يعتمد الأديب "ملاك معوض سرور" علي المفارقة وما تثيره من دلالات وإيحاءات في مجموعته القصصية الجديدة "عصفور وحكايات من التحرير" والصادرة مؤخراً عن نادي القصة بالتعاون مع الهيئة العامة لقصور الثقافة. بلاغة المفارقة في رأيي الشخصي فيما تظهره وتفصح عنه من طبائع وسمات بشرية. وخصائص وسلوكيات إنسانية قد تختلف أو تتفق مع المأمول والمرغوب من الإنسان بشكل مطلق كما أراده المولي عز وجل أن يكون. علي هذا الإظهار أو الإفصاح. يعتمد أديبنا أو يكاد في مجموعته علي خلق الجو الجاذب والمناخ المهيمن علي أسماع وحواس المتلقي أو القاريء. ففي قصة "أختي سنية والقطط" تقودنا المفارقة في نهاية الحكاية إلي ما يعتمل في نفس المرأة من تسرع في الحكم علي الأشياء والأشخاص. وتناقض في التعامل مع الأمور والأحداث. فهذه زوجة الراوي المتكلم تتهكم وتسخر من "سنية" شقيقته التي تظهر علي شاشة التليفزيون في أحد البرامج لتتحدث عن إنشائها لجمعية رعاية القطط. بل وتتهجم علي شخصها وتخطيء في حقها عندما تشير إليها الأخت في حديثها بصفة القسوة والعنف عند التعامل مع الحيوانات. وفي ختام القصة نجد تحولاً هائلاً في موقف الزوجة من شقيقة زوجها. بسبب وعدها لها عند اتصالها بها في البرنامج أن تكون وكيلة للجمعية والمتحدثة الرسمية باسمها. وفي قصة "حكايتي مع جدو" ونحن نمضي في المشهد الحكائي الذي صنعه المؤلف. نعيش مع البطلة الزوجة حبها لزوجها وشغفها به وبأولادها. إلي أن نفاجأ بأن سبب هذا الحب ومصدره. وبداية تولده في قلبها هو الجد أو علي وجه الدقة المعلم الوسيم الذي تعاملت معه في شبابها وصدر تعلمها. وزرع في نفسه ووجدانها كيفية الشعور بالحب والإحساس بجماله وروعته. وكان هذا التعرف والاكتشاف عند لقاها المفاجيء به في النادي.. ومن "حكاياته من التحرير" والتي يهديها إلي شهداء الثورة. نقرأ من قصة "العطش" حكاية الجندي الذي يكون مع زملائه من العساكر حلقة متماسكة متشابكة الأيدي لمنع تقدم المتظاهرين في الميدان أثناء الثورة. هذا الجندي الذي يعاني طوال وقوفه كذلك مع زملائه بالساعات من الإجهاد والجوع والعطش. ورغم ذلك يقاوم ويقاوم حتي لا ينفرط عقد تماسكه البدني معهم بناء علي تعليمات الضابط قائده. وأوامره الصارمة له. وعلي الرغم من محاولة منع المتظاهرين والثائرين في الميدان. إلا أن واحدة منهم هي التي أحست به وأشفقت عليه وحاولت انقاذه مما هو فيه. بتقريب زجاجة مياه كانت في يدها من فمه. إلا أن الضابط رفض بشدة وأطاح بها من يدها. ليقع الجندي صريعاً وسط لهفة المتظاهرين ومحاولتهم انقاذه في مفارقة دالة وإشارة بليغة إلي أهداف الثورة ومبتغاها النبيل. وفي قصة قصيرة جداً بعنوان "بالبنط العريض" يضعنا الكاتب في مواجهة حالة غريبة وشاذة من البشر. تتسم بالنفاق والكذب والخواء. فهذا هو الصحفي الذي ينشغل بكتابة مقالين عن الثورة والثوار. وللعجب ان مقالتيه عكس بعضهما. إحداهما تمدح في الثورة والثوار وتبشر بعصر جديد من العدالة والحرية. والثاينة تذم فيهم وتسمهم بالعبث والفوضي والغوغائية.. وينتظر الصحفي بعد كتابتهما أخباره عن انتصار أي من الفريقين: الثوار أم السلطة.. لكي يستقر علي أي من المقالتين يرسلها للصحيفة لكي تنشر باسمه في الصفحة الأولي وبالبنط العريض. في إشارة دالة إلي ما أحدثته وأفرزته هذه الثورة وهذا بالقطع أحد مكاسبها من كشف للمنافقين وفضح لكذبهم وضلالهم المشين. وهكذا يمضي الأديب "ملاك معوض سرور" في نسج قصص مجموعته معتمداً علي إنهائها كلها تقريباً بهذه المفارقات الدالة والكاشفة لما يعتمل داخل النفس الإنسانية.