ما أهون خلافاتنا أمام تلك الدماء الزكية التي تسيل علي الأرض.. كلما رحل أحدنا. رحل بعضنا.. مواكب الشهداء التي تسبقنا قدرها فقط أن الدور حلّ عليها أولاً.. ربما كنت أنا أو أنت. وحتي إن لم نكن. فهذا الذي رحل أخاك أو ابن عمك أو خالك أو قريبك.. هو منك.. هو كتفك وقت الشدة.. هو وجه كتلك الوجوه التي تحيط بك.. هو إن ناديته في بلد غريبة أو في شدة قال: لبيك. ليس حادث حلوان الإرهابي الآثم وحده. هو ما يدفعنا لوقفة مع النفس.. وقفة ندرك فيها أن الهم واحد والمصاب واحد. والشهيد هو أنت.. هو أنا.. ليس حادث حلوان وحده عنوان التضحية. فقد كثرت العناوين في بلادي.. ليس شهداؤنا الثمانية أول الحصاد. لكن حصاد الشر لابد أن تكون له نهاية.. لن تكتبها الداخلية وحدها وإنما نكتبها معاً. حين نصطف.. حين نتحد.. حين ينزوي أولئك المرجفون في ركن مظلم بعيداً عن نور وحضن ودفء الوطن. في زاوية سابقة هنا. كتبت بعنوان "طوق الحمامة". وتساءلت كيف ونحن من علم الدنيا الحب. نعيش مع بعضنا كالأعداء.. يبغض بعضنا بعضاً.. نجنح من الاختلاف إلي الخلاف.. لا نعذر بعضنا.. نخوض كل شيء من منتهاه.. لا نبحث عن عذر بقدر ما نبحث عن مبرر للغضب والحنق لا شئ يحتاجه أعداء الدين والوطن والحياة. أكثر من هذا.. ينفذون الينا في أزماتنا.. ينتظرون أوقات الشدة والتبعثر ثم يطعنون الوطن بدم بارد.. أولئك الأشرار الخونة ليسوا منا ولو حملوا شهادة ميلاد علي أرض مصرية.. إنهم نبت شيطاني رواه "المُهل" شراب أهل الجحيم.. أولئك القابعون تحت الأرض. أتصورهم شياطين تعيش بليل لا ينقطع.. لا غاية لهم إلا الشر وتدمير الوطن. كل مشاكلنا تهون. وكل آلامنا تُحتمل.. المهم أن نكون معاً. وأن نتفرغ اليوم جميعاً للتخلص من أولئك الذين بدلوا صفو الأيام كمداً وكدراً وهماً.. أن نصطف في وجه الإرهاب والشر. فإن فعلنا لن يطول أمد المعركة. أعتقد أن الحادث المأساوي الأخير. والذي راح ضحيته ثمانية شهداء من أبناء مصر. يمثل رغم الأحزان التي خلفها فرصة قدرية للأسرة الصحفية وللداخلية لتجاوز آثار الأزمة التي اشتعلت بين الطرفين. ففي الحزن علينا أن نتحد.. علينا أن نتساءل وأن نتوقف وأن ننسي كذلك.. في الحزن عودنا آباؤنا أن نلتف. ففي "اللمة" تهون النوائب. ولدي الداخلية اليوم مصاب يتجدد. وعزاء علينا أن نكون أول من فيه. هذا وطننا.. بيتنا.. بيت الصحافة والداخلية والأطباء والقضاة والمهندسين والمحامين والمعلمين والعمال وكل أطياف شعبنا الذي لم يعد كما كان.. هذا بيتنا الذي يحيط به المتربصون بليل. فكيف نختلف وحولنا من حولنا.. دافعوا أولاً عن البيت ثم اختلفوا. حمي الله مصر من شر الأشرار ورد كيد الكائدين إلي نحورهم. وحفظها وأهلها من كل سوء. ووفق رئيسها لما فيه رفعة شعبها. بلادي.. بلادي.. بلادي.. لكِ حبي وفؤادي * * ما قبل الصباح: الأزمات يدفع كلفتها الوطن.. تجنبوا أن تكونوا أزمة.