هل ما يمر به عالمنا العربي هذه الأيام يمثل حقاً ثورات طبيعية هادفة ونابعة من إرادة شعوب المنطقة لإسقاط الأنظمة السلطوية التي اتسمت عهودها بالظلم والقهر والفساد والتخلف؟.. أم أن ما نشهده هو مؤامرة محبوكة الخيوط.. صيغت خيوطها من فكر بعض المنظرين الغربيين في عالم ما بعد سقوط الاتحاد السوفييتي وانتهاء الحرب الباردة.. واستخدمت شعوبنا البائسة والتي كانت لفترات طويلة تعاني من سياسات قاصرة أوقعتها في براثن الفقر والفساد والتخلف.. لتكون تلك الشعوب هي المحرك والوقود لإحداث التغييرات المطلوبة وفق نظريات التقسيم وإعادة الترسيم التي أطلقها بعض المنظرين لسياسات ما بعد انتهاء الحرب الباردة.. ولتدرك تلك الشعوب بعد فوات الأوان أن الأمر قد انتهي بهم إلي ضياع الأوطان.. وضياع الأمن والاستقرار.. وتعتمت في أعينهم رؤي المستقبل.. ليكتشفوا في نهاية الأمر أنهم وبأيديهم وإرادتهم قد أصبحوا الجاني والضحية؟!! المتتبع لأحداث ما بعد انتهاء الحرب الباردة وخروج الاتحاد السوفيتي من معادلة التوازن الدولي وحدوث فراغ كبير في توازنات القوي.. يلحظ بوضوح أن الفكر الأمريكي الذي تعكسه النخبة السياسية والمحللين في مراكز الدراسات الاستراتيجية الأمريكية يهتم دائماً وبشكل مركز بقضيتين أساسيتين.. أولهما تحديد من هو العدو الذي يهدد المصالح الأمريكية ويؤثر علي ثقل الولاياتالمتحدة ومكانتها كقوة عظمي في المرحلة الجديدة.. وثانيهما هو كيف يمكن مواجهة ذلك العدو علي جميع الأصعدة.. وبدأت تلك الرؤي تركز فكرها علي الرؤية المستقبلية لدور الولاياتالمتحدة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وانفراد الولاياتالمتحدة بقيادة النظام العالمي الجديد.. وأصبحت تلك الرؤي فيما بعد تمثل المعين الذي يستعان به في وضع السياسات الأمريكية والخطط المستقبلية في التعامل مع الأزمات في أية بقعة من بقاع العالم.. علي أن يكون ذلك في إطار ما يعرف بثوابت السياسة الأمريكية.. وهي بالنسبة للشرق الأوسط تتركز في الحفاظ علي أمن إسرائيل والعمل علي تقويتها وعدم السماح بنشوب قوة حولها تؤثر علي أمنها واستقرارها.. وعدم السماح بامتلاك دول المنطقة للأسلحة النووية.. وكذلك عدم السماح لأية قوي أخري بالتحكم في ثروات الخليج ومنابع البترول.. والحفاظ علي الممرات المائية والطرق الدولية في منطقة الشرق الأوسط مفتوحة وآمنة.. وعدم السماح ببزوغ نظم شيوعية أو أيديولوجية معادية للولايات المتحدة والغرب أو مهددة لمصالحهما في منطقة الشرق الأوسط.. والحفاظ علي أمن واستقرار الدول الصديقة بالمنطقة والتي تتفق مصالحها ومصالح الولاياتالمتحدة.. وعقب سقوط حائط برلين في نوفمبر عام 1989 ثم انهيار وتفكك الاتحاد السوفيتي عام 1991 ظهر بعض المفكرين خاصة الأمريكيين ليطلقوا مفاهيم ورؤي استراتيجية تُنَظِر للمرحلة الجديدة. والتي أطلق عليها البعض "النظام العالمي الجديد".. بعض هؤلاء المفكرين خلص إلي أن انهيار الاتحاد السوفيتي هو إعلان رسمي بانتهاء الصراعات الأيديولوجية.. وبدء عصر جديد تلعب فيه الرومانسية السياسية دوراً كبيراً بعيداً عن الصراعات العسكرية وشن الحروب باهظة التكاليف.. وتوقع هذا البعض أن تسود قيم البيئة الرأسمالية والمتمثلة في الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان.. وطالب بأن تتولي الولاياتالمتحدة قيادة عالم الحرية والديمقراطية وأن تعمل علي إسقاط النظم الديكتاتورية والقهرية والتي لا تنتج سوي الاضطراب والاضطهاد والإرهاب.. وألمح بعض هؤلاء المفكرين صراحة إلي أن العالم العربي الشرق أوسطي هو المنطقة التي يجب أن تتركز فيها الجهود الأمريكية.. ومن أبرز هؤلاء المفكر الأمريكي ذو الأصول اليابانية والأستاذ في جامعة جونز هوبكنز هوشيرو فرانسيس فوكوياما والذي أوضحه جلياً في كتبه "نهاية التاريخ والإنسان الأخير" و"الانهيار والتصدع العظيم" كما أنه مؤسس مشروع القرن الأمريكي. غير أن مفكراً أمريكياً آخر هو صمويل "هونتنجتون" أصدر كتاباً شهيراً بعنوان "صراع الحضارات" يحمل رؤية مفادها أن الصراعات القادمة ستكون صراعات حضارية بين ثقافات مختلفة.. وستمتد لأبعاد زمنية طويلة.. وستغطي مساحات جغرافية شاسعة.. وستكون المواجهات تحديداً بين الحضارة الغربية من جانب.. والحضارتين الإسلامية والكنفوشية "الصينية" من جانب آخر.. وأكد هونتنجتون علي أن الخطر الذي سيهدد المصالح الأمريكية والحضارة الغربية هو الخطر الأيديولوجي والعقائدي والطائفي في الدول التي لا تنتهج نهجاً ديمقراطياً في أطر الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان.. وألمح في رؤيته إلي أن الولاياتالمتحدة يمكنها أن تبادر بكسب تلك الصراعات قبل أن تؤثر علي مصالحها العليا بأقل تكلفة وأقل خسائر ودون أن تتورط مباشرة في حروب لا ضرورة لها. ويشكل زلزال الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 فوق مدينة نيويورك منعطفاً تاريخياً في إعادة صياغة السياسة الدولية عامة وسياسة الولاياتالمتحدةالأمريكية علي وجه الخصوص.. فعقب ذلك الحدث المروع تفرغت مراكز الدراسات الاستراتيجة والمحللون السياسيون والعسكريون وأجهزة المخابرات في دراسة هذا التطور الخطير في العمليات الإرهابية والذي أودي في لحظات قليلة بأرواح ما يقرب من ثلاثة آلاف شخص.. فضلاً عن كونه يمثل لطمة مدوية في ثقل الولاياتالمتحدة وفي كرامتها الوطنية وهي التي تسعي بكل جهدها لتأكيد تفوقها علي جميع القوي الدولية الأخري.. واعتبار المواطن الأمريكي أكثر مواطني العالم تباهياً وفخراً بقوة دولته.. وتمخض عن تلك الدراسات العديد من الرؤي التي يحمل بعضها تنويها عما سبق طرحه من قبل ولم تأخذ الإدارة الأمريكية السابقة به. واستدعت الدراسات القائمة ما سبق أن طرحه المفكر الأمريكي اليهودي ذو الأصول البريطانية برنارد لويس والمتخصص في شئون الإسلام والشرق الأوسط.. والتي أطلقها منذ أربعينيات القرن الماضي لتساهم في صياغة رؤية يسترشد بها في صنع القرار الأمريكي للتعامل مع أزمة الحادي عشر من سبتمبر عام 2001.. ومعروف أن برنارد لويس يحمل عداءً غير طبيعي للإسلام.. وهو يوغل في اهتمامه بالتاريخ الإسلامي والدراسات الإسلامية لتأكيد فكره المسبق وقناعته الشخصية ذات الرؤية السلبية حول الإسلام والمسلمين.. والتي يعكسها بوضوح في كتبه الكثيرة التي أصدرها عن الإسلام عامة وفي الشرق الأوسط علي وجه الخصوص.. ومن أبرزها "أصول الإسماعيليين".. و"العرب في التاريخ".. وآخرها كتابه الذي صدر عام 2013 بعنوان "أزمة الإسلام الحرب الأقدس والإرهاب المدنس" وجميعها تعكس رؤيته السلبية إزاء الإسلام.. وتصف دوله وأتباعه بالتخلف وعدم القدرة علي التفاعل مع ظاهرة التطور الحضاري التي تعيشها أوروبا والولاياتالمتحدة. وجاءت ما تعرف بخريطة برنارد لويس لتقسيم العالم العربي والتي انتشرت مؤخراً علي نطاق واسع عبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي وأحدثت ضجة وصدمة كبري في العالمين العربي والإسلامي لتوضح سر ما أصبح يعرف بالفوضي الخلاقة التي أثيرت علي ألسنة بعض أركان الإدارة الأمريكية في عهد الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 أمثال ديك تشيني ودونالد رامسفيلد وكونداليزا رايس وبوب وولفيتزو ريتشارد بيرل وغيرهم.. وهي سياسة تستهدف في المقام الأول حماية الأمن القومي الأمريكي ومصالح الولاياتالمتحدة عبر العالم. وعندما جاء الرئيس باراك أوباما للحكم كان العدو الذي يهدد مصالح الولاياتالمتحدة معروفاً لديه ولإدارته.. وكان تركيز أركان إدارته علي إيجاد أسلوب جديد لمواجهة التهديدات المؤثرة علي الأمن القومي الأمريكي.. وباستعراض ما هو مطروح من قبل المفكرين والمحللين الاستراتيجيين.. اتفق علي تبني أفكار جوزيف صمويل أحد المفكرين المرموقين في الولاياتالمتحدة والذي كان يعمل رئيساً لمعهد كنيدي للدراسات الحكومية بجامعة هارفارد وشغل منصب مساعد وزير الدفاع في عهد الرئيس بيل كلينتون ثم استقال ليتفرغ للبحث والتحليل في مراكز الدراسات الإستراتيجية.. وتحمل تلك الأفكار المزج بين القوة الناعمة والقوة الصلبة في مواجهة العدائيات المؤثرة علي المصالح العليا للولايات المتحدة.. وأطلق علي ذلك الأسلوب القوة الذكية SMART POWER.. وهي تعني المزج بين السياسة الهادئة.. والدبلوماسية المرنة.. ومختلف وسائل القوة الناعمة.. والضغوط السياسية والضغوط الاقتصادية والقوة العسكرية والتي تمثل في رؤيته القوة الصلبة.. ويتم التركيز علي وسيلة ما طبقاً لتقديرات الموقف.. مع عدم إغفال الوسائل الأخري.. ولقد اعترفت السيدة هيلاري كلينتون بتبني الإدارة الأمريكية لتلك الرؤية في التعامل مع كثير من دول الشرق الأوسط.. وذلك خلال أحد لقاءاتها التليفزيونية بعد استقالتها كوزيرة للخارجية في مطلع الفترة الثانية لإدارة الرئيس أوباما. أبعاد الفكر المتعلق بالقوة الناعمة وأسلوب استخدامها في توافق مع القوة الصلبة وهي الرؤية التي صاغها ناي في كتابه "القوة الناعمة.. أدوات النجاح في السياسة العالمية" والصادر عام 2004 يشرحها "ناي" بقوله إن القوة الناعمة هي قدرة أي دولة ونظامها السياسي علي التأثير غير المباشر والمستمر في سلوك الدول الأخري وسياساتها ومصالحها وكذلك التأثير علي توجهات نخبها وشعوبها عبر توظيف عدد من الوسائل ذات التأثير في الفكر والوجدان مثل أدوات الثقافة.. قيم الدين.. الأيدلوجيات.. منظومة القيم والمبادئ العامة مثل الحرية / الديمقراطية / حقوق الإنسان / العدالة الاجتماعية وسائل الإعلام.. وغيرها من الوسائل الأخري التي تشكل في مجموعها ما أطلق عليه بالقوة الناعمة. وأشار ¢ناي¢ إلي دور التقدم التكنولوجي خاصة في مجال الاتصالات والذي ساعد علي انتشار الأفكار القومية وانتقال الأفكار والخبرات وإجراءات التنسيق عبر الأقطار في اللازمن.. وهو أمر تتسابق لامتلاكه المنظمات الإرهابية والإجرامية في شتي أنحاء العالم.. وبدرجة أحيانا تفوق ما لدي قوة الدولة ومؤسساتها الأمنية والعسكرية. كما أن التقدم والتطور الاجتماعي للدول قد أدي في الآونة الأخيرة لتراجع دور المؤسسات العسكرية.. حيث أصبح عالم ما بعد الثورة الصناعية يهتم بدرجة أكبر بإحداث الرفاة والرخاء.. ولا يهتم كثيراً بالانتصار في المعارك والحروب.. وهو الأمر الذي جعل بعض التنظيمات الطائفية تبدو في الصراعات العربية أقوي من الجيوش النظامية.. ولكنه أغفل حقيقة أن إضعاف الجيوش النظامية لبعض الدول يعود لمخططات إنهاكها في مواجهات داخلية وفي التعامل مع أمور أمنية تحرك خيوطها دول أجنبية بأموال وعتاد وترتيبات مخابراتية.. وذلك بعد آخر في التحديات التي يتعرض لها الأمن القومي العربي.. وهو أمر لا ينفصل عن الرؤي الفلسفية الرامية لإحداث الفوضي الخلاقة.. من خلال تدمير قوي الأمن وإضعاف وإنهاك القوات المسلحة للدولة. وجاءت الحرب علي العراق عام 2003 ثم ثورات الربيع العربي بداية من تونس ثم مصر وما صاحبها من أعمال تحريضية وتخريبية ممنهجة من الداخل والخارج.. ومدعومة مالياً ومخابراتيا وإعلامياً من بعض القوي الإقليمية.. لتؤكد أن المنطقة تتعرض لمؤامرة لا تنفصل خيوطها عن تلك الرؤي الفلسفية والفكرية التي صاغها المفكرون الأمريكيون حول تحديات الدور الأمريكي في الشرق الأوسط.. وتلك الرؤي هي في نفس الوقت أكبر التحديات التي تواجه الدول العربية وتهدد أمنها القومي بل ووجودها الحضاري.. واعتراف باراك أوباما بتمويل عمليات التغيير في مصر ودعم جماعة الإخوان المسلمين للوصول للحكم بمبلغ ثمانية مليارات دولار تأكيداً علي تبني الإدارة الأمريكية لرؤية استخدام القوة الناعمة في إسقاط الأنظمة العتيقة وفتح آفاق جديدة لأنظمة أخري تتوافق مصالحها مع المصالح الأمريكية.. ولقد تكشفت الكثير من الحقائق حول استعداد الإخوان المسلمين حال وصولهم للحكم في مصر لحل مشكلة التمدد الفلسطيني في غزة في اتجاه سيناء تنفيذا لرؤية إيريل شارون التي قدمها من قبل للإدارة الأمريكية "شعب بلا أرض وأرض بلا شعب".. وهذا يثبت بما لا يدع مجالاً للشك.. أن التغيير المستهدف في مصر هو تقسيمها وتمزيق وحدة أرضها ونسيج شعبها باعتبارها محور الأمن القومي العربي.. وبانهيارها علي غرار ما حدث للاتحاد السوفييتي يصبح الأمن القومي العربي في مهب الريح لصالح الكيان الصهيوني في إسرائيل.. ولصالح المصالح الأمريكية وثوابت السياسة الأمريكية في المنطقة. ويعد صمود مصر في مواجهة تلك المؤامرة لطمة كبري لملوك النظريات الفلسفية الأمريكيةوالغربية والإدارات السياسية القائدة لتلك النظم للسيطرة والهيمنة وإعادة صياغة الجغرافيا السياسية للمنطقة وفق مبتغاهم ومصالح دولهم.. كما يمثل ذلك الصمود والوعي الوطني الكامن في عقول وضمائر المصريين رغم تعدد رؤيتهم وتعمق خلافاتهم في معالجة أمورهم الداخلية وأسلوب إعادة بناء الدولة حداً من التوتر يخشي معه انفلات الأمر من بين أيديهم.. إلا أن إدراكهم لحتمية الصمود والوقوف صفاً واحداً في مواجهة مؤامرة التقسيم وإعادة الترسيم يبقي هو الحصن الذي يحرصون علي عدم السماح باختراقه أو حتي الاقتراب من محرابه المقدس. ثم ظهر التنظيم الإرهابي المعروف باسم "داعش" في منطقة الشرق الأوسط وتحرك تركيزاً في الدول المحورية بالعالم العربي ونجح في فرض سيطرته علي بعض الأراضي الحيوية في بعض الدول العربية خاصة في العراق والشام ومؤخراً في ليبيا. ثم تزايد ارتباطه وتعاونه مع بعض المنظمات الإرهابية الأخري مثل القاعدة في اليمن وجبهة النصرة في سوريا وأنصار بيت المقدس في غزةوسيناء وأحرار ليبيا وبوكو حرام في غرب وشمال إفريقيا وجبهة الشباب في الصومال.. مع حرصه علي التمدد المستمر وتطوير قدراته القتالية والفنية وتنوع أساليبه في شن الهجمات وبطريقة تثير الخوف والترهيب في نفوس سكان الأقاليم علي نفس النهج الذي اتبعته العصابات الصهيونية في تهجير أهالي فلسطين في مرحلة ما قبل الحرب عام 1948. ولا يزال العالم يقف عاجزاً عن مواجهة ذلك العدو السرطاني.. والذي أصبح يمثل تهديداً آخر للأمن القومي العربي عامة.. ولا يمكن تقدير موقف داعش واستمرار عملياتها الإرهابية إلا ارتباطاً بالرؤية الفلسفية الأمريكية الداعية إلي الفوضي الخلاقة كتمهيد لإعادة تقسيم الدول المحورية العربية بما يمنع تواجد قوي مؤثرة علي المصالح الأمريكيةوالغربية في المنطقة.. وهذا بعد جديد في قائمة التحديات الرهيبة المؤثرة علي الأمن القومي العربي. وإذا استعرضنا الموقف في مصر تحديداً وبعد انقضاء خمسة أعوام من تفجر ثورة 25 يناير 2011 نلحظ بوضوح أن مصر كانت هي محور تلك المؤامرة.. كونها تمثل العمود الفقري للأمة العربية.. وأحد ركائز الكتلة الحيوية في منطقة الشرق الأوسط.. وكان السهم الموجه إلي قلبها في إطار تلك المؤامرة هو التيارات الدينية المتخذة من الدين عباءة لتضليل العامة والوصول من خلال أصواتهم إلي الحكم.. وقد تمكنت تلك التيارات في غمرة الهياج الشعبي الذي صاحب ثورة 25 يناير.. وبخططها المعدة مسبقاً.. وعناصرها ووسائلها الكامنة داخل مصر وخارجها.. من فرض ضبابية كثيفة علي المشهد الثوري في مصر.. مصحوباً بضربات مروعة وموقوتة ضد مؤسسة الأمن لإسقاطها.. مع فتح الحدود لطوفان من الأسلحة والذخائر المتنوعة لتتدفق علي مصر.. والسماح لعشرات الآلاف من العناصر الإرهابية والتكفيرية لتتوافد إليها من كل حدب وصوب ولتتخذ لنفسها بؤراً كامنة في مصر وتحديداً في القطاع الشمالي الملاصق للحدود الشرقية مع قطاع غزة في شبه جزيرة سيناء.. مع غمر المشهد بعبارات التحريض والشائعات والافتراءات والتخوين لزيادة الضبابية المحيطة بالموقف. وبوسائل الترغيب والترهيب.. والخداع والتضليل.. والتملق والتزوير.. استطاع التيار المتأسلم أن يحكم قبضته علي الحكم في مصر.. ولتشهد عاماً من أحلك أعوامها تحت حكم ذلك التيار المعادي لحركة التاريخ.. والذي عمل علي تفريغ الدولة المصرية من مضمونها لصالح دولة الخلافة المزعومة التي يروجون لها.. وارتكب النظام الإخواني الكثير من الأخطاء الفادحة والصادمة دستورياً مشمولة بالقهر والقمع والاضطهاد.. وكاد أن يدفع بمصر إلي حرب أهلية تقضي علي الأخضر واليابس علي غرار ما يحدث حالياً في الدول العربية المحيطة بمصر والمؤثرة علي أمنها القومي غير أن وقفة القوات المسلحة المصرية التاريخية إلي جانب الشعب في ثورتي 25 يناير 2011 و30 يونيو 2013.. وقيامها بتأمين الدولة سواء في الداخل أو المحيط الحدودي.. وتصديها بكل قوة وحزم للعمليات الإرهابية الغادرة ومنع تأثر البلاد بنيرانها.. ثم دعوتها للقوي الوطنية كي تضع خارطة للمستقبل تؤمن عملية إعادة بناء المؤسسات الدستورية للدولة.. والبدء في تنفيذ ما اتفق عليه في تلك الخارطة بداية من وضع الدستور والاستفتاء عليه بواسطة الشعب وإقراره.. ثم انتخاب رئيس للجمهورية بإرادة شعبية حرة وبأسلوب ديمقراطي شهدت به المنظمات الدولية ومنظمات المجتمع المدني.. وأخيراً تنظيم الانتخابات البرلمانية لانتخاب نواب الشعب في مجلس الأمة.. والشروع في تنفيذ العديد من المشروعات الاستراتيجية كقناة السويس الجديدة وشبكة طرق تبلغ 3400 كم تغطي جميع أنحاء مصر وتهئ الظروف لتنفيذ مشروعات استثمارية عملاقة غرب خليج السويس وشرق التفريعة وفي سيناء وفي العلمين وفي الصعيد.. وذلك في إطار خطط وبرامج مدروسة ومعدة لتحقيق التنمية الشاملة للدولة. كل ذلك جعل مصر تقف صلبة شامخة مستعصية علي مؤامرة الانهيار والتمزق.. متحصنة بوحدة شعبها وقوة جيشها وقواتها الأمنية ومؤسساتها الوطنية ضد طوفان العنف والترويع.. وضد غدر الإرهاب الأسود المنافي للشرائع السماوية والقيم الإنسانية.. وضد حملات الكذب والتشكيك والافتراء والشائعات والتضليل وإثارة النعرات الطائفية التي تشنها بعض وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي في الداخل والخارج.. وضد كثير من وسائل الحرب النفسية الموجهة لشعب مصر وقواته المسلحة في إطار المؤامرة الكبري التي فشلت ضربتها الرئيسية فعمدت إلي حرب الإنهاك لقوي الدولة ومؤسساتها الوطنية. ويبقي التحدي الحقيقي الذي تواجهه مصر الآن متمثلاً في الوعي والإدراك بحقائق التحديات والمؤامرات التي تحاك لنا وتحيط بنا.. وأهمية التماسك والصمود والتلاحم القوي بين الشعب وقيادته السياسية وقواته المسلحة والشرطة.. خاصة في تلك الفترة الحاسمة التي تشهد تنامي الصراع بين القوي الوطنية المصرية والقوي المعادية لمصر والمناوئة لها من المتاجرين بالدين وأدعياء الوطنية.. في وقت يتطلب من الجميع الوقوف صفاً واحداً في مواجهة الإرهاب.. وفي مواجهة التحديات المعيشية التي تحيط بالدولة جراء تعطل مسيرة العمل والإنتاج لفترات طويلة.. ولدي مصر رصيد وافر من خبرة التعامل مع التحديات التاريخية عبر السنين.. وستنتصر بإذن الله علي جميع التحديات التي تواجهها.. وسيكون انتصارها ركيزة لانتصار أمتها العربية وعودتها إلي تلاحمها وتماسكها في مواجهة جميع المؤامرات التي تحاك لها وتستهدف الإضرار بأمنها واستقرارها.. وذلك هو جوهر إرادة الصمود والتحدي لإفشال تلك المؤامرة العبثية وتحقيق النصر الحاسم علي مفكريها ومعتنقيها.. وما النصر إلا من عند الله.