انتقلت الحكومة من مرحلة التلميح إلي مرحلة التصريح. فيما هي مقدمه عليه من إجراءات اقتصادية وقرارات أليمة - علي حد وصفها - لعلاج الاقتصاد. وطالبت فئات الشعب بالوقوف إلي جانب المسئولين وتشجيعهم علي اتخاذ هذه القرارات واستقبالها بصدر رحب. هذا تقريبا ما بشرتنا به "لميس الحديدي" مقدمة برنامج "هنا العاصمة" بفضائية ال "cbc" التي استعرضت بعض ملامح برنامج الاصلاح الاقتصادي. بعد أن قالت مخاطبة المشاهدين "مش عايزين نخوف المسئولين من الرأي العام" "عايزين نشجعهم علي اصدار قرارات نعرف إنها كالدواء المر لاصلاح الاقتصاد المريض. أما ملامح البرنامج التي أكدت "الحديدي" انه خلاصة حديث مع طارق عامر محافظ البنك المركزي - فهو يتضمن جانب الانضباط المالي بما يتضمنه من تخفيض الدعم وترشيد الانفاق. بهدف تقليل عجز الموازنة. ويمثل سعر الصرف أحد أهم جوانب البرنامج. واصلاحه لن يتحقق إلا علي حساب الجنيه والتضحية بقيمته وبدا ذلك واضحا من خلال تأكيد البنك المركزي علي ضرورة وقف دعم الجنيه واطلاق سعره وفقا لآليات السوق الحر - بحسب ما نسبته لميس الحديدي للمحافظ طارق عامر باعتبار أن "مفيش دولة متحضرة بتدافع عن سعر الصرف"!! برنامج الاصلاح الاقتصادي ايضا يتضمن عودة الخصخصة من خلال طرح نسب من الشركات المملوكة للدولة في البورصة مع طرح نسب من بعض البنوك لمستثمر استراتيجي. ولا تنسي الحكومة أن تؤكد لنا "أن الخصخصة الجديدة مش زي القديمة. ستكون أكثر انضباطا" وبعدين هنعمل ايه يعني بالشركات العامة"!! مشروع قانون القيمة المضافة والذي يناقشه البرلمان حاليا احد أركان برنامج الاصلاح ويتوقف علي صدوره امكانية حصول مصر علي بعض القروض الدولية المتفق عليها منذ شهور مثل قرض البنك الدولي. وبنك التنمية الافريقي. باختصار برنامج الاصلاح الاقتصادي سيكون الوثيقة المهمة التي تتقدم بها الحكومة إلي صندوق النقد الدولي لاعتماده كخطوة أساسية لبدء المفاوضات علي قرض الصندوق الذي يبدو انه الحل الوحيد أمام مصر لتعويض العجز الكبير في موارد النقد الأجنبي. وقد قامت مصر مؤخرا برفع حصتها في الصندوق لتقترب من الملياري دولار وهو ما يمكنها من الحصول علي قرض بنحو 12 مليار دولار. ومن المتوقع أن تتم المفاوضات وربما انهاء إجراءات القرض خلال الاجتماعات السنوية للصندوق في أكتوبر المقبل. وإذا كان هناك أهمية كبيرة لتنفيذ برنامج لاصلاح الاقتصاد المصري في ظل ظروفه الحالية. إلا أن مثل هذا البرنامج ينبغي ألا يكون علي حساب الفقراء والفئة المتوسطة ذات الدخول الثابتة خاصة في ظل قانون الخدمة المدنية المتوقع صدوره خلال أيام. هذه الشرائح هي المضارة بالأساس من تخفيض دعم الطاقة مثلما حدث مع الكهرباء والغاز. إلي جانب تعرضهم لموجات جديدة من الغلاء علي خلفية تخفيض قيمة العملة القادم فضلا عن ضريبة القيمة المضافة التي تخضع الكثير من السلع والخدمات التي لم تكن خاضعة لضريبة المبيعات إلي جانب زيادة سعر هذه الضريبة إلي 14% ومن المتوقع أن تشهد موافقة وشيكة من البرلمان. أما عودة الخصخصة مرة أخري بعد تأكيدات سابقة علي انقضاء عهد الخصخصة. بل أن آخر حكومات عهد مبارك كانت قد أعلنت وقف الخصخصة بعد انتشار فضائحها المالية. لتعود هذه السياسة المشبوهة بعد خمس سنوات من الثورة وبعد تحصينها بقانون يمنع الطعن علي عقودها من غير الاطراف المعنية. وكانت الحكومة تتحدث في البداية عن طرح شرائح من الأسهم في البورصة إلا أنها افصحت مؤخرا عن ادخال نظام المستثمر الرئيسي فيما يتعلق بالبنوك. لنعود تدريجيا لكافة اشكال وطرق بيع شركات الدولة. انه الدواء المر الذي تطالبنا الحكومة بتجرعه دون أن تطالب الاغنياء ورجال الأعمال واصحاب البيزنس - الذين استفادوا وحدهم طوال السنوات الثلاثين الماضية - بتحمل عبء اكبر في علاج الاقتصاد المريض من خلال تطبيق الضرائب التصاعدية أو تطبيق ضريبة البورصة والأرباح الرأسمالية. أو حتي ترشيد الواردات الترفيهية. القرارات الأليمة يجب ألا تكون من نصيب الغلابة وحدهم!!