كنت ومازلت من أكثر المؤيدين والمتحمسين لبث محاكمات رموز النظام السابق علي الهواء مباشرة. قناعتي الشخصية أن هذا البث المباشر يعوض أصحاب الدم والحقوق والناس أجمعين عن عدم حضور الجلسات ويحقق مبدأ علنية المحاكمة ويعرض سير الدعوي لحظة بلحظة أمام المواطنين والعالمين في شفافية غير مسبوقة. وكنت أتمني أن يستمر البث المباشر خاصة في قضية قتل المتظاهرين أكثر القضايا حساسية واهتماماً حتي تبرد النار في صدور أهالي الشهداء المتشوقين دائماً لرؤية المتهمين في القفص لكسرهم من ناحية والتأكيد علي معاملتهم بنفس المعايير التي يعامل بها أصغر متهم. وبالفعل.. عقدت وبثت علي الهواء الجلسة الأولي.. جلسة الإجراءات التي جمعت مبارك ونجليه والعادلي ومساعديه الستة.. وكان رد الفعل رائعاً علي وجود المتهمين العشرة داخل القفص. فقط.. لاحظ كل من تابع الجلسة عبر شاشات التليفزيون تكالب المحامين علي الوقوف أمام الكاميرات بشكل فج وبلا داع.. اللهم إلا "الشو الإعلامي". وفي الجلسة التي جمعت العادلي ومساعديه فقط والتي تم تأجيل المحاكمة في نهايتها إلي 5 سبتمبر.. كانت الفوضي هي سيد الموقف.. حيث زاد تزاحم محامي المدعين بالحق المدني أمام الكاميرا.. الكل يريد الظهور والكلام ولو لم يكن له دور.. حتي أن المستشار أحمد رفعت رئيس المحكمة رفع الجلسة 4 مرات علي أمل أن يكون هناك نظام.. لكن هيهات! وفي الجلسة الأخيرة أمس الأول لمحاكمة مبارك ونجليه فقط حدث نفس التزاحم وأكثر حتي أن 100 محام طلبوا الكلام وعرض الطلبات.. ولم يجد رئيس المحكمة مفراً من أن يجمع منهم الطلبات المدونة في مذكرات ويوافق علي ضمها لمحضر الجلسة.. وأن يلقي بالقنبلة الألف رطل المتمثلة في وقف بث المحاكمات علي الهواء مباشرة ابتداء من جلسة 5 سبتمبر وحتي النطق بالحكم. صدقوني.. رغم حزني علي وقف البث إلا أنه لم يكن أمام رئيس المحكمة الذي أعطي درساً قانونياً وقضائياً رفيع المستوي سوي أن يوقف البث وإلا فشل في السيطرة علي الجلسات. وقد يكون هناك سبب رئيسي آخر لا يقل أهمية عن سابقه وهو ضمان عدم تناثر أقوال الشهود أو المتهمين أو المحامين قد تضر بالأمن القومي. خاصة أن القضية تدخل من الجلسة القادمة في "الغميق".. شهادة الشهود والمرافعات وقد يتحدث المتهمون وقد يمس كلامهم أمن البلد.. في محاولة ل "هدم المعبد" علي كل من فيه. عموماً.. وعملاً بمبدأ "نص العمي ولا العمي كله".. أرجو تسجيل الجلسات وإذاعة ملخصات لها بعد إجازتها من رئيس المحكمة بشرط ألا تتضمن صوراً ولا كلاماً للمحامين سوي رئيس هيئة الدفاع عن المتهمين ورئيس هيئة الإدعاء بالحق المدني فقط. تأكدوا.. أن معظم المحامين الذين رأيناهم أمس الأول سوف يختفون رويداً رويداً اعتباراً من 5 سبتمبر مثلما حدث في قضية سوزان تميم بالضبط.. فقد كانت القاعة مكتظة بالمحامين وأكثر مما هو موجود الآن في محاكمة القرن.. وبمجرد وقف البث المباشر.. لم نجد سوي محامين يعدون علي أصابع اليدين وتبخر الباقون أو ذابوا أو افتكروا مشاوير مهمة!! من حق المحكمة ضبط إيقاع الجلسات ومراعاة الصالح العام.. ومن حق الناس أيضا أن تتابع الجلسات من خلال بث مباشر أو "برشامة".. أقصد ملخصا للجلسة. القرار في يد المستشار أحمد رفعت فقط.. اللهم الهمه الصواب.