؤ أن قال "لا للامبريالية". جاء عرض الفيلم ايضا حين رفضت مصر حضور مؤتمر عربي - اسرائيلي في واشنطن، وأحس المشاهدون أنهم يفتقدون الزعيم الذي يبحثون عنه، متمثلا في عبدالناصر، فلاشك أن شخصية الزعيم التي اتصف بها عبدالناصر في الواقع قد هيمنت علي روح الفيلم، فالفيلم حول زعيم ابان أزمة سياسية، قدم الفيلم مائة يوم منها، بدأت قبل اعلان التأميم، والمرور بظروف عديدة، ووقوف مجلس قيادة الثورة إلي جوار القائد، واعتراض البعض، وبعض من صور الحياة الاسرية للرئيس، وبعض الصعوبات التي مر بها.. وأشخاص عديدون أحاطوا بالرئيس في هذه الأزمة، منهم السياسي فتحي رضوان، والمهندس محمود يونس الذي تولي رئاسة هيئة قناة السويس، ثم بعض المواقف الانسانية التي عاشها عبدالناصر، خاصة مقابلته لأم فقدت ولدها، وجاءت له ببعض متعلقات ابنها كأنها تناشده المضي قدما في طريقه. تمويل سوري والغريب أن الفيلم الذي أرخ لحياة الزعيم، قد تم بأموال، وقلم مخرج سوري هو أنور القوادري، وان اعتبر فيلما مصريا، هو فيلم "جمال عبدالناصر" الذي تعرض لمساحة زمنية أطول من حياة عبدالناصر منذ عام 1935، حين قدم أوراقه للالتحاق بالكلية الحربية، أي وهو في السابعة عشرة من العمر، وحتي رحيله عام 1970، أي خمسة وثلاثين عاما كاملة. في هذا الفيلم يهمنا أن نشير الي انها المرة الاولي التي تعترف فيها السينما بدور محمد نجيب في الثورة، وقد جسد الشخصية الممثل جميل راتب، فأكسبه وقاراً، وجاذبية وقد أشار الفيلم الي ان بعض الضباط الأحرار لم يكونوا يميلون إلي نجيب، ومنهم صلاح سالم، لكننا أمام فيلم تأريخي عن عبدالناصر، فالفيلم بمثابة محطات، ففي الكلية الحربية يتعرف علي زملاء الدراسة الذين تكون من بعضهم تنظيم الأحرار فيما بعد، وعلي رأسهم عبدالحكيم عامر، كما توقف الفيلم عند حصار الفالوجا أثناء حرب فلسطين التي تحدث قبل ثورة يوليو، وما حدث ليلة الثورة، والصراع مع الغرب، ورفض سياسة الاحلاف، علي رأسها حلف بغدا، ومحاولة اغتيال عبدالناصر، التي تظهر للمرة الأولي في السينما، وتأميم قناة السويس، ثم العدوان الثلاثي، والمؤامرة بين انتوني ايدن "بريطانيا" وبن جوريون "اسرائيل"، وجي موليه "فرنسا"، والنصر السياسي لعبدالناصر، وخروجه بطلا قوميا وعربيا وعالميا من حرب السويس، ثم الوحدة مع سوريا، وأزمة الكويت والعراق ع ام 1960، وفشل الوحدة بالانفصال، مما أحدث شرخا كبيرا في المشروع القومي لناصر، ثم عدوان 1967، والنزاع السياسي بين ناصر وعامر الذي انتهي بانتحار عامر، ثم حرب الاستنزاف التي اعاد فيها استجماع قوي القوات المسلحة التي تمزقت في يونيه 1967، ومرضه الذي أنهكه حتي مؤتمر القمة العربي في 28 سبتمبر 1970 . اذن، فنحن أمام رحلة من نوع خاص، هي محطات وطنية وسياسية عمودها الرئيسي هو ناصر، سواء في حياته العامة أو الخاصة، اذن، فقد تنبهت السينما المصرية التي انقبت علي الرجل طوال عشرة سنوات، إلي أنها يجب أن تتغير، وكما كتبت نهاد ابراهيم في مجلة "الكواكب" فإن النتيجة أننا شاهدنا فيلما ليس عن ناصر، ولكن بعيني ناصر، مما أدي للمصادرة علي حكم المتلقي تماما من خلال عملية تلقين مدروسة ملخصها أن ناصر هو نموذج للمثالية. تباينت صورة الرجل، لكن أغلب السينمائيين في السنوات العشرين الأخيرة كانوا متعاطفين مع الرجل، مثلما فعل عاطف سالم في فيلمه "دموع صاحبة الجلالة" عام 1993، وهو عن الصحفي محفوظ عجب الذي مكنه الضباط الأحرار من مكانة متميزة في عالم الصحافة، نصار رئيساً لتحرير جريدتهم التي أصدروها، وهناك مشاهد تسجيلية ثابتة ومتحركة لعبدالناصر، وزملاؤه ابان حرب فلسطين، مما يعكس قوة علاقة الصحفي برجال الثورة، وقد خفف فيلم عاطف سالم من الصورة السلبية التي ألصقها مؤلف الرواية موسي صبري بالصحفي، كما أن الشخصية نفسها ظهرت بالغة السوء والسلبية في المسلسل الذي قام ببطولته فاروق الفيشاوي، وبدا الصحفي هنا وطنيا، ملتزما، وتلك صورة تخالف وجهة نظر الروائي. الملك فاروق وصرنا نري صورة عبدالناصر موجودة فوق الجدران، في البيوت والمقاهي.. في عصر حسني مبارك، مثلما حدث في فيلم "الحب فوق هضبة الهرم" وقد برز الرجل من جديد عام 2009، من خلال المسلسل التليفزيوني الذي حمل اسمه كما بدت صورة الرجل في كامل مهابتها في فيلم "احلام صغيرة" لخالد الحجر عام 1993، من خلال حربين هما 1956، 1997، وايضا في مسلسلات عديدة، وذلك بعد أن شاهد الناس مسلسل "الملك فاروق" حيث أكسبت المؤلفة للملك السابق الكثير من السمات الطيبة، والوطنية، وصورته علي أنه ضحية لظروف عائلية وسياسية، فرأي الناس في حاكمهم الأسبق جانباً مضيئاً، مما دفع بالكاتب يسري الجندي أن يقدم سيرة تليفزيونية باسم "ناصر" قدم فيها الجانب الأسري، والحياتي، والسياسي، لعبدالناصر، علي أحسن ما يمكنه أن يقدم كزعيم ناصرته السينما ثم انقلب عليه ولاتزال هناك أزمنة سوف تتغير فيها الرؤي للرجل.. كثيراً.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.