الدكتور سعد الدين هلالي أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر له ذكريات عديدة مع الشهر الكريم فهو عالم وفقيه يشتهر باسهاماته العلمية سواء في قريته بعزبة عقل التابعة لمحافظة الدقهلية عن طريق المشاركة في الندوات التي يرأسها أو مجالاته المتعددة الأخري التي يقدمها لخدمة الدعوة الإسلامية إلي ان ذاع صيته علي الفضائيات الدينية. التقينا د.هلالي ليروي ذكرياته مع الشهر الكريم وقصة كفاحه ورأيه في القضايا الفقهية التي تثار بين الحين والآخر خاصة في شهر رمضان بالنسبة لموائد الرحمن التي يقدمها أهل الفن والراقصات وما أشبه ذلك.. وكان هذا نص الحوار: * ماذا يمثل رمضان بالنسبة للدكتور هلالي؟ ** شهر رمضان بالنسبة لأي فقيه أو عالم أو امام قاريء عبارة عن خدمة لعموم المسلمين فالعالم لا يرفض أي دعوة بل يبادر بالمشاركة في جميع الندوات سواء بالمساجد أو المنتديات أو المحافل الخاصة وشهر رمضان في مصر له طعم يختلف عن رمضان في سائر دول العالم الإسلامي والعربي وغيرهما.. فالمصريون ينتظرون شهر رمضان من العام إلي العام ويبتكرون في كل عام مظاهر إيمانية عديدة لا توجد في غير مصر مثل الندوات الخاصة في المساجد وصلاة التراويح والتهجد والليل فقد كان احياء ليالي رمضان في مصر مقصوراً علي قيام رمضان ثم تطور إلي قيام احياء الليل ثم إلي عقد موائد الرحمن حتي تطورت هي الأخري لتكون منتدي ثقافياً وليس فقط لمجرد تقديم الطعام لأبناء السبيل.. ثم بعد ذلك جدت فيها تطوير جديد لتقديم الطعام إلي المحتاجين في داخل بيوتهم ثم ظهرت علي قارعة الطريق لتقديم التمور والمياه المعدنية وبعض المأكولات الجاهزة لعابري السبيل في طرق السفر والميادين العامة. هذا التطور لمظاهر الإيمان والعطاء والخير لا تجده إلا في مصر.. وسيبتكر المصريون مظاهر أخري لأن الاجيال المصرية عطاءة بأفكارها المتفقة مع مقاصد الشرع. هذا بالاضافة إلي المخيمات الرمضانية التي ظهرت منذ عقدين في مصر داخل الفنادق والأندية الرياضية ثم تطورت هذه المخيمات لتصبح منتديات ثقافية واجتماعية. وكان في مصر ايضاً الدورات الرمضانية الرياضية والتي توقفت هذا العام بمناسبة ثورة 25 يناير وربما سيفكر المصريون في بدائل أخري تطورية لجذب الشباب وجمعهم في سوق الخيرات الرمضانية ومع هذه الأنشطة التي ذكرناها سواء في الدورات أو المخيمات الرمضانية أو في احياء صلاة القيام والتهجد أو في المواسم أو اللقاءات الثقافية في الأندية أو تقديم موائد الرحمن بتطوراتها. في كل ذلك يقوم العلماء بالاشراف علي كل هذه الأنظمة لتقنينها وفقاً للمقاصد الشرعية حيث لا تمنع الشريعة الإسلامية هذا التطور بل تمدح وتشجع كل من يجتهد فيها طالما كان اجتهاده متوافقاً مع هذه المقاصد دون ابتداع لقول النبي صلي الله عليه وسلم "من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلي يوم القيامة". موائد الراقصات * ما رأيك في الموائد الرمضانية التي تقدمها الراقصات أو بعض الشخصيات المشبوهة؟ ** يقول الرسول صلي الله عليه وسلم "اطعموا الطعام وأفشوا السلام تدخلوا الجنة بأمان" وقال تعالي: "ويطعمون الطعام علي حبه مسكيناً ويتماً وأثيراً" فكل ما فيه بذل للطعام وخدمة الغير ورعايته يمدحه الشرع ويثيبنا عليه بالنية الطيبة التي لا يعلمها إلا الله ونحن لا نشق عن قلوب الناس بل ولا نعرف مافي قلوبهم وأمرنا شرعاً ان نتعامل بالظاهر والله يتولي السرائر وقال صلي الله عليه وسلم "إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً" فالعلماء وظيفتهم إلي بذل الطعام وليس الحكم علي الناس بقبول أعمال أو عدم قبولها فالقبول والرفض مرده إلي الله عز وجل ورت درهم سبق ألف درهم. فما يقدمه الفنانون أو حتي من دونهم هو عمل نمدح خيره ولا نحكم علي سرائره التي لا يعرفها إلا الله وعلي العلماء فقط ان يذكروا الناس بشرع الله لعموم قوله سبحانه "فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر". الرجوع للنية * هل يجوز لعالم أن يعلن رفضه لموائد الرحمن أو الأعمال المشبوهة؟ ** لا يحق للعلماء أو غيرهم ان يعلنوا عدم قبول عمل خيري بسبب أمر يرجع للنية فالنية محلها القلب ولا يحكم عليها سوي خالق القلب الذي قال عن نفسه "يعلم السر وأخفي" وإنما نقول لأصحاب الأموال الطيبة لكم أجران الأول بذل الطعام والأجر الثاني تحري الحلال في المكاسب. ونقول لأصحاب الأموال الأخري الخبيثة الذين يبذلون الطعام في موائد الرحمن لكم أجر البذل وربما يكون لكم أجر تطييب المكاسب وتطهيرها باخراجها إلي الله عز وجل في يد الفقراء.. لأن التعبير عن اعطاء المال لله يفسر بتسليمه إلي الفقراء والملكية العامة لعموم الناس.. فكل من يريد تطهير ماله الذي يراه خبيثاً هو التجرد منه ليس باهلاكه وإنما بتسليمه لله سبحانه وتعالي المالك الأصيل للأموال. والمقصود بالملكية العامة خزينة الدولة التي تنفق علي عموم الناس أو جميع مصارف الخير العامة كإنشاء الطرق والجسور وبناء المرافق من المدارس والمستشفيات وسائر أنواع الوقوف الخيري العام. معسكر دائم * كيف كان رمضان في طفولتك؟ ** فترة الصغر كان فيها شهر رمضان عبارة عن معسكر دائم في مسجد عزبة عقل وهو الحي الذي ولدت فيه من مدينة المنصورة وبه أكثر من 30 ألف نسمة ولا يوجد به سوي مسجد صغير مساحته 100 متر تقريباً وكان هذا في أواخر الخمسينيات وأوائل الستينيات وفي أواخر السبعينيات. شاركت مع المخلصين من شباب في هذا الوقت وبالتعاون مع محافظ الدقهلية الاسبق الذي لا ينسي باخلاصه وحبه للمحافظة وهو اللواء سعد الشربيني الذي منحنا قطعة أرض من أملاك الدولة مساحتها 7000 متر وتعاون معنا حتي انشأنا جمعية تابعة للشئون الاجتماعية في هذا الوقت "التضامن الاجتماعي" حالياً وتم انشاء أكبر مسجد بالجهود الذاتية مع مستشفي خيري ومدارس إسلامية علي تلك المساحة كاملة. قامت الجمعية برعاية جميع يتامي الحي بلا استثناء ويتامي الأحياء المجاورة فضلاً عن رعاية أكثر الأرامل والمعوزين وأصحاب العجز عن التكسب بمرتبات شهرية تأتي من التبرعات الخيرية من التجار ورجال الأعمال بل والموظفين الذين وضعوا ثقتهم في الجمعية لأنهم يرون تطويرا وتجديداً مستمرين. وتبلغ فيه الاعانات لليتامي وغيرهم الشهرية فوق ال 150 ألف جنيه.. فصار إذن رمضان بالنسبة لي معسكر دائم في مجمع الإيمان بعزبة عقل بعد ان كان في المسجد الكبير. * ورمضان هذا العام؟ ** في هذا العام شغلتنا الفضائيات بدعواتها التي يعجز الإنسان عن منازعتها تقريباً في كل يوم لقاء علي الهواء فيما قبل الافطار ولقاء في المساجد العامة والأندية والمنتديات بعد الافطار.. بالاضافة إلي "الورد البحثي" اليومي الذي لا ينقطع بفضل الله حيث اعكف في مكتبي علي البحث الفقهي لخدمة الناس قرابة 4 ساعات يومياً في رمضان وغير رمضان بكتابة المقالات اليومية في صحف الجمهورية وأخبار اليوم وبريد الإسلام في إذاعة القرآن الكريم.