كالعادة.. انقسم الناس حول مفهوم ومغزي الوثيقة التي قدمتها الدكتورة هدي عبدالناصر في مقال بجريدة الأهرام الثلاثاء الماضي وقالت إنها عثرت عليها في أوراق والدها الخاصة وأنها تحسم أمر جزيرتي تيران وصنافير بأنهما سعوديتان. البعض اقتنع بما اقتنعت به الدكتورة هدي.. وأقر كما أقرت بأن الوثيقة قاطعة بأن الجزيرتين سعوديتان.. والبعض الآخر لم يقتنع ولم يقر.. ورأي أن الوثيقة لم تتضمن قولاً قاطعاً في تبعية الجزيرتين للسعودية الشقيقة.. وإنما تتحدث عن حق مصر في الجزيرتين وأي حق محتمل للسعودية.. كما تثبت الوثيقة أن جزيرة تيران أقرب مسافة لمصر من أية دولة أخري.. خاصة السعودية.. .. أضف إلي ذلك أن حديث الوثيقة عن اتفاق مصر مع السعودية علي احتلال القوات المصرية للجزيرتين لا يعني قطعاً أنهما ملك السعودية وإنما يعني في أدني تفسير أن هناك تنازعاً أو تنافساً أو تشابكاً في مسألة السيادة عليهما من جانب الدولتين الشقيقتين. المهم في الأمر أن وثيقة الدكتورة هدي عبدالناصر لم تحسم الخلاف.. وليس فيها ما يقطع حسب رأي البعض بأن الجزيرتين سعوديتان.. ومن ثم مازال الانقسام قائماً.. ومازالت هناك حاجة ماسة لتحقيق الرضاء الشعبي لتضييق شقة الاختلاف. لكن وسط هذا الانقسام بين المقتنعين وغير المقتنعين لم يتنبه أحد إلي الإشارة التي طرحتها الدكتورة هدي عبدالناصر في آخر مقالها بالأهرام.. وبالتالي لم يهتم أحد بمناقشة هذه الإشارة.. رغم أنها قد تحمل حلاً ومخرجاً حضارياً كريماً من الأزمة التي تتصاعد وتتسع رقعتها بين الشعبين الشقيقين. تقول الدكتورة هدي عبدالناصر في نهاية مقالها: "أعتقد أن الشعب المصري في حاجة إلي إيماءة معنوية من جانب الملك سلمان لقاء الدماء التي بذلت من جانب المصريين في سبيل المحافظة علي هذه الأرض العربية.. وإلا لكان الإسرائيليون احتلوها وصمموا علي الاحتفاظ بها كما يحدث الآن بالنسبة للجولان السوري". هذه العبارة في تصوري لا يمكن أن تكون إشارة عابرة.. وليس معقولاً أن يكون مقصد الدكتورة هدي من "الإيماءة المعنوية" التي تطلبها من الملك سلمان كلمة لتطييب الخاطر وترضية الرافضين.. أو تسهيلات ومساعدات جديدة.. فالإيماءة المطلوبة "معنوية" وليست "مادية". لقد أجملت عرض مبادرتها إن جاز لنا أن نعتبر هذه العبارة مبادرة.. ولم تشأ أن تفصح عن مكنونها.. لكن ظني أنها تقصد ب "الإيماءة المعنوية" التي ينتظرها الشعب المصري من الملك سلمان أن يعلن مشروعاً استثمارياً ضخماً في الجزيرتين يكون نواة ونمودجاً للاستثمار والتعاون المشترك بين الشعبين الشقيقين علي أرض تتقاسم السيادة عليها مصر والسعودية معاً.. وتتقاسم خيراتها مصر والسعودية معاً.. فإذا كانت السعودية تمتلك الحق الجغرافي في السيادة فإن مصر تمتلك الحق التاريخي في السيادة بما قدمت من دماء وأرواح لتأمين الجزيريتن وحمايتهما. أقول: هذا تفسيري الشخصي ل "الإيماءة المعنوية" التي طلبتها د.هدي من الملك سلمان وهو تفسير لايلزم أحداً غيري لأنه مجرد اجتهاد.. وقد لا يلزم الدكتورة هدي عبدالناصر نفسها.. لكنه ينسجم تماماً مع الاقتراح الذي طرحته منذ البداية للخروج الآمن والكريم من الأزمة.. وذلك بصدور قرار من جامعة الدول العربية بتحويل الجزر والمناطق الحدودية المتنازع عليها بين الدول العربية إلي مناطق استثمار وتعاون مشترك بين كل دولتين جارتين في إطار الأخوة العربية ووحدة الدم والأرض العربية. أعتقد أن مبادراة الدكتورة هدي.. ومن قبلها الاقتراح المتواضع الذي قدمته.. يحملان حلاً يرضي كل الأطراف إذا أحسنت النيات.. وينزع فتيل أزمات عديدة في إطار قومي بالمشاركة لا بالمغالبة.