تحت عنوان "مقال مهلهل.. واستنتاج مجاني لا يليق بباحثة أكاديمية"، علق الدكتور حازم حسني، أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية، علي مقال الدكتورة هدى عبدالناصر، والمنشور في جريدة الأهرام، بعنوان "لنكن حقانيين.. تيران وصنافير سعوديتان"، وذلك بعد ما آثارته بعثورها على وثيقة ضمن مقتنيات والدها الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، تثبت أحقية المملكة السعودية في جزيرتي "تيران وصنافير"، وهو ما وصفه المحلل السياسي، بالمقال المهلهل. للإطلاع على نص مقال الدكتورة هدى عبدالناصر كاملاً.. اضغط هنا وجاء نص ما كتبه حسني، عبر صفحته الشخصية بموقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك"، كالآتي: انتظرت – كغيرى – المقال الذى كتبته الدكتورة هدى عبد الناصر، ونشرته بصحيفة "الأهرام" عدد اليوم الثلاثاء، وعنوانه المثير للجدل هو: "لنكن حقانيين .. تيران وصنافير سعوديتان" ! ... دعونا من "ركاكة" العنوان، فالسياق كله "ركيك" بشكل مخجل، لكننى كنت أنتظر – على أقل تقدير - مقالاً يرقى لمستوى ما أثاره الإعلام بشأن أهميته وحسمه للخلاف على ملكية الجزيرتين؛ كما كنت أنتظر أن يضعنا المقال – كحد أدنى – في موضع المناظرة بين وجهتى نظر تحتمل كل منهما الصواب كما تحتمل الخطأ ... إلا أننى لم أجد – للأسف – إلا مقالاً مهلهلاً تختلط فيه نصوص الوثيقة أحياناً بفهم الدكتورة هدى عبد الناصر التي أخذتنا إلى تفاصيل كثيرة لا علاقة لها بموضوع الجزيرتين حتى تتوه الحقيقة في هذا الخلط وفى هذه التفاصيل غير ذات الصلة ! قدمت لنا الدكتورة هدى عبد الناصر الوثيقة المزعومة والمؤرخة 20 مايو 1967، لكنها لم تقتنص منها نصاً واحداً يقول بملكية المملكة العربية السعودية لأى من الجزيرتين، ولا هي وجدت في الوثيقة نصاً واحداً يتحدث عن أن مصر قد "استأذنت" في احتلالهما من أحد، أو عن أن المملكة العربية السعودية قد "طلبت" من مصر الدفاع عنهما، ولا هي أشارت الوثيقة لأية اتفاقيات مكتوبة بين المملكة المصرية والمملكة العربية السعودية سنة 1950 بشأن الجزيرتين أو بشأن المضايق ... بل إن الوثيقة التي اعتبرتها الدكتورة هدى عبد الناصر حجة على القائلين بمصرية الجزيرتين تقول بشكل صريح إن الحكومة المصرية قد "أمرت" باحتلال الجزيرتين في أعقاب احتلال القوات الإسرائيلية لأم الرشراش، ورفض لجنة الهدنة للشكوى المصرية بحجة أن القوات المسلحة المصرية لم تكن تحتل أم الرشراش قبل احتلال القوات الإسرائيلية لها ! ما أقدمت عليه مصر وقتها كان – كما هو واضح من نص الوثائق – عملاً من أعمال السيادة، ومارست بشأنه الحكومة المصرية لغة "الأمر" لا لغة "الاستئذان" ولا لغة "الاستجابة لطلب الشقيق السعودى" ! ... ومع ذلك، فقد قفزت الدكتورة هدى عبد الناصر على هذه الحقائق لتصل إلى استنتاجها المجانى الذى تقول فيه : "مما سبق يتضح بالأدلة أن ملكية جزيرتى تيران وصنافير هى للمملكة العربية السعودية، ومصر هى التى قامت بالدفاع عنهما بعد قيام دولة إسرائيل فى 15 مايو 1948، وتهديدها للجزيرتين"، ثم أتبعت استنتاجها المجانى هذا باستجداء لا يليق بها ولا بنا تقول فيه : "أعتقد أن الشعب المصرى فى حاجة الى إيماءة معنوية من جانب الملك سلمان؛ لقاء الدماء التى بذلت من جانب المصريين فى سبيل المحافظة على هذه الأرض العربية، وإلا لكان الاسرائيليون احتلوها وصمموا على الاحتفاظ بها، كما يحدث الآن بالنسبة للجولان السورية" !! كأى "مبرراتى" يبحث عن بعض المنطق – حتى وإن كان هشاً ومتداعياً – يعصم معانيه من أن يلفظها المتلقى، اعتمدت الدكتورة هدى عبد الناصر على ما ذكرته وثائق أمريكية – وكنا نعرفه من قبل ظهور الوثيقة المزعومة – من أن احتلال مصر للجزيرتين (كى لا يلحق مصيرهما بمصير أم الرشراش) إنما تم "بالتوافق التام" مع المملكة العربية السعودية التي لم تنازع مصر هذا الحق، وكنت قد أوضحت في مقال سابق لى أن هذا "التوافق التام" كان ضرورياً، لا لأن المملكة العربية السعودية تمتلك الجزيرتين ولكن لأنها جار مباشر معنى بأية تحركات عسكرية يقوم بها الجانب المصرى على مقربة من الأراضى السعودية ! دعونا نتوجه ببعض الأسئلة للدكتورة هدى عبد الناصر وللمتحمسين لاستنتاجها المجانى، وأول هذه الأسئلة هو: إذا كان الرئيس عبد الناصر قد فهم من المذكرة المزعومة ما فهمته هي من أن الجزيرتين سعوديتان، فلماذا إذن تحدث في مؤتمره الصحفى الذى عقده بعد استلامه المذكرة بساعات عن أن تيران مصرية؟! ... دعونى أسأل السؤال بشكل أكثر عمقاً: إذ من المعروف لكل من عاصروا هذه الفترة أن الرئيس عبد الناصر قد برر إغلاقه المضايق – في حديث مذاع له - بأن كثيراً من القادة العرب كانوا يعايرونه بأنه يسمح بعبور السفن الإسرائيلية في المياه الإقليمية المصرية، ومن ثم فإن إغلاقه المضايق وإنهاءه لمهمة المراقبين الدوليين، إنما أنهى آخر مظاهر نقص السيادة المصرية التى تسببت فيها حرب 1956؛ فلماذا إذن لم يتخلص عبد الناصر من حرجه في مواجهة القادة العرب الذين عايروه – وأترك للدكتورة هدى عبد الناصر مهمة البحث عن من هم – بالرد بأن المضايق ليست مصرية، وأن تيران سعودية، وأنه ليس المسؤول وحده عن منع السفن الإسرائيلية من المرور من وإلى خليج العقبة؟ ألم يكن هذا ليحقق له انتصاراً سياسياً على خصومه دون تحمل مخاطر الحرب مع إسرائيل؟ ... دعونا نسأل سؤالاً ثالثاً وهو: لماذا لم يتدخل الملك فيصل في ذلك الوقت – وكانت علاقته مع عبد الناصر أسوأ من أن توصف بأنها سيئة – ليؤكد على سعودية تيران، ومن ثم يقدم للولايات المتحدةالأمريكية ما تحرج به عبد الناصر وهو يدعى أن المضايق مصرية؟ كنت أنتظر من الدكتورة هدى عبد الناصر – التي أكدت في مطلع مقالها على صفتها البحثية الأكاديمية – أن تبحث عن إجابات لمثل هذه الأسئلة بدلاً من القفز إلى استنتاجاتها المجانية بسعودية الجزيرتين، وبدلاً من دعوتها "الركيكة" لنا بأن نكون "حقانيين" ! ... لكنها لم تفعل ! ... وإنما أخذتنا معها في رحلة عشوائية في الوثائق لمنح منطق التنازل عن الجزيرتين بعض المصداقية، لكنها أنهت رحلتها الوثائقية – بكل أسف – بأن أفقدت نفسها كل مصداقية ! حازم حسني حازم حسني