تتعرض الحضارة والشريعة الإسلامية في السنوات الأخيرة لحملات تشويه واتهامها بأنها منغلقة علي نفسها وذلك منذ أن بدأت دعوات بنشر منظومة العولمة التي تسعي لطمس الهوية الإسلامية وصبغ العالم أجمع بصبغة واحدة لا هوية لها. التقينا د. حنان صلاح الدين الحلواني أستاذ التربية الإسلامية والمقارنة بجامعة أم القري بمكة وناقشنا معها كيفية مواجهة التحديات التي تتعرض لها ثقافتنا وحضارتنا الإسلامية وكيف يمكن تطوير المنظومة التعليمية والتصدي لفوضي الفتاوي وغير ذلك من القضايا التي تفرض نفسها علي الساحة .. سألناها : * ما سر التخوف من الحضارة الإسلامية؟ ** هامنغتون يقول إن الصراع القادم هو صراع حضارات وثقافات وهو أكبر من الصراع الديني .. لذلك حاولت الحضارة الغربية أن تأتي بفكرة لم تحدث في التاريخ الإنساني من قبل وهي أن تدرج العالم ككل في نمط واحد وتصبغه بنفس اللون خاصة أنه لم تأت حضارة من قبل حاولت أن تفرض هذا الوضع وهو الهيمنة الفكرية والحضارية وليست الهيمنة العسكرية .. لذلك سر تخوفهم من الحضارة الإسلامية أنها من الحضارات التي لديها مقومات المقاومة هي والحضارة الصينية لذلك نحن نخطئ عندما نظن أن الإسلام هو العدو الوحيد للغرب .. فالحضارة الغربية معادية لكل حضارة لديها نوع من المقاومة أو أنها تتصدي لها وتقف في وجهها فالعملية عملية أدوار وسيأتي الدور علي الحضارة الصينية. * وما السبل التي نحمي بها حضارتنا من أمثال هؤلاء؟ ** التربية ثم التعليم الذي هو جزء من التربية .. لابد أن نغير طريقة تفكيرنا . وأن يكون لدينا وعي بحيث لا نكون تابعين لأحد ونتمتع بالاستقلالية في التفكير وأن نبدع ونتحرر من القيود التي تحجم تفكيرنا علي أن يكون ذلك منبثقا من أرضية وقاعدة تستند للشريعة الإسلامية وبشرط ألا ننسي هويتنا عندما نكون منفتحين علي الآخر. * لكن موجات التشدد بدأت تنتشر في المجتمعات العربية وتشوه صورة الشريعة فكيف يمكن مواجهة هذا التطرف؟ ** كل واحد فينا له دور في مواجهة التطرف خاصة أن معركة التطرف فكر في الأساس يشترك فيها كل فرد في المجتمع فالقائم علي المؤسسة العسكرية له دور والتعليم والآباء والإعلام كل منهم له دور .. وإذا أردنا أن نواجه التطرف لابد أن نبحث عن الأسباب التي تعود بالإضافة إلي مشاكل الشباب المعروفة لدي الجميع إلي أن الشاب تربي أن يتبني فكرة واحدة ولم يتعود أن يناقش أفكاره مع من هم أكبر منه ولم يتعلم أن يسأل نفسه لماذا أفعل هذا ؟.. أنا أنفذ فقط.. بدليل أنه في المدرسة عندما يطلب المدرس من الطلاب حل مسألة معينة وعندما يحلها طالب بطريقة تختلف عن المدرس تصبح كارثة بالنسبة لهذا الطالب والنتيجة يتم خنق إبداعه. * إذن هل الخلل في المنظومة التعليمية .. وكيف يمكن تطويرها؟ ** فعلا المنظومة التعليمية في الوطن العربي أصابها الوهن والضعف منذ سنوات .. ورغم أنه في الآونة الأخيرة قامت ثورة لتصحيح هذه الأوضاع الراهنة لكن هذا سيستغرق وقتا .. فالمثل يقول "إذا أردت أن تأكل غدا فارزع قمحا وإذا أردت أن تأكل بعد سنة فازرع شجرة وإذا أردت أن تحصد بعد مئة عام فعلم إنساناً" فحصاد التعليم وتغيير المنظومة التعليمية وطريقة تربيتنا يحتاج وقتا لذلك لا تنتظروا تغييرا سريعا في الناتج التربوي فالمنظومة التربوية عندما تتطور نري أثرها بعد 50 سنة .. وما نحن فيه الآن هو حصاد 50 سنة ماضية .. فكل دولة نهضت بدأت بالتعليم وبالتربية .. لا أنكر أهمية الاقتصاد أو النهضة الاجتماعية ولكن هذا لن يتحقق إلا إذا كانت لدينا منظومة تعليمية وتربوية سليمة تبدأ بالأسرة الواعية ثم المعلم .. فمهما طورنا المناهج دون تطوير العقلية التي تدرس هذه المناهج لن تستقيم المنظومة التعليمية وتتحقق النهضة .. ولن يصلح التعليم إلا بإصلاح كوادر المعلمين. استيراد العلوم والمصطلحات * يستعين بعض المسلمين بالنظريات الغربية الاجتماعية بحجة الحداثة حتي لو تناقضت مع ثوابت ديننا وتقاليدنا .. فكيف تردين عليهم؟ ** عندما تم استيراد العلوم حصل فصل بين العلوم الإنسانية والعلمية والعلوم الشرعية وهذا خالف طبيعة الإنسان المسلم .. فحدث له فصام .. وحدث نفس الشيء بالنسبة للمصطلحات فصرنا نستورد أفكارا من الغرب وأنا هنا لست ضد استيراد المصطلحات بالعكس أنا معجبة جدا بها وأحترمها ولكني ضد أن أتبني الفكر الغربي تبنيا أعمي دون نظرة نقدية فلنأخذ منه ما يتفق معنا .. فممارسة التفكير النقدي أول مرحلة التحول للإنتاج .. ولابد أن نعيد مرة أخري ثقافة الحوار مع الذات ليكون عند كل منا وعي وموقف .. ولغاندي مقولة شهيرة "عندما تهب العواصف علي بلدي لا أغلق النوافذ وأهلا بجميع العواصف بشرط ألا تقتلعني من جذوري" فلننفتح علي العالم ولا نرفضه ولكن نقبل ونعدل وفق ما يتفق مع جذورنا وديننا. * وهل يعد هذا نوعا من تجديد الخطاب الديني؟ ** نعم .. فالحديث كثر في السنوات الأخيرة عن تجديد الخطاب الإسلامي وتعالت نداءات من الخارج والداخل مطالبة بضرورة تغيير الخطاب الديني وتطويره وزاد الإلحاح علي هذا الأمر بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 وما تلاها من تداعيات جعلت الخطاب الإسلامي في دائرة الاتهام علي خلفية أنه يشجع علي العنف ويدعو إلي الإرهاب .. ومنذ ذلك الوقت أصبح الخطاب الإسلامي محط اهتمام الباحثين والمفكرين والإعلاميين فضلا عن مراكز الأبحاث والدراسات .. وبغض النظر عن غرض أي من هذه الأطراف وهدفها من المطالبة المستمرة بتطوير الخطاب الإسلامي أو تغييره فإنه حري بالمعنيين بالخطاب الإسلامي من مفكرين وباحثين متخصصين أن يبادروا مسرعين إلي مراجعة علمية دقيقة للخطاب الإسلامي علي ضوء ما قررته المصادر الشرعية الأصلية وما يستلزمه الأمر من إدراك لمتطلبات الواقع المعاش بجميع تعقيداته وما يكتنفه من أوضاع داخلية متقلبة وما يؤثر فيه من ظروف دولية متغيرة تضغط في اتجاه فرض هيمنة ثقافية شاملة من قبل القوي الغربية الكبري علي البلدان المستضعفة وبخاصة البلدان الإسلامية فضلا عن هيمنة سياسية وعسكرية واقتصادية قائمة فعلا في إطار ما يعرف بالعولمة والهدف من هذه المراجعة هو التوصل إلي صياغة نظرية كاملة للخطاب الإسلامي المعاصر تتضمن بالأساس ما أكد عليه القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة بخصوص كيفية دعوة الناس وتوجيههم وإرشادهم وإصلاح شئونهم. * وما الآليات التي يجب أن يراعيها القائمون علي تجديد الخطاب الديني حتي يحقق الهدف المطلوب منه؟ ** الخطاب الإسلامي وسيلة للتعريف بالإسلام ونشر تعاليمه سواء كان ذلك عن طريق الكلمة المسموعة أو المكتوبة شعرا كانت أم نثرا . ترغيبا فيه وتحذيرا من مخالفته . بيانا وتفسيرا لمجمله أو دحضا لما يثار حوله من شبهات وأباطيل.. كما أنه يتطلب الأمر ليحقق الخطاب الإسلامي أهدافه أن يكون متناسبا في كل عصر مع معطياته الثقافية والاجتماعية ومراعيا لمستجداته وتطوراته حتي يتلاءم مع المستوي العام لأفهام الناس .. كذلك يتعين الاهتمام بالتمكن من استخدام وسائل الاتصال والإعلام المعاصرة من أجل سرعة الوصول بالخطاب الإسلامي للناس وإحداث التأثير الفعال فيهم .. ففي عصر العولمة يتوقع أن يزداد تأثير الإعلام بمختلف أشكاله في صياغة قناعات الناس وتوجيههم وفق الأهداف الإعلامية المرسومة ومن غير المنطقي أن يبقي المعنيون بإصدار الخطاب الإسلامي متخلفين عن غيرهم في توظيف وسائل المعلوماتية في الخطاب الإسلامي اعتمادا علي قوة الإسلام الذاتية وبرهانه الساطع وحجته الظاهرة التي تجعله يعلو ولا يعلي عليه وهذا التوجه يدل علي قصور في إدراك طبائع الأمور ويدحض ذلك كله ما بذله الرسول صلي الله عليه وسلم في سبيل الدعوة والبلاغ من جهد واجتهاد. * هل ترين أن هناك تقصيرا من الأزهر في إظهار سماحة الإسلام للغرب؟ ** ربما حدث ذلك في فترة من فترات الأزهر السابقة ولكن في الوقت الحالي أري أنه يقوم بدوره بدليل زيارة د. أحمد الطيب شيخ الأزهر الأخيرة لألمانيا والتي أثبت أن علماء الأزهر ليسوا مقصرين .. والمطلوب زيادة أواصر التعاون بين المؤسسات الدينية كلها ولابد أن تعيش حالة الحوار والنقد الذاتي البناء الذي سيؤدي بدوره إلي الانفتاح علي الآخر. * مازالت فوضي الفتاوي تعم وسائل الإعلام المختلفة سواء الفضائيات أو الانترنت وغيره .. فما السبب في انتشار هذه الفوضي ومن المسئول عنها وكيف يمكن الحد منها ؟ ** السبب في انتشار هذه الفوضي أن البعض يدلي في غير تخصصه .. فمثلا أنا إنسانة تربوية أتكلم في تخصصي لكن أن أتكلم في الشريعة والفتاوي فهذا خطأ قال رسول الله صلي الله عليه وسلم "أجرؤكم علي الفتيا أجرؤكم علي النار" والمسئول عن ذلك وسائل الإعلام وغير المتخصصين والناس أنفسهم الذين يجب أن يعملوا عقولهم في كل ما يعرض عليهم ولا يغيبوا وعيهم .. فالمسئولية فردية كل إنسان مسئول الآن خاصة بعد حالة الانفتاح التي جعلت من الصعب التحكم في وسائل الإعلام أو توجيهها.