الشاهدون علي معركة الشرطة والمحتل الانجليزي عام 1952 أعداد قليلة وهم الان من كبار السن متعهم الله بالعافية والصحة أما تلك الاحداث التي سجلت أروع معاني التضحية والفداء فقد عرفها السواد الاعظم من الاحياء أبناء الشعب المصري عبر كتب التاريخ أو روايات الاباء والاجداد تلك الملحمة الرائعة التي شهدتها الاسماعيلية وواجه فيها أبطال الشرطة الانجليز ورفضوا تسليم المدينة إلي الاجانب اما جيل الشباب فالكثير منهم لايعرف عنها شيئاً إلا من خلال اطلاعهم علي كتب التاريخ والتربية الوطنية وأصبح الامر بالنسبة لهم مجرد عنوان هو الاحتفال بعيد الشرطة في 25 يناير من كل عام. فهذا اليوم من تاريخ مصر شاهد علي استشهاد 50 من جنود البوليس المصري البواسل واصيب 80 جريحاً بالاضافة إلي قيام الانجليز بأسر عدد من رجال البوليس المصري كان في مقدمتهم اللواء أحمد رائف قائد بلوكات النظام واليوزباشي مصطفي رفعت ولم يفرج عنهما إلا في فبراير وفي مقابل ذلك سقط من الانجليز الذين كانوا يمتلكون اسلحة متطورة وكثيفة تفوق ما يمتلكه البوليس المصري 13 قتيلاً و 12 جريحاً ولذا فقد تقرر ان يكون ذلك يوماً لعيد الشرطة لتبقي ذكري الابطال مسجلة في عقول كل مصري. اليوم نري من يريد ان يدفعنا إلي كراهية رجال الشرطة من خلال عناصر لا تريد للوطن الامن والسلامة وأياد خفية من الخارج لا هدف لها إلا شق الصف المصري وتمزيق وحدته وإحداث الفرقة بين الشعب وشرطته وجيشه ليتمكنوا من تنفيذ مخططهم في تقسيم البلاد واشعال حروب الفتنة الطائفية من ناحية والفتنة المذهبية من ناحية اخري وأن يتم ذلك ليس في مصر وحدها ولكن في كل المنطقة العربية. لماذا 25 يناير؟ ولمن لا يعرفون فإن ما حدث في 25 يناير 1952 ملحمة تضئ وجه الشرطة المصرية فخراً واعتزازاً بما قدمته في سبيل وطنها الذي عاش تاريخه معلماً يوم أكد وسيظل يؤكد وحدة الدم المصري مسلماً ومسيحياً يوم وقف فيه اللواء عبدالمسيح مرقص إلي جوار باقي الضباط الشرفاء يقرأون فاتحة الكتاب المبين جميعاً معاهدين الله علي الذود عن مدينة الاسماعيلية وعدم تسليمها للانجليز طالبين من الله عز وجل ان ينالوا الشهادة هكذا كان حال ابناء الوطن قبل ان يخرج علينا الآن من يريد شق الصف ولكن هيهات. أصل الحكاية في عام 1951 قررت الحكومة المصرية إلغاء المعاهدة التي أبرمتها مع بريطانيا عام 1936 وكان الوضع في الارض شديد التعقيد فالقوات العسكرية البريطانية كانت متمركزة في منطقة القنال وما حولها وكانت أعداد ضخمة من العمال المصريين يعملون في معسكراتهم وكان القائمون علي توريد الاغذية والخضر وخلافه من المصريين يسدون احتياجات هذه القوات التي تحتل مصر وفي أعقاب الغاء المعاهدة امتد شعور وطني جارف داخل المصريين بكل طبقاتهم فقرر العمال هجر أماكن عملهم في معسكرات الانجليز وأوقف الموردون أعمالهم وتعرضت القوات العسكرية البريطانية لموقف غاية في الاحراج حيث تعطل العمل داخل المعسكرات وصارت قوات الانجليز شبه محاصرة وبدأوا يضغطون علي الحكومة المصرية لتتراجع عن موقفها وارهاب الاهالي والعمال علي السواء وذلك بمهاجمة المدنيين واطلاق الرصاص علي الافراد والمنازل وإلقاء القنابل وغيرها من الاعمال الوحشية. لم تكن مصر مستعدة للدفع بجيشها في تلك المعارك خوفاً من اتخاذ الانجليز ذلك سببا لاعادة احتلال القاهرة وباقي محافظات مصر وتقرر ان يتحمل عبء الدفاع عن القتال رجال البوليس البواسل من بلوكات النظام. في أيام معدودة التحم الشعب بالشرطة وخاضوا معاً معارك حربية حقيقية مع القوات البريطانية وقللت الحماسة الوطنية من خسائر المصريين وهونت عليهم وشعر المواطنون بالامن في ظل تواجد رجال البوليس الذين لم ينسحبوا أو يتخاذلوا رغم بدائية تسليحهم تعاونهم بالقنابل والمدافع والطائرات الحربية البريطانية وأصبح من الطبيعي ان يسقط شهداء المقاومة مع شهداء البوليس المصري وان تحتضن أجسادهم تراب الوطن متراصين وان يبكي الشعب رجاله الابطال دون تفرقة وأدي وصول اعداد من الفدائيين إلي منطقة القتال من كافة التيارات السياسية والطبقات الشعبية إلي تنامي وازدهار التلاحم الوطني واستمر الحال لاشهر قبل ان يصمم الانجليز علي إخراج جنود بلوكات البوليس من القنال لانهاء مقاومتهم المسلحة لهم ولرفع الغطاء المادي والمعنوي عن الفدائيين والاهالي الذين يشنون عليهم الحرب. الشرارة الأولي وفي يومي 21- 22 يناير 1952 تم اعتقال مئات من الاهالي وأساءوا معاملتهم وحاصروا منطقة المقابر بحجة التفتيش علي الاسلحة وقتلوا خمسة من المصريين في تلك العملية. فضلاً عن الجرحي بل قاموا بصلب بعض من اتهموا باخفاء اسلحة علي الاشجار وسلطوا عليهم الكلاب تنهش اجسادهم.. وتطور عنف الانجليز تجاه أهالي الاسماعيلية. في ليلة الجمعة 25 يناير 1952 أقدم الاستعمار البريطاني علي ارتكاب مجزرة وحشية لامثيل لها من قبل.. ففي فجر هذا اليوم تحركت قوات بريطانية ضخمة تقدر بسبعة الاف ضابط وجندي من معسكراتها إلي شوارع الاسماعيلية وكانت تضم عشرات من الدبابات والعربات المدرعة ومدافع الميدان وعربات اللاسلكي واتجهت هذه الحملة العسكرية الكبيرة إلي مبني محافظة الاسماعيلية وثكنة بلوكات النظام التي تجاورها واللتين لم تكن تضمان اكثر من 850 ضابطاً وجندياً حيث ضربت حولهما حصاراً محكماً. رفضوا الاستسلام في صباح يوم الجمعة في الساعة الخامسة والنصف صباحاً قدم الجنرال اكسهام قائد القوات البريطانية في الاسماعيلية انذاراً إلي ضباط الاتصال المصري. البكباشي شريف العبد طلب فيه ان تسلم جميع قوات الشرطة وبلوكات النظام في الاسماعيلية اسلحتها ومغادرتهم مبني المحافظة وكذا الثكنات وان ترحل عن منطقة القناة في الساعة السادسة والربع ورحيلهم عن كل منطقة القنال بكامل قواتها. وهدد باستخدام القوة في حالة عدم الاستجابة إلي انذاره. فما كان من ضابط الاتصال إلا ان ابلغ هذا الانذار إلي كل من قائد بلوكات النظام اللواء/ أحمد رائف ووكيل المحافظة علي حلمي. فرفضاه واتصلا هاتفياً علي الفور بوزير الداخلية وقتئذ فؤاد سراج الدين في القاهرة وابلغاه بالامر فأقرهما علي موقفهما وطلب منهما عدم التسليم بل ومقاومة أي اعتداء يقع علي مبني المحافظة أو علي ثكنات بلوكات النظام وعلي رجال البوليس أو الاهالي والمقاومة حتي آخر طلقة وآخر رجل. مجزرة بالاسلحة الثقيلة وبعد دقائق طلب القائد البريطاني من قائد البوليس تنفيذ الانذار والا سوف يهدم مبني المحافظة والثكنات علي جميع من فيه وأصر القائد المصري علي الرفض.. وفي السابعة صباحاً بدأت المجزرة الوحشية وانطلقت مدافع الميدان من عيار 25 رطلاً ومدافع الدبابات "السنتوريون" الضخمة من عيار 100 ملليمتر تدك بقنابلها مبني المحافظة وثكنة بلوكات النظام. رد جنود البوليس المصري علي هذا العدوان بالمثل برغم عدم تكافؤ القوة إذ كانت القوة المصرية لا تزيد علي 800 جندي بالثكنات و 80 بمبني المحافظة وليس لديهم سوي البنادق في حين كانت القوات البريطانية تبلغ 7 الاف جندي مسلحين بالدبابات الثقيلة والمصفحات والسيارات والمدافع.. واستمرت المعركة ساعتين حتي اقتحمت القوات البريطانية الثكنات واسرت من بقي حياً. أما قوة بلوكات النظام المحاصرة بمبني المحافظة فقد قاومت بشدة أذهلت الانجليز الذين هددوا بنسف المبني إذا لم تستسلم القوة المصرية. وبعد ان تقوضت الجدران وسالت الدماء انهاراً أمر الجنرال اكسهام بوقف الضرب لمدة قصيرة لكي يعلن علي رجال الشرطة المحاصرين في الداخل انذاره الاخير وهو التسليم والخروج رافعي الايدي وبدون اسلحتهم والا فإن قواته ستستأنف الضرب بأقصي شدة. حماس الضابط الصغير تملكت الدهشة القائد البريطاني المتعجرف حينما جاءه الرد من ضابط شاب صغير الرتبة لكنه متأجج الحماسة والوطنية وهو اليوزباشي مصطفي رفعت قائد القوة فقد صرخ في وجهه في شجاعة وثبات "لن تتسلموا منا إلا جثثاً هامدة" . واستأنف الانجليز المذبحة فانطلقت المدافع وزمجرت الدبابات وأخذت القنابل تنهمر علي المباني حتي حولتها إلي انقاض بينما تبعثرت في أركانها الاشلاء وتخضبت أرضها بالدماء الطاهرة. وبرغم ذلك الجحيم ظل أبطال الشرطة صامدين في مواقعهم يقاومون ببنادقهم العتيقة من طراز "لي انفيلد" أقوي المدافع وأحدث الاسلحة البريطانية.. واستمرت المقاومة رغم اشعال النيران في المبني وهدم جزء منه حتي نفدت الذخيرة واستسلمت القوة المصرية للامر الواقع. اكسهام يشهد هنا أحني القائد البريطاني رأسه احتراماً لهم ولم يستطع ان يخفي إعجابه بشجاعة المصريين فقال لضابط الاتصال "لقد قاتل رجال البوليس المصريون بشرف واستسلموا بشرف ولذا فان من واجبنا احترامهم جميعاً ضباطاً وجنوداً وقام جنود فصيلة بريطانية بأمر من الجنرال اكسهام بأداء التحية العسكرية لطابور رجال الشرطة المصريين عند خروجهم من مبني المحافظة ومرورهم أمامهم تكريماً لهم وتقديراً لشجاعتهم. لقد سقط في ميدان الشرف في هذه المعركة 50 شهيداً من جنود البوليس وأصيب 80 جريحاً وأسر الانجليز من بقي منهم علي قيد الحياة وعلي رأسهم اللواء أحمد رائف قائد بلوكات النظام واليوزباشي مصطفي رفعت ولم يفرج عنهما إلا في شهر فبراير. وسقط من الانجليز 13 قتيلاً و 12 جريحاً. وتخليداً لهذه الذكري التي حزن لها الجميع فان الوطن قرر ان يكون يوم 25 يناير من كل عام هو عيد للشرطة إحياء لذكري الدماء التي جرت من أجل مصر وللرجال الذين رفضوا تسليم سلاحهم الوطني.